العدد 14 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر بخلاف تشكيلات سابقة في عهد الملك عبد الله الثاني، ينفرد فريق نادر الذهبي بقدر عال من الانسجام يلامس حدود التجانس، ما يمكّن "كابتنه" من بسط سيطرته على ملعب السلطة التنفيذية، على الأقل ظاهريا حتى الآن. هذا التوصيف لا ينطبق، بالضرورة، على بدايات حكومة علي أبو الراغب (2000-2003) وانطلاقة معروف البخيت (2005-2007)- إذ نجح الرجلان مبدئيا في "تمرير" قرارات وتحييد "الخصم" قبل أن يتراجع رصيدهما أمام تشتت البوصلة داخل المجلس، تواتر الأزمات والقصف الخارجي. القراءة الأولية في أداء الفريق الجديد، بعد نحو ثلاثة أشهر من تشكيله، تشير إلى دقّة في إحراز الأهداف، سلاسة في التمرير وتبادل الأدوار، اختزال الوقت الضائع، وتفادي "كروتا" صفراء وحمراء كانت تعرقل تنفيذ الخطط والمشاريع. يتجلّى ذلك في المناورات الأولية، ثم تراتبية قرارات رفع أسعار المحروقات وتوقيتها، فزيادة تعرفة الكهرباء والمياه. مثل تلك القرارات غير الشعبوية كانت كفيلة سابقا بإثارة موجة غضب عارم، نيابيا وصحافيا، على الأقل. لكن يحسب للذهبي وفريقه القدرة على تحييد سهام الإعلام، "تدريجية" جرعة قفزات الأسعار وربطها بشبكة أمان مع زيادة رواتب موظفي الدولة. حكومتا عدنان بدران والبخيت اجتازتا أيضا الاختبار الشعبي، إذ مررتا رفعا متكررا للأسعار دون عوائق. أكاديمي يرى أن الفضل الأكبر في انضباط الشارع يعود إلى الشعب الذي يمتص متوالية رفع الأسعار على مضض لكن دون صخب. ويستنتج الأكاديمي أن ما سميت باضطرابات الخبز في الكرك عام 1996، اختمرت على خلفية موقف حكومة عبد الكريم الكباريتي المعادي لعراق صدام حسين آنذاك. يستفيد الذهبي - سادس رئيس حكومة في عهد عبد الله الثاني - من هامش مناورة واسع وإسناد غير معلن، توفرّه مراكز صناعة قرار موازية في الديوان الملكي والمخابرات العامة. فلطالما تعقدت الخطوط المفتوحة بين تلك المراكز ورؤساء الحكومات السابقة في العهد الجديد. كذلك تبتعد توليفة مجلسي النواب والأعيان عن وضع العصي في عجلات فريق الذهبي، الذي يبحر أيضا خارج مرمى أقلام صحفية طالما شحذت للطخطخة على حكومات سابقة. هكذا تتراجع الهجمات الصحفية والحكومية المرتدة فيما يبدو وكأنه انخفاض سقف الحريات الصحفية، مع أن رؤساء تحرير صحف يومية ينفون وجود تدخلات في مضامين أخبارهم. في المقابل ثمّة قناعة بترسّخ "لجم ذاتي" لدى غالبية الكتاب والإعلاميين إما من منطلق منحه "فائدة الشك"، أو على خلفية هاجس الرابط العائلي بين الرجل الذي يتربع على ثاني أهم منصب دستوري في البلد وبين مدير أكثر الدوائر الأمنية نفوذا. وزراؤه وأسلافه يجمعون على أن الرئيس، القادم من سلاح الجو، يمتلك سلاحاً ذاتيا موازياً أبعد تأثيرا، وهو ديناميكيته ودقتّه العالية فضلا عن إلحاحه على متابعة القرارات في مختلف الوزارات. "يرتبط مقياس الأداء بشخص وخبرة الرئيس، بصرف النظر عن أعضاء فريقه"، يعلّق نائب رئيس وزراء أسبق، ويزيد "كل رئيس له جماعته الخاصة به داخل المجلس، وقد تتشكل تكتلات معارضة له ما يثير عواصف بين من يفترض أن يشكلون فريقا واحدا". لكن في النهاية، يتحدث المجلس إلى الخارج "بلغة واحدة" تتماهى مع لون الرئيس؛ وبالتالي فتصويت الوزراء لا يؤخر أو يقدم في سياسة الحكومة. يشتكي وزراء سابقون من تخصيص جل اجتماعات مجلس الوزراء لبحث قضايا إجرائية وإدارية خارج سياق بناء الاستراتيجيات. ويذهب رئيس وزراء أسبق إلى انتقاد تعدد المرجعيات وحكومات الظل، ما كان يعرقل سير عمل الفرق السابقة من عبد الرؤوف الروابدة مرورا بعلي أبو الراغب، فيصل الفايز، بدران والبخيت. تقاطع الصلاحيات والمناوشات الجانبية دفعت الملك مرارا لرفع الأكمام والدخول في إدارة أزمات ما يشوش عمل الإدارة العليا للدولة. وزير عابر للحكومات يخدم في فريق الذهبي، يصفه بأنه "سريع في اتخاذ القرارات مع التركيز على النتائج". فبفضل إصراره على أن تكون مداخلات "محدّدة وواضحة" اختزل اجتماع مجلس الوزراء من خمس إلى ساعتين أو ثلاث ساعات، بحسب خالد الإيراني. لكن لتجانس أداء الفريق محاذير. إذ يرى وزير سابق أن اللون الواحد والتوافق الدائم مع مجلس الأمة يؤثر على مبدأ المساءلة والرقابة مع أنه يفيد في تسهيل اتخاذ القرار. يرفض رئيس وزراء أسبق حكومة اللون الواحد. ويقول "نحن لسنا أحزابا تشكل حكومة الأكثرية، بل فريق عمل مؤلف من معارف، علاقات شخصية، توازنات وكفاءات". رؤساء حكومات ووزراء سابقون يرجعون الفرص الضائعة سابقا إلى اختلاف آليات انتقاء "المنتخب" الحكومي. ففي البدء كان الرئيس يختار بنفسه غالبية أعضاء فريقه استنادا لاعتبارات الكفاءة والتوزيع الجغرافي والديني. لكن الآلية اختلفت في منتصف الطريق إذ بات الرئيس غالبا ما يأتي على فريق شبه مشكّل أو يهبط عليه جاهز التشكيل في معظمه. باختصار، يستمد الفريق الحالي جدارته من أربعة منابع: مباركة الملك/الحكم، شخص وخبرة الرئيس وقدرته على إدارة الأزمات، حالة انفراج مع السلطة التشريعية وتواصل إيجابي في اتجاهين مع "شارع الشعب". على أي حال، فإن رأي "الجمهور" في منتخب/فريق "الكابتن" سيظهر في استطلاع المائة يوم الذي يجريه عادة مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية. |
|
|||||||||||||