العدد 14 - دولي | ||||||||||||||
صلاح حزين بعد 49 عاما من حكم أول بلد شيوعي في النصف الغربي من العالم، قرر الرئيس الكوبي فيديل كاسترو التنحي عن رئاسة الدولة وقيادة الجيش في بلاده. وقال كاسترو، الذي لم يظهر في أي مناسبة رسمية منذ أواسط العام 2006، في رسالة نشرت نصها قبل أيام صحيفة "غرانما" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الكوبي: "لن أتطلع ولن أقبل- أكرر لن أتطلع ولن أقبل - منصب رئاسة مجلس الدولة ولا منصب القائد العام للدولة"، طاويا بذلك صفحة مهمة وإشكالية من صفحات التاريخ؛ فمن خلال شخصيته الكاريزمية وقراراته الجريئة وإنجازاته العديدة وإخفاقاته الكبيرة ،تمكن فيديل كاسترو من وضع اسم الجزيرة الصغيرة المطلة على خليج المكسيك، والتي لا يزيد عدد سكانها عن العشرة ملايين نسمة، على خريطة العالم السياسية لمدة ناهزت نصف القرن. لكن هناك إجماعاً على أن كاسترو سيبقى رغم استقالته، الموجه الحقيقي للأحداث في بلاده، من خلال شقيقه راؤول كاسترو الذي عين نائباً له قبل شهور، ومن خلال رئاسته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي.غير أن شقيقه راؤول يبلغ الخامسة والسبعين من عمره، ما يعني أن تخلي كاستروعن منصبيه المهمين يعدان فتحا للطريق أمام عدد من الأسئلة المصيرية حول كوبا في مرحلة ما بعد كاسترو: هل ستبقى كوبا دولة شيوعية؟ ما نوع النظام الذي ستعتمده الجزيرة؟ في حال التخلي عن الشيوعية، كيف سيتم ذلك؟ هل سيكون التغير تدريجياً، أم من خلال عمل عنيف قد يؤدي إلى حرب أهلية، أم عبر عملية مصالحة وطنية تبقي على إنجازات كاسترو، ويتم التخلي عن أسلوب التخطيط المركزي الذي جلب الكثير من الإخفاقات؟. وربما كان السؤال الأبرز هو ذاك الذي يتناول الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في عملية التغيير هذه، خاصة أن الولايات المتحدة وضعت كوبا هدفا للتدمير منذ تحولت إلى النظام الشيوعي في العام 1960، فقد حاولت غزوها بأعداد من المنفيين الكوبيين المعارضين لنظام كاسترو الذين سلحتهم وأرسلتهم لإسقاط نظام كاسترو عبر خليج الخنازير عام 1961. وفي العام 1962 وقف العالم كله على شفير حرب عالمية ثالثة حين اكتشفت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفييتي يحاول نصب صواريخ في الجزيرة ،التي لا تبعد أكثر من 80 ميلاً عن ولاية فلوريدا الأميركية. وتنفس العالم الصعداء بعد أن توصلت القوتان العظميان إلى اتفاق يقضي بسحب الصواريخ السوفييتية من الجزيرة ،شريطة عدم تدخل الولايات المتحدة في كوبا وحفظ استقلالها. وعلى رغم أن الولايات المتحدة التزمت تعهدها بحفظ استقلال كوبا، فإنها أخضعتها لحصار اقتصادي قاسٍ ما زال مستمرا حتى هذه اللحظة، كما أنها لم تتوقف عن محاولاتها لاغتيال كاسترو. وقد اعترفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بأنها قامت بنحو 263 محاولة لاغتياله؛ بعضها بطرق تقليدية مثل القتل عن طريق قناص، وبعضها الآخر بطرق غير تقليدية مثل حشو السيجار الذي كان يدخنه بالديناميت، أو وضع متفجرات في نوع من السمك كان فيديل يحب اصطياده. وفشلت جميع المحاولات وبقي كاسترو شوكة في خاصرة الولايات المتحدة. في مقابلة له مع صحيفة "الغارديان" البريطانية توقع ريكاردو أليركون، وهو أحد المرشحين لخلافة كاسترو، أن تحاول الولايات المتحدة التدخل عسكرياً في كوبا معتمدا في ذلك على إعلان واشنطن أنها لن تقبل قوانينها في تداول الحكم، وهو ما اعتبره تهديدا قد يتحول إلى إعلان صريح للحرب على كوبا. هذا يعيد إلى الأذهان دور المنفيين الكوبيين المعادي لنظام كاسترو، وهم أبناء أو أحفاد غزاة خليج الخنازير، والذي يقفون متحفزين للعودة إلى كوبا بعد تغيير النظام فيها. وقد نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقابلة مع مواطن كوبي أشارت إليه باسم رافائيل قال فيها "إن كوبيي ميامي يريدون أن يزرعوا بذوراً يحصدونها في ما بعد. لكننا لم نعد أميين مثلما كنا من قبل، ولا نريد ميامي هنا. الأمور هنا صعبة ولكن الشعب تعلم فيما كان أهل ميامي بعيدين من هنا. أرجو أن يتم التغيير من دون سفك دماء.". وتكمن أهمية ما يقوله رافائيل في أن مسيرة نظام كاسترو التي لم تكن هينة وسلسة، فقد حققت تقدماً،خاصة في مجالات التعليم والطب والفنون والرياضة وغيرها، ولكن التغيير بعد كاسترو حتمي، والغالبية العظمى من الكوبيين يودون تغييراً سلمياً. أما كاسترو الذي ترسم له الولايات المتحدة صورة شيطانية، فرغم خطاباته المطولة باللباس العسكري ورغم مركزية قراراته، ورغم قسوته في مجال حقوق الإنسان بمعاييرها الغربية(الدولية)، فإنه ليس دكتاتوراً فاسداً مثل غيره من الطغاة كما تقول صحيفة "الغارديان" نقلا عن منشقين كوبيين، فهو لا يملك حسابات في بنوك خارجية، والمتجول في شوارع المدن الكوبية لن يشاهد صوره وتماثيله في الساحات العامة، وهو لا يحيط نفسه بمجموعات من الانتهازيين المنافقين، بل بخبراء وعلماء حقق من خلالهم نهضة طبية جعلت كوبا تحتل المرتبة الأولى من حيث الخدمات الطبية ومعدل الوفيات، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة نفسها. بعد هجومه الفاشل الذي قام به على ثكنة مونكادا عام 1953 وقف كاسترو في قفص الاتهام وخاطب المحكمة، هو الحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون، بقوله "قد تدينونني، ولكن التاريخ سينصفني." واليوم وكاسترو يغادر كرسي الرئاسة الذي جلس عليه طويلاً، ربما تذكر هذه الجملة التي تحولت عنوانا لأحد كتبه، معتقداً بأن التاريخ قد أنصفه من خلال عدد من الشخصيات الوطنية في أميركا اللاتينية التي استلهمت تجربته، وقد تسلمت مقاليد الحكم في بلدان مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، على الرغم من الفروق بينها. فهل سينصف التاريخ كاسترو حقا؟. |
|
|||||||||||||