العدد 14 - دولي | ||||||||||||||
في خضم السباق بين مرشحي الرئاسة الأميركيين إلى البيت الأبيض، راجت جملة ليست بجديدة على أي حال، هي "أننا نقوم بحملاتنا الانتخابية بالشعر ولكننا نحكم بالنثر". ولكن المراقبين للسباق الذي اشتد بين الديمقراطيين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، لاحظوا أن من يردد الجملة السابقة هي هيلاري كلينتون، أما من يخوض حملته بالشعر حقاً فهو أوباما. وليس المقصود بالشعر هنا هو البلاغة التي تتميز بها خطب أوباما، بل الشعر الذي كتبه أوباما حين كان شابا، فقد نشرت مجلة "نيويوركر" الأميركية قصيدتين كان أوباما كتبهما في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي الأولى بعنوان "البوب" والثانية بعنوان "تحت الأرض". وعرضت المجلة الأدبية الشهيرة القصيدتين على الناقد هارولد بلوم لتقييمهما فأبدى فيهما رأياً إيجابياً، وقارن بين قصيدة "تحت الأرض" وقصيدة شهيرة للشاعر والروائي الإنجليزي الشهير دي إتش لورنس عنوانها "الأفعى". وأضاف بلوم أن أوباما أكثر شاعرية من وزير الدفاع الأميركي السابق وليام كوهن الذي نشر ديوانين من الشعر، وكذلك من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي وصفه بأنه أسوأ شاعر في الولايات المتحدة. شاعرية باراك بدت بعد ذلك في كتابه "أحلام من أبي"، الذي نشره في العام 1995 وتحدث فيه عن أصوله الإفريقية وعن حياة الطفولة التي عاشها في غير بلد، وغير ولاية في أميركا. وفي أحد فصول الكتاب يرسم أوباما مشهدا لشاب في أواخر العشرينات من عمره وهو يجلس بين قبرين: قبر والده الذي لم يكد يعرفه، وقبر جده الذي لم يقابله أبدا، وينتحب. ولم يكن ذلك الشاب سوى باراك أوباما الذي زار موطن والده الكيني حسين أوباما، وأقام عند جدته لوالده التي تحول منزلها اليوم إلى محج للصحفيين والزوار، الذين حضروا لمقابلة جدة مرشح الرئاسة الأميركية التي ما زالت تقيم في منزل عائلة أوباما، وتعلق على الجدار شهادة الدبلوم التي حصل عليها حفيدها من جامعة هارفرد. ولد باراك أوباما في جزيرة هاواي لحسين أوباما، المهاجر الكيني الأصل، وآن البيضاء الأميركية التي تعود أصول عائلتها إلى ولاية كانساس. ولكن الزوج ما لبث أن غادر هونولولو حيث كانت الأسرة تقيم، إلى جامعة هارفرد للدراسة. وحين تخرج، غادر الولايات المتحدة إلى كينيا حيث عين خبيراً اقتصادياً، ولم يكن أمام آن سوى الزواج ثانية، ولكن هذه المرة من مواطن إندونيسي، مالبث أن غادر إلى جاكارتا ومعه زوجته الأميركية وابنها باراك الذي كان في السادسة من عمره. وهناك قضى أربع سنوات عاد بعدها إلى الولايات المتحدة. أما والده الذي لم تنقطع رسائله إلى زوجته السابقة وابنه فقد وعد كثيرا بزيارة أميركا، ولكنه لم يزرها في الواقع سوى مرة واحدة حين كان ابنه في العاشرة من عمره. في إطار هذا التشتت بين والد مسلم وزوج أم مسلم آخر، وبين أسرة والدته التي ربته تربية مسيحية ،يكمن السر في الجدل الذي دار وما زال يدور حول كون باراك مسلما، وهو ما حرص المرشح على نفيه وتأكيده ،بأنه نشأ على تربية مسيحية كان معها يزور الكنيسة مع جده وجدته لأمه في صورة منتظمة. لكن هذه النقطة لم تكن الوحيدة التي أثارت جدلاً واسعاً في أميركا، فقد أثيرت قضية تعاطيه سجائر الماريوانا المخدرة، وهو ما لم ينكره أوباما على أي حال، إذ صرح بأنه دخن الماريوانا لعدد قليل من المرات ،حين كان في نهاية المرحلة الثانوية وفي بداية دراسته الجامعية في كاليفورنيا. وعلى أي حال، فإن تدخين الماريوانا، الذي كان من شأن ثبوته على شخصية عامة أن يلحق بها ضرراً كبيراً في السابق لم يعد كذلك اليوم، فخلال انتخابات 2004 اعترف المرشحون الجمهوريون الثلاثة: جون إدواردز، وهوارد دين، وجون كيري بأنهم تعاطوا الماريوانا، أما المرشح الجمهوري، آنذاك، جورج بوش فقد اعترف بأنه شفي من الإدمان في العام 1974. وعلى الرغم من كل هذا الحفر في تاريخه الشخصي، تمكن أوباما من مواصلة مسيرته نحو البيت الأبيض، ببرنامجه الذي يتضمن عدداً من الأفكار التقدمية حول الاقتصاد، فهو مثلا يعارض إقامة منطقة التجارة الحرة الأميركية الشمالية. وهو مع تحسين نظام الرعاية الصحية ومعالجة التغيرات المناخية في العالم، والاحترار الكوني، وارتفاع تكاليف التعليم. أما العراق فهو مع سحب القوات الأميركية من هناك في العام 2009. وفي صورة ما تبدو هذه المواقف مستجيبة لمواقف الأجيال الشابة التي منحت باراك الكثير من الدعم. فهو حصل على دعم ما يزيد على 50 في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، وهم الجيل الذي تفتح وعيه على تفجيرات 11 / 9، فأصبح أكثر اهتماما بالسياسة وببرامج المرشحين وليس بصورهم وبلاغتهم وشعاراتهم. ومع ذلك، فإن اليمين لن يكون سعيدا في حالة فوز أوباما بالرئاسة. ويتطرف البعض بالتنبؤ بمقتله إن هو دخل البيت الأبيض. هذا ما يتوقعه كثيرون من بينهم الروائية البريطانية الحائزة على جائزة نوبل للعام الماضي دوريس ليسنغ التي ترى أنه إن انتخب فإنه لن يستمر طويلاً، "رجل أسود في منصب الرئاسة؟ سوف يقتلونه." |
|
|||||||||||||