العدد 14 - أردني
 

ديالا الخصاونة

مع كلّ الحديث عن السير ومشاكله وبسبب سنوات من الحوادث وقصص الدهس والإحصائيّات المخيفة، تطوّرت لدى كاتبة هذه السطور فوبيا جديدة هي فوبيا الشارع.الخوف من الشارع، من السير فيه ومن قيادة السيّارة. أحب القيادة ، أحب الشمس من شبابيك السيّارة والموسيقى، وبالذات برنامج ’سادة وسكّر زيادة‘ على محطّة مونتي مارلو، لكنّي بت أتجنّب الخروج قدر المستطاع وبصراحة رعبي هذا ليس بلا أساس.

المشاكل متعددة الأسباب منها :الإهمال والجهل والحماقة والولدنة وغيرها . ولموضوع يستحق هنا أن يطرح من باب الثقافة. لماذا كلّ هذه العدوانيّة على الشوارع؟ الأنياب ظاهرة والكشرة رائعة والشرر يتطاير والشتائم من فوق الأساطيح. هذه المساحات العامّة أي الشوارع، هي ساحات قتال ونزال تنسكب فيها الدماء ، حرفيّا. الإهانة والترهيب والاضطهاد هي سمات هذه المعارك الحرّة من أيّة كرامة أو كبرياء أو احترام للذات أو جنس العقلانيّة.

القلب يدقّ بصخب وتتمسّك اليدان بالمقود وكأنّ المصير متعلّق به، وهو كذلك.أغامر بحياتي نحو المجهول في كلّ مرّة أنتقل من مكان إلى آخر في عمّان بل في الأردن ككل. لا يعلم المرء من أين تنطّ السيارة القاتلة أو يظهر الماشي الأخرق. قلما يستعمل أحد الغماز ولم يسمع أحد بحدود السرعة أو بالانتظار عند التقاطع، لم يتعلّم أيّ أردنيّ إلاّ استعمال الزامور والأصابع والمسبّات. الذي يدفع للجنون هو قلّة الأدب المحضة المتزيّنة بالجهل في القواعد والمتوّجة برغبة دفينة بالاعتداء. والذي يفجّر الرأس هو شقلبة القيم والمعايير عندما يتعلّق الأمر بالسواقة. منذ متى كانت قلّة الأدب شطارة، أو الحماقة مهارة؟ لماذا يفتخر أحدهم بالتخميس والتشحيط؟ من أين الافتراض أنّ الشوارع مضمار سباق، ولماذا يسعى أحدهم إلى الفوز بتهديد حياته والآخرين غشّا، فيتعدّى على المسرب ويغض الطرف عن الأولويّة؟ يتجاوز عرس الموت المستمرّ هذه "الأخطاء" ، فأنت ترى الكراهيّة والحقد والتشفّي على الوجوه.

أمّا حين يكون المرء ماشياً فالرحلة محفوفة بالمخاطر فوق الإسفلت وفوق الرصيف، وإن أردت قطع الشارع فالانتحار بالقفز عن سطح فندق الورويال أقلّ رعبا. ما الذي يمنع أيّ سائق من التريّث قليلا حتّى يمر العابر أو يقطع الطريق؟ يشعر العابروهو يمشي أنّ العالم مقسّم إلى طبقة من في السيّارة وطبقة من هو خارج السيّارة، الأولى لا ترى الثانية والثانية تشعر بالمهانة. عدا عن أنّ الدولة تنكر وجود الطبقة الثانية بعدم الاعتناء بالأرصفة وممرات وجسور وأنفاق المشاة ويمكن التفاوض على سعر المدعوس، من أجل التجربة. حاول أيّها القارئ/أيّتها القارئة قطع الشارع الذي يتّجه من الدوّار الثالث إلى رأس العين، نصيحتي المحاولة من المنطقة القريبة من الدوّار، فاحتمال النجاة هناك هي الأعلى.

هناك غضب واحتقار وشعور بالأحقيّة على الشوارع، لعلّه من المهم على الصعيد الوطني دراسة الأسباب والاعتراف بالظاهرة، فالشوارع ليست محلّ تفجيرهذه المشاعر والسلوكات التابعة لها. جهل حقيقيّ بالقواعد وأسس السير. يبدو أنّ البنك الدولي قصد جميع المدارس عندما أشار إلى تدنّي مستوى الدراسة في العالم العربي، ومن الصعب الجدال مع هذه الملاحظة للأسف، ويبدو أنّ الفساد طال جميع حقول التعليم. غياب الإدراك بأهميّة السلامة والحذر. إن كان الشعب يحبّ أو يحتاج إلى أن يكون في أوضاع تتسم بالمخاطر وتغلي فيها الدماء وتفيع فيها هرمونات الأندورفين والأدرينالين فليتّجهوا إلى الصحراء بشكل دوريّ، بعيدا عن الضحايا المحتملين، وليقفزوا عن الصخور أو يتعاركوا مع الوحوش أو يعيدوا إحياء حفلات المجالدين (غلادييتور) الرومانيّة.

الناس في الشوارع ليسوا أعداء، على الرغم من الاعتقاد السائد. هم أغراب وهكذا هي المدن. لم تعد عمّان أو إربد قرية صغيرة يعرف فيها الناس أحدهم الآخر وإن لم يتعرّف عليه فهو معتدٍ. هناك العديد من القوانين التي يجب الخوض في صحّتها وأحقيّتها، لكن قانون السير ليس هدفاً للتمرّد، هو بالذات. الموضوع، موضوع السير والشوارع، شأن ثقافيّ يطال الجميع، واليوم هو شأن يتصدّر قائمة العديدين على المستويات الحكوميّة والمدنيّة والفرديّة. بصراحة، وصراخا، الوضع مرعب ويجب تناوله بشكل طارئ وجاد وعميق ومباشر وحقيقي؛ فقد تكون أنت القاتل أو المقتول التالي.

فوبيا الشارع.. قد تكون أنت القاتل أو القتيل
 
21-Feb-2008
 
العدد 14