العدد 14 - أردني | ||||||||||||||
سليمان البزور عمان-اربد وبالعكس : يصارع مئات "الكونترولـية" من أجل الحفاظ على قوت يومهم في مواجهة قرار رسمي يقضي باستبدالهم تدريجياً ببطاقات ذكيّة على حافلات جديدة ضمن استراتيجية جديدة للنقل العام. ويشتكي أصحاب هذه المهنة التاريخية من استبعادهم عن عملهم أولاً بأول مع التوسع في إدخال نظام البطاقة الذكية (smart card) - الحصالات الإلكترونية. وتيرة اعتماد البطاقات الذكية التي طبقت على 192 حافلة حتى الآن ستتسارع خلال الشهرين المقبلين، بحسب مدير هيئة تنظيم قطاع النقل العام، هاشم المساعيد، الذي يؤكد الاشتراط على شركات النقل العام استيراد حافلات تحوي آلات لاستخدام البطاقة الذكية. وردت لهيئة تنظيم قطاع النقل 82 شكوى خلال الأعوام الأربعة الماضية، تتعلق بسلوكيات "الكونترولية"، بحسب سجلات الهيئة. على أن "الكونترول" يرى في وسائل التحصيل الجديدة "شطباً" لدوره وحرفته وقطعاً لمصدر رزق آلاف الأشخاص. الهيئة ترد على ذلك بأن هناك فرص عمل أخرى في قطاع النقل تتوزع بين السائقين والمراقبين والميكانيكيين وإداريي أنشطة. وترى أن بإمكان "الكونترول" إعادة التأهيل والانخراط بها، وتدرس حالياً اقتراحات تتعلق بتصويب أوضاع "الكونترولية" من خلال اعتبارهم موظفين في شركات النقل وإلزامهم بزي موحد، واشتراط حسن السلوك وعمر محدد لا يسمح بزيادة عمالة الأطفال. في المقابل تؤكد مؤسسة التدريب المهني عدم وجود أي برامج تدريبية "للكونترولية". يقدر السائقون أعداد "الكونترولية" بـ9 آلاف بينما تقر الهيئة بعدم وجود إحصائية رسمية لأعداد "الكونترولية" وبخاصة أن وضعهم غير قانوني. إلا أن غالبية "الكونترولية»، بعضهم متقدم في السن، يستصعبون تبديل الحرفة في عمر متأخر، في حين اختار بعضهم الاحتجاج قبل عشرة أيام أمام مجلس النواب، مطالبين بوقف قرار الاستغناء عن خدماتهم. لا يتقن محسن حميدي 38 عاماً سوى مهنة "الكونترول" التي يعمل بها منذ 15 عاماً، متنقلاً بين حافلات عمان اربد، يتوقع حميدي أن يحرمه قرار إدخال البطاقة الذكية من مصدر دخله الوحيد البالغ 150 ديناراً شهرياً، مما يتركه و "زوجته وولده عرضة للضياع". لا ينفي حميدي ارتكاب بعض زملائه تجاوزات وإساءات بحق الركاب أحياناًً، إلا أنه يرفض التعميم، لافتاً إلى أن بعض الاتهامات توجه جزافاً. الكونترول مروان السكران، يصف الهيئة، التي تنظم عمل ما يزيد على 1100 حافلة، و4500 باص "كوستر"، "بالأنانية وغياب الأبعاد الإنسانية". السائق محمود الهزايمة، يبرز الحاجة للكونترول "فأحياناً تتعطل الحافلة، وحين يطلب راكب الوقوف في منحدر أو مرتفع، لا يمكن نزول السائق من الحافلة، لذا فإن وجود الكونترول ضروري". ويؤكد أيضاً أن بعض الركاب الذين «يضعون حقائبهم وأغراضهم في صندوق الحافلة بحاجة للمساعدة بخاصة كبار السن، كما أن من مهام الكونترول تنظيف الحافلة وغسلها بعد كل رحلة، التزود المستمر ‘بالفكة‘ وتنبيه السائق للركاب الواقفين في أماكن مختلفة". سائقو باصات، يؤكدون تعرضهم للمخالفات لاستخدامهم "كونترول" تطبيقاً لقانون السير الجديد في المادة 67 "يمنع استخدام "الكونترولية" داخل وسائط النقل العام، ومن يخالف ذلك يغرم 50 ديناراً». إلا أنهم يستمرون في تشغيلهم، «من منطلق إنساني»، لا سيما «أن كثيراً منهم يعملون مع السائقين قرابة العقدين". "الكونترول" نسيم مطالقة (19 عاماً)، يعمل منذ 2005 على حافلة عمان-إربد. وهو يعيل أسرة من سبعة أفراد. يؤكد مطالقة أن العبء "ازداد عليه بعد دخول والده السجن لذا لم يكمل دراسته التي توقفت في الصف العاشر". ويخلص إلى مناشدة الهيئة للتراجع عن قرارها، لأن العديد من الأسر تعتاش من هذه المهنة. فهل يلحق "الكونترول" أصحاب المهن المنقرضة من "مصلح بابور الكاز" إلى «مبيض الأواني النحاسية"، دون تجهيز بدائل، في بلد يقدر معدل البطالة فيه رسمياً ب 14.5 بالمئة من القوى العاملة. تعود كنية كونترول في الأصل للقاموس الفرنسي ودخلت الدولة العثمانية مع دخول القطارات في المدن وانتشرت هذه التسمية في الدول العربية بحدود العام 1890 وبعدها دخلت الى اللغة العربية، بحسب المؤرخ الدكتور عدنان البخيت. ** "رحلة جامعية.. رحلة صعبة" منصور المعلا يتشبث مجحم وإياد الطالبان في جامعة اليرموك بسقف حافلة نقل عمومي تقلهما من قريتهما «غريسا» 20 كلم شمال مدينة الزرقاء، إلى مركز المدينة، ضمن رحلتهما اليومية للحاق بمحاضرات دراسية في جامعة اليرموك، طالما تأخرا عنها. تلخص قصة «مجحم وإياد» حال الكثيرين من أبناء القرى المتناثرة على خاصرة محافظة الزرقاء يدرسون في جامعات أو يعملون في مؤسسات خارج مدينتهم، وبينما يحاول إياد، الذي يدرس التاريخ، دسّ كتبه الجامعية تحت سترته اتقاء للمطر يشرح «معاناته» شبه اليومية بسبب عدم توافر مواصلات منتظمة. ويقول : «نقف كل يوم بهذا الشكل العشوائي في مجمع الحافلات بانتظار حافلة تقلنا إلى مدينة إربد، من ثم نستقل سيارات سرفيس إلى موقع الجامعة». «ثلاث وسائط نستقلها يومياً، في رحلة تستغرق أكثر من ساعتين، نعود بعدها منهكين في آخر النهار، ولسنا بالتأكيد في مزاج يسهل مهمة اعادة مراجعة المواد الدراسية والمحاضرات التي تلقيناها» حسبما يستذكر اياد. ويشير مجحم، الذي يدرس تخصص اللغة الانجليزية، إلى «أن تكلفه تنقله ما بين الجامعة ومنزله تتجاوز 4 دنانير يومياً»، لكنه يستبعد فكرة استئجار بيت قرب حرم الجامعة، «لأنه سيكلفه مبالغ إضافية ليس بمقدوره تحملها». مجحم يرى أن «مواعيد الكثير من المحاضرات تكون في ساعات مبكرة وفي أحيان كثيرة في ساعات متأخرة من المساء مما يضطره الى النهوض باكرا على أمل اللحاق بمحاضراته، والعودة متأخراً الى قريته». مشوار اللحاق بحافلات النقل العام يكون أصعب بالنسبة للسيدات. ففي ساعات الفجر الأولى، بينما يهم أبناء القرية بالخروج من المسجد، يقف سائق الحافلة الستيني «أبو بلال» في انتظار طالبة تعهد لأهلها بتأمين مقعد لها في الحافلة. وعدا ذلك، يبقى انتظار الحافلات معاناة يومية، يصعب بلوغها إلا بشق الانفس.
** شقاء السفر من "غوير" الى "مغيّر"
سليمان البزور يراهن محمد الضمور وعائلته، على الحظ، الصبر وقوة التحمّل، كلما خطط للسفر من قريته الكركية «غوير»، إلى قرية «مغيّر» في إربد، إذ يتحمل مشاق رحلة على متن عدّة حافلات تسرق نصف نهار من وقته لقطع 215 كيلو متراً. «لولا صلة الرحم، المناسبات الاجتماعية والأعياد لما اضطررت لدخول مغامرة السفر هذه شبه الموسمية» يؤكد الضمور. الضمور وعائلته، هم جزء من آلاف الأردنيين «الأقل حظّاً والأكثر شقاءً» ،إذ تشكل هذه الفئة التي تستخدم وسائط النقل العام العشوائية غير المبرمجة 43 بالمئة من مجمل المسافرين على طرقات المملكة، بحسب هيئة تنظيم قطاع النقل. الضمور (30 عاما)ً ووالداه وشقيقه الأصغر يخصصون يوماً كاملاً لرحلة «الشقاء». وتتحاشى العائلة اختيار يوم الخميس نهاية الأسبوع للسفر، لأن المشقة ستكبر، إذ يشهد ذلك اليوم عودة آلاف الطلاب الجامعيين والعسكريين والموظفين إلى منازلهم. يسرد الضمور تفاصيل الرحلة، «لأننا لا نمتلك سيارة خاصة بنا يتحتم علينا الاعتماد على وسائط النقل العام. ننهض في الصباح الباكر قرابة السادسة صباحاً لنستقل أحد الباصين اليتيمين في القرية للتوجه الى مجمع سفريات الكرك مقابل 23 قرشاً لنقل الراكب مسافة 10 كم. قد تمتد مدة الانتظار نصف ساعة في مجمع سفريات الكرك الرئيسي نسلم خلالها أمرنا للحظ. وإن تواجدت حافلة علينا الانتظار لحين اكتمال حمولتها بين 30 - 45 دقيقة، وهي المدة التي نقضيها في الانتظار اذا لم تتوافر حافلة لتقلنا 125 كم الى عمان». إذا استقلت العائلة حافلة ركوب متوسطة ستحتاج ساعة لتصل عمّان. أما إذا كانت الحافلة كبيرة فتمتد المعاناة على مدار ساعة ونصف الساعة. ينتقد الضمور حالة الحافلة الكبيرة ويضيف: «في أحيان كثيرة تكون التدفئة شبه معطلة. رغم تدني درجات الحرارة، إلا أنها تعمل بنصف طاقتها، مع أن حمولتها 50 راكباً يدفع الراكب 1،60 قرشاً بالتالي فليس هناك من سبب لعدم صيانة الحافلة». «تستمر الرحلة على هذا المنوال حتى نهاية خط سيرها في مجمع الجنوب في قاع المدينة عمان. بعدها نأخذ قسطاً من الراحة يقارب ال20 دقيقة، لنستقل حافلة تتجه بنا الى مجمع الشمال في طبربور مقابل 23 قرشاً. إلا أن مسافة ال 8 كيلو مترات بينهما تستغرق 35 دقيقة نظراً للازدحام الشديد. في مجمع الشمال علينا الاختيار بين ثلاثة أنواع من وسائط النقل العامة، سرفيس 166 قرشاً، حافلــة مـتوسطــة 90 قـرشــاً، حافلة كبيرة 175 قرشاً. في الغــالب علينــا الانتظـــار بــين 25 - 40 دقيقة لنقطع مسافة 90 كم إلى إربد»، حسبما يشتكي المسافر الكركي. تستغرق الرحلة الى إربد ساعة واحدة على الأقل. وحين يصل الركاب إلى «مجمع عمان الجديد عليهم استخدام وسيلة نقل متوسطة إلى المجمع الشمالي الذي يبعد ستة كيلو مترات عن مجمع عمان الجديد، للوصول إلى قرية المغير وبأجرة 25 قرشاً للراكب الواحد. في المجمع الشمالي تتكرر حكايتنا، كما في غوير الكرك وبخاصة أن عدد الحافلات على خط المغير المجمع الشمالي لا تتجاوز 3 حافلات تحتاج الى أن تكمل حمولتها تماماً، ولنصل بعد نصف ساعة الى المغيّر منهكين، وتكون الساعة قد جاوزت الواحدة ظهراً». بحسبة بسيطة استقلت عائلة محمد الضمور ست حافلات، وقطعت مسافة 215 كيلومتراً، وبكلفة إجمالية 14 ديناراً و24 قرشاً. الحكاية لا تتوقف هنا ،فرحلة العودة إن لم تكن أكثر مشقة، فهي بالقدر نفسه من الأعباء والكلفة. بينما تشير أرقام هيئة تنظيم قطاع النقل إلى أن متوسط معدل انتظار الحافلات في عشرة مجمعات لا تتجاوز ال25 دقيقة، فإن بعض الخطوط لا تتجاوز فيها مدة الانتظار 5 دقائق. وتبعاً لتعرفة الركوب الجديدة، فإن التكلفة ارتفعت بمقدار دينارين على العائلة في رحلتها. |
|
|||||||||||||