العدد 14 - أردني
 

منصور المعلا

ساهمت عمليات شراء ذمم، المحاباة والتخبط الحكومي في اتخاذ القرارات على مدى عقود في تفاقم مشكلة النقل العام .لذلك تخفق آلاف الحافلات المتهالكة غير المبرمجة ومئات سيارات الأجرة في نسج شبكة نظام نقل متطورة عبر المملكة، حسبما يرى مسؤولون سابقون وخبراء في قطاع النقل .

إناطة تنظيم هذا القطاع بهيئة برئاسة وزير النقل بدءا من عام 2001 ،ساهم في وقف الانحدار ،إلا أن الاختلالات تراكمت على مدى عقود وما زالت تعرقل إعادة بنائه على أسس سليمة، حسبما يرى خبراء نقل.

مدن أردنية تصطبغ باللون "الأصفر" لا سيما عمان التي تجول في شوارعها المزدحمة 15 ألف مركبة أجرة(تاكسي)، أي ست سيارات لكل 1000 عمّاني، وهي بين الأعلى عالميا، بحسب هيئة تنظيم النقل العام نقلا عن دراسات مراكز بحوث عالمية، ترى أن النسبة الطبيعية هي سيارة تاكسي واحدة لكل 1000 مواطن.

أصبع الاتهام بعشوائية القرارات يوجه إلى وزارات وهيئات حكومية، من بينها وزارة الداخلية، التي كانت معنية بتنظيم قطاع النقل حتى عام 2001.

"توفر شبكة نقل عام حديث وآمن، يعتبر مقياس تقدم أي دولة "، بحسب وزير الداخلية السابق سمير حباشنة، الذي يعتبر أن "معضلة النقل في الأردن مركبّة، بين أصحاب القرار، الطرق، مواطنين ، وأصحاب عمل".

ويضيف إن "حال قطاع النقل مثل بقية القطاعات الأخرى، يعاني من تعدد المرجعيات والرؤى والتغييرات في مراكز صنع القرار، والبناء من الصفر".

رتبت تلك القرارات المتعددة للجهات التي تولت إدارة دفة هذا القطاع خسائر جسيمة على الاقتصاد الوطني وأدت إلى انفلات قطاع النقل الذي يعد عصب الحياة الرئيس للبلاد، على ما يرى خبراء اقتصاد.

الحباشنة يجادل بأن الحل الوحيد لمشكلة النقل تكمن "في إنشاء مؤسسة عامة للنقل بشراكة مع القطاع الخاص، يكون احد أهدافها الربح، وتعمل على توفير نظام شامل للنقل". كذلك يدعو إلى "توفير شبكة قطارات حديثة ضمن سياقات تنظيم القطاع والحد من الخلل فيه".

"على الرغم من تعدد المرجعيات التي تولت الإشراف على قطاع النقل (مؤسسة النقل العام ،هيئة تنظيم قطاع النقل، وزارة النقل ، ودوائر عديدة مختصة بالسير في وزارة الداخلية والأمانة، إلا أن هذا القطاع ما زال وكأنه في البدايات"، يضيف الحباشنة.

هيئة تنظيم قطاع النقل رفعت تكلفة التنقل بين المدن الأردنية بنسبة من 10 إلى 23 بالمئة عقب رفع الدعم عن المحروقات، هذا القرار رتب مبالغ إضافية على محافظ المواطنين.

يشكل "المشغل الفردي" أكثر من 85 بالمائة من حجم خطوط النقل العام في المملكة والتي تقدر ب 1100 حافلة و4500 باص كوستر"، بحسب مدير عام هيئة تنظيم قطاع النقل هاشم المساعيد.

الهيئة التي تولت إدارة قطاع النقل العام في المملكة عام 2001 خلفاً لوزارة الداخلية تواجه، بحسب المساعيد، "وجود عدد كبير من خطوط الباصات في بعض المناطق ، فيما تشهد مناطق أخرى نقصاً واضحا". أوقفت الهيئة "منح خطوط النقل العام باستثناء الشركات"، حسبما أوضح المساعيد.

"اختلاف أداء المحافظين في وزارة الداخلية وعدم حيادية بعضهم، فيما يخص منح إجازات امتلاك خطوط النقل العام، أثار سابقا نزاعات وقضايا بين مواطنين"، وفق المحافظ السابق في وزارة الداخلية ثامر الفايز، الذي يقر بأن "تعدد المرجعيات واللجان التي تدرس حاجات المحافظات والمناطق أدى إلى حدوث فوضى في قطاع النقل العام."

ويخلص للقول إلى أن "إعادة هيكلة القطاع أصبح أمر ملحا، لمواجهة الاستنزاف الكبير الذي يسببه لموازنة الدولة وجيوب المواطنين".

**

بين الامس واليوم

القطار الكهربائي وحجارة الأطفال

يصطدم مشروع القطار الكهربائي الخفيف المزمع تشغيله بين عمان والزرقاء باحتجاجات قاطنين على جنبات خطّ مساره المطروح. الناطقة الإعلامية لهيئة تنظيم قطاع النقل إخلاص يوسف تشتكي من أن أطفالا يعمدون إلى رجم قطار الخط الحديدي الحجازي، الذي ستبنى عليه البنية التحتية للقطار المستقبلي، كلما مر عبر أحياء سكنية مزدحمة أثناء جولات وفود استكشافية. وتتساءل السيدة يسوف «كيف سيكون الوضع بالنسبة للقطار الكهربائي الذي سيمر عبر هذه الأحياء عشرات المرات في اليوم؟» إدارة الخط الحجازي الأردني وجدت الحل ببناء جدار يعزل البيوت عن سكة القطار فأرسلت إنذارات للسكان بضرورة تغيير اتجاه أبواب بيوتهم ، الأهالي لم يتقبلوا الأمر ويهددون باللجوء إلى مجلس النواب.

**

"النقل".. 41 وزيرا خلال 43 سنة

ربما لم تحظ وزارة في بلدان العالم بشرف استقبال وزير كل سنة وبضعة أسابيع مثل وزارة النقل الأردنية التي انشأت عام 1965 تحت مسمى وزارة المواصلات (سكك، طيران وموانىْ). على أن قانون الوزارة لم يصدر إلا عام 1971. تأسست مؤسسة النقل العام عام 1985 وتولت تسيير حافلات النقل الجماعي. لكن أداء المؤسسة تراجع كما تكبدت خسائر متراكمة فعادت الحكومة مرة أخرى لخيار الخصخصة عام 2001 حين أنشأت هيئة تنظيم قطاع النقل العام .

**

تعرفة النقل كانت "تعريفة" على خطوط العاصمة

يستذكر صالح الجميل حتّر بدايات النقل الجماعي في الأردن حين انتشرت شركات خاصة مع مطالع القرن الماضي. ثم قرر رئيس الوزراء في مطلع ستينيات القرن الماضي دمج الشركات الخاصة تحت مظلة مؤسسة موحدة شكلت الأرضية التي تأسست عليها مؤسسة النقل العام لاحقا. خلال أحداث أيلول 1970 تعرضت أكثر من 30 حافلة لاتحاد باصات العاصمة للحرق ثم فضت الشراكة بعد تعويض أصحاب الشركات الخاصة قبل الدمج . قبل عام 1960 كان أصحاب الحافلات يجنون أرباحا ضخمة تصل إلى مئات الدنانير يوميا حين كانت أجرة الركب قرشا واحدا بين وسط البلد والمحطة، وقرشا ونصفا وصولا إلى ماركا الشمالية. وفي مواسم المنافسة، كانت الأجرة تنخفض إلى "تعريفة" التي لا يعرفها شباب اليوم.

تركة من التجاوزات والإخفاقات: “المطبات” الإدارية تعرقل قطاع النقل
 
21-Feb-2008
 
العدد 14