العدد 14 - كتاب
 

د. يوسف منصور

كيف يتم تسعير رخص الاتصالات؟ تردّد هذا السؤال كثيراً بعد بيع شركة أمنية، ويتردد الآن بعد أن اقترحت هيئة الاتصالات طرح رخصة الجيل الثالث للهاتف المحمول.

يجب أن نتذكر قبل الخوض في التسعير أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات وجدت لتشجيع المنافسة والاستثمار في القطاع، ولم توجد لتكون مركز جباية أو ضرائب ورسوم جديدة للدولة. وقبل أن نسأل عما ستحصل عليه الحكومة مقابل الترخيص، يجب أن نسأل لماذا يجب أن يدفع المستثمر رسوماً مقابل الرخصة. إذا كانت رخصة تعدين، أو رخصة لاستعمال شيء نادر تمتلكه الدولة، فيجب أن تعوّض البلد عن استغلال هذا المورد النادر؛ وإلاّ فإن إقرار رسوم مرتفعة مقابل رخصة للعمل وتشغيل الأردنيين واستثمار الأموال فيه، يُغرَّم المستثمر بدلاً من أن يكافئه.

عملاً بهذا المبدأ تُقدّم الهيئة نوعين من الرخص: رخص فردية عامة ورخص فئوية عامة. الأولى تُمنح لمؤسسات ستستغل مصدراً اقتصادياً نادراً مثل الطيف الترددي، والأخرى لمن لن يستخدم الطيف مباشرة.

ومع أن التوجه العالمي هو منح رخص فئوية عامة للجميع يستطيع من خلالها المُشغّل تقديم جميع الخدمات، فإننا لابدّ من أن نأخذ بالاعتبار أن هناك رسوماً أخرى تفرضها الهيئة على المُشغّل الممنوح رخصة فردية مقابل استخدام الطيف الترددي هي بمثابة رسوم سنوية، كما يتحمّل المُشغّل عبء إخلاء الحيّز الممنوح له من خلال رسوم أوليّة تصل إلى بضعة ملايين أحياناً.

وفي سبيل وضع رسوم ترخيص ملائمة لا تُحبط الاستثمار في قطاع الاتصالات، وهو بنية أساسية رافدة للنشاط الاقتصادي، فإنه يجب أن يؤخذ بالاعتبار ما إذا كان هناك حق احتكار للمُشغّل. وهنا تكون الرسوم مرتفعة. أما في حال سوق الاتصالات ومع انكسار جميع أنواع الاحتكار فيه، فلا يوجد داعٍ لارتفاع الرسوم. أما أن تُوضع الرسوم فقط لأن الحكومة تتوقع أن المستثمر سيجني أرباحاً طائلة من خلال العمل في القطاع، فهو تفكير محدود، ولا يواكب مسيرة التنمية الأردنية، فدخل الحكومة يجب أن يأتي أساساً من الضرائب لا الرسوم.

ولقد كان في الإمكان في العام 2000 الحصول على ما يقارب مليار دولار مقابل رخصة الجيل الثالث للمحمول في الأردن حين كانت الشركات العالمية آنذاك تتسابق في دفع عشرات المليارات مقابل هذه الرخص حتى إنها اقترضت في الكثير من الأحيان من أجل الحصول على رخص الجيل الثالث نتيجة توقعاتها لمعدلات دخل وربح كبيرين من تقديم هذه الخدمة.

كان بالإمكان أن يحصل الأردن على هذا المبلغ بكل بساطة، إذ إن الترددات المخصصة له لم تكن مشغولة آنذاك. أيضاً، وحسب شروط الرخص الممنوحة والتزامات الأردن الدولية، لم يوجد آنذاك أي تعارض مع الرخص القائمة، وكان يعد منح مثل هذه الرخصة نصراً لتحرير القطاع، ويجعل من الأردن أول دولة تقوم بإدخال هذه الخدمة دون منافس في المنطقة. على كل، الفرصة ولّت وذهبت معها إمكانية تحقيق دخل كبير، والآن نتحدث عن 60 مليون دينار فقط، لأن ظروف السوق تغيرت، وما عادت جاذبية هذه الرخصة كما كانت.

د. يوسف منصور: رخصة الجيل الثالث للمحمول
 
21-Feb-2008
 
العدد 14