العدد 14 - كتاب
 

سليم القانوني

يوم الأربعاء الماضي 13 فبراير شباط الجاري، أعادت 17 مطبوعة دانماركية نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد.

الخطوة فاجأت كثيرين، وبخاصة بعد مضي 29 شهراً على تفجر أزمة الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة «يلاندس بوستن» للرسام كورت فيسترجارد.وأثارت حينها ردود فعل ساخطة في العالم الإسلامي، وتسببت في أزمات سياسية منها استقالة وزير إيطالي أيد الرسوم وطبعها على قميصه الداخلي، كما تسببت في مقاطعة عربية وإسلامية لمنتوجات دانماركية.

إعادة النشرهذه فسرتها صحف دانماركية بأنها من قبيل التضامن مع الرسام، الذي قالت الشرطة في كوبنهاغن،إنه تعرض لتهديدات وتم اعتقال ثلاثة مشتبه بهم على ذمة القضية.

يذكر أن الصحيفة التي نشرت الرسوم لأول مرة اعتذرت عما بدر منها، كما أبدت الحكومة الدانماركية أسفها لما نشر، وعبرت حينذاك عن احترامها للمسلمين والدين الإسلامي، وشددت على الحرص على إقامة افضل العلاقات مع العالم الإسلامي.

إعادة النشر تثير تساؤلات مقلقة حول مغزاه ودوافعه.

فصحف هذا البلد الاسكندنافي تدرك حجم الشرخ الذي أصاب العلاقة مع العالم الإسلامي، نتيجة المساس بالرمز الديني الأهم لأكثر من مليار مسلم، كما ينبغي ان تكون مدركة لحجم الجهد الذي بذل لإصلاح ما تصدع.مما يجعل الإقدام على هذه الخطوة بتكرار الخطأ،أمراً بالغ الاستفزاز، علاوة على ما يتسم به من نزق وصبيانية، لا يليقان بمنابر تصنع الرأي العام.

ولا ينفع هنا التعلل من طرف 17 صحيفة بالتضامن مع الرسام، في وجه تهديدات مفترضة أو فعلية. فلهذه المطبوعات أن تتضامن كما تهوى مع رسام ينتهك مقدسات غيره،على أن التضامن لا يستقيم بتكرار ما أقدم عليه.وهو ما لا يصح حتى من زاوية حرية التعبير. فهذه الحرية يتعين أن تنهض على التعددية واحترام حقوق الآخرين، لا على الهبة العصبية الغرائزية، التي تتخذ شكل تضامن "قبلي ووثني" كما أقدمت على ذلك تلك الصحف.

إنه تضامن مع الخطأ ويتم بصورة خاطئة،مما ينجم عنه المزيد من الأخطاء، وتحت وابل من الادعاءات بالسعي الى التصويب و"وضع الأمور في نصابها".فبدلاً من رفض التهديدات بالقتل،وبناء موقف على هذا الأساس، إذا بتلك الصحف تتضامن لا ضد التهديدات بل مع الانتهاك والاستفزاز،وترغب في أن تساوي ما بينها وبين فعلة الرسام، فيا له من إنجاز.

يعرف القاصي والداني أن صحف الدانمارك وبقية وسائل الإعلام في الغرب لديها ضوابطها الخاصة، خلافا لما تدعيه من حرية مطلقة لا وجود لها، وإن كانت هناك بالطبع حرية نسبية واسعة.فهي لا تقترب، على سبيل المثال، من مقدسات يهودية وأحيانا غير يهودية.وتبدي توقيراً مطلقاً ودائماً غير قابل للمراجعة بشأنها. ومع ذلك فإن هذه المطبوعات لا تتردد في الخوض المسف كما تشاء وكما يعن لأي أحد في مقدسات إسلامية، بما يجعلها في النتيجة تقف عملياً في صف المنادين والمنخرطين في الصراع المقيت بين الحضارات والثقافات،بدلاً من النهوض بدورها المفترض في تنمية روح الحوار وبناء جسور التواصل، بين جنبات عالم يضم البشرية جمعاء بمختلف تلاوينها الدينية والثقافية والعرقية، وكما تنص على ذلك مواثيق إعلامية وحقوقية بلا حصر.

لا نود هنا الذهاب الى ان هناك مؤامرة منسوجة خيوطها بإحكام. فما حدث يكشف عن خطأ مهني فاحش، تتحمل مسؤوليته إدارات الصحف وما يأتلف معها من شركات ومن قوى اجتماعية سياسية. وهو ما يثير، بكل أسف، الانطباع القوي بأن "ثمة عفناً في بلاد الدانمارك على ما كتب شيكسبير في "هاملت" .

سليم القانوني: “ثمة عفن في بلاد الدانمارك”
 
21-Feb-2008
 
العدد 14