حتى قبل أن تدخل السباق إلى البيت الأبيض، وقبل أن تنتخب عضوا في مجلس الشيوخ،كانت هيلاري كلينتون موضوعاً مثيراً للصحف الأميركية الرصينة وصحف الفضائح على حد سواء. وفي حين أن صحف الفضائح اعتاشت على قضية مونيكا لوينسكي وعلاقتها مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، في أثناء وجودها في البيت الأبيض سيدة أولى لأميركا، فإن الصحف الرصينة كتبت عن هيلاري كلينتون التي تجاوزت محنة العلاقة الجنسية بين زوجها والمتدربة السابقة في البيت الأبيض، التي حولت الفضيحة من حادثة كانت مؤهلة لأن تقضي على حياتها الأسرية ،إلى نقطة انطلاق نحو عالم السياسة الرحيب.

أكثر من كتاب تناول حياة هيلاري رودهام كلينتون، ربما كان أبرزها كتاب كارل برنشتاين، صحفي «الواشنطن بوست» الشهير بكشفه لفضيحة «ووتر غيت»، بالتعاون مع بوب وودوارد، الذي تحول إلى كاتب لسيرتها من خلال كتابه «امرأة مسؤولة: سيرة حياة هيلاري كلينتون»، وفيه عاد برنشتاين إلى حياة هيلاري المبكرة كفتاة عانت كثيراً من والد فظ وقاس، ما جعلها قادرة على إخفاء نقاط ضعفها لحماية نفسها وتجنباً لأي إذلال محتمل.

غير أن معظم الكتب والمقالات التي تناولت حياتها ركزت على فترة ارتباطها ببيل كلينتون، التي تعود إلى مطلع السبعينيات حين كانت هيلاري تدرس الحقوق في جامعة ييل، وتعيش مع صديقها، آنذاك، بيل كلينتون. ويرى كتاب سيرتها أنها كانت تشكل مع كلينتون مزيجاً غريباً من هيلاري الشابة الجميلة المتقلبة الواعية بنفسها، والشاب الذكي الجذاب والنجم الصاعد في عالم السياسة ،الذي يحتاج زوجة مخلصة ترد عنه هجمات الصحافة، وتقف علناً وبقوة إلى جانب زوجها، وهو ما قامت به فعلاً لدى انكشاف فضيحة مونيكا لوينسكي. وقد جعل هذا كله زملاء هذا الثنائي الغريب يطلقون عليهما اسماً مركباً هو: «بيلاري».

غادرت هيلاري مع زوجها إلى ولاية أركنسو البعيدة عن مراكز صنع القرار، غير أنها ما لبثت أن عادت مع زوجها إلى واشنطن لتقيم معه في البيت الأبيض. هنا تحديداً بدأت حياة هيلاري السياسية. ويروي برنشتاين أن مسلك هيلاري في بدايات حياتها كسيدة أولى كان يتسم بالعجرفة؛ فقد أبدت احتقاراً للصحافة، واستبعدت طاقم موظفي البيت الأبيض، وارتدت على صديقها القديم فينس فوستر الذي انتحر فيما بعد، واصطدمت مع نائب الرئيس آل غور، وطالبت بحقيبة وزارية، وحين رفض طلبها أصرت على إجراء إصلاحات في المجال الصحي، ما أحدث مواجهة بينها وبين وزيرة الخدمات الصحية والإنسانية في إدارة كلينتون دونا شالالا، وهي خطوة كان من شأن إقرارها «وضع نظام الضمان الصحي الأميركي في القبضة المميتة لشركات التأمين الخاصة الكبرى في البلاد.» كما تقول الكاتبة الأميركية باربارا إهرنرايت.

في هذه المرحلة كانت هيلاري تمارس دور السيدة الأولى مستفيدة من كل الصلاحيات الممنوحة لها، ولكنها لم تمارس السياسة بمعناها المباشر الذي كانت قد انتقدته في خطاب مبكر لها يعود إلى العام 1969، وفيه أشارت إلى السياسيين بوصفهم «أولئك الذين يمارسون السياسة باعتبارها فن إظهار المستحيل ممكناً.»

غير أن غطرسة السيدة الأولى تعرضت لانتكاسة، حين اكتشف تورطها في عملية طرد سكان من أراض تملكوها في أركنسو بموجب نظام خاص، وذلك بناء على تشريع من 1300 صفحة وضعته هيلاري، على خلفية تضارب في المصالح بين دورها بوصفها السيدة الأولى في ولاية أركنسو، ودورها محامية لشركة «ليتل روك روز»، فهي كانت تعمل مع الشركة المشار إليها التي كانت تمثل شركتي تايسون بولتري ووول مارت الشهيرتين بعدائهما للعمال كما تقول إهرنرايت.

وكان على هيلاري بعد هذه الفضيحة أن تعيد تلميع صورتها، واختارت أن يتم ذلك من خلال تأليف كتاب ذي عنوان دال هو «إنها تأخذ قرية» الذي تحدثت فيه عن أهمية جيل الأطفال وزعمت فيه أن أسرتها كانت مسالمة.

وعلى الرغم من أن حرب العراق لا تشكل الموضوع الأبرز في برامج الناخبين، فإنه مع ذلك موضوع لا يمكن تجاهله، وبخاصة بالنسبة لهيلاري التي تتخذ موقفاً انتقادياً من الحرب على العراق، وتؤيد سحب القوات الأميركية منه. وهي تعلن في اجتماعاتها الانتخابية أنها لم تصوت لصالح شن الحرب على العراق، بل صوتت على تخويل بوش بمواصلة الحرب إذا ما قرر أن يشنها. وتضيف أنها في حال انتخابها، فإنها سوف تضع خطة لسحب القوات الأميركية من العراق خلال 60 يوماً.

ولكن كتاباً آخر عن حياة هيلاري وضعه جيف غيرث ودون فان ناتا تحت عنوان «طريقها: آمال وطموحات هيلاري رودهام كلينتون»، يجادل في أنها حتى لو صح ما تقوله، فإنها صوتت ضد صيغة قرار اقترحه السيناتور كارل ليفين يطالب الرئيس «بالعودة إلى الكونغرس للموافقة على الحرب إذا ما أخفقت الجهود الدبلوماسية.»

وأسوأ من ذلك، كما يقول المؤلفان، هو أنها راوغت في الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت حقاً قرأت تقييم الاستخبارات القومية الموضوع في العام 2002، الذي قدم لتبرير الحرب على العراق، على الرغم من غموضه فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي زعم أن صدام حسين كان يمتلكها، علماً بأن التقييم كان الأساس الذي شنت عليه أميركا الحرب على العراق.

إن هفوات وأخطاء مثل هذه لا يمكن أن تقارن بأخطاء إدارة الرئيس جورج بوش، التي أدت إلى احتلال بلدان وسفك للدماء وحالات تعذيب تحدثت عنها وسائل الإعلام، ولكن الأخطاء تبقى أخطاء، والأسئلة المعلقة حول الموقف الحقيقي لهيلاري كلينتون من الحرب على العراق وغير ذلك من مواقف، تتحول إلى أسئلة قد يتوقف عليها مصير هيـلاري الطامحة إلى أن تكون أول سيدة تدخل البيت الأبيض.