العدد 14 - اقتصادي
 

السّجل - خاص

يستغرب مواطنون واقتصاديون إمعان البنوك التجارية في رفع أسعار الفائدة على القروض بعكس تعليمات البنك المركزي الأردني، فيما يذهب خبراء اقتصاد إلى اتهام المصارف الـ 23 بإقامة «تحالفات ضمنية غير معلنة»، فيما يشبه الاحتكار وكسر أي منحى هبوطي.

الاتهامات تأتي في ضوء عدم استجابة البنوك لتعليمات «المركزي الأردني» بتخفيض أسعار الفائدة مرتين خلال ستة أشهر تماشياً مع منحى البنك الفيدرالي الأميركي. ويجهد مصرفيون في الدفاع عن العزوف عن تخفيض أسعار الفوائد متعللين بـ «الحاجة إلى مزيد من الوقت حتى تظهر النتائج في سوق الإقراض المحلي».

غير أن مواطنين يشتكون لـ«ے» من «سرعة» استجابة البنوك لتعليمات رفع الفوائد، حتى من دون سابق إنذار في بعض الأحيان، بينما تعزف عن التخفيض في الاتجاه المعاكس لتلحق بركب الربّان «المركزي».

مسؤول في «المركزي» يشرح «أن تحديد أسعار الفائدة يعود لقرارات إدارات البنوك التجارية وبالاحتكام لمبدأ العرض والطلب في السوق»، مؤكداً أنها «غير ملزمة بتنفيذ أي إجراء مماثل لما يصدر عن البنك المركزي من قرارات برفع أو تخفيض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية».

الخبير الاقتصادي، مازن مرجي، يؤكد أيضاً «أنه ليس هناك ما يلزم البنوك التجارية بمراعاة مصالح المقترضين»، معتبراً أن «همها تحقيق أكبر فائدة منهم».

مرجي، يتهم البنوك بـ «التحالف ما بينها» بعيداً عن آليات السوق، لافتاً إلى «عدم وجود تنافس صحّي ما بينها، بدليل أن أسعار الفائدة تكاد تكون متشابهة».

يرى الخبير الاقتصادي أن نسبة الفارق بين سعر الفائدة على «الإقراض والإيداع تصل إلى 5 بالمئة، ما يصب في تعظيم أرباح البنوك الفاحشة».

وزادت الائتمانات المحلية المقدمة من المصارف المحلية، منذ العام 2003 لتقفز من 6712 مليون دينار إلى 13973 مليون دينار في العام 2007، أي بنسبة ارتفاع تجاوزت ما نسبته 108بالمئة.

واقع التجربة

ويتفق خبراء وعاملون في قطاعات اقتصادية مختلفة، أن «اقتفاء البنوك التجارية لأثر البنك المركزي في تخفيض أسعار الفوائد كان شبه معدوم»، مستندين في ذلك إلى واقع التجربة.

«المركزي الأردني» كان خفّض أسعار الفائدة على أدوات الدينار 0.25 بالمئة نقطة، خلال شباط/ فبراير الحالي، مقتفياً أثر السياسة النقدية الأميركية، ولكن بنسبة أقل من التي أقرها الفيدرالي الأميركي والبالغة 0.5 بالمئة نقطة.

ويرتبط الدينار الأردني بالدولار الأميركي منذ العام 1995. ومنذ ذلك الحين دأب البنك المركزي الأردني على اتباع السياسة الأميركية فيما يخص الفوائد، ورفع أسعار الفائدة خصوصا خلال العامين الماضيين أكثر من 18 مرة، بنسب تراوحت بين ربع نقطة مئوية ونصف نقطة. لكن حين اتجه المنحى للهبوط، لم تلتزم به البنوك، بحسب مقترضين وخبراء اقتصاد.

مواطنون يصفون عمل البنوك من واقع تجربتهم: «سريعون في رفع الفائدة، غير آبهين بتخفيضها. كلما راجعناهم أخبرونا بأنهم ينتظرون رد إداراتهم».

الموظف محمد عبد الرحمن، «35 عاماً» يقول:«ارتفع معدل الفائدة على قرضه السكني من 6 إلى 8 بالمئة ما كبّده زيادة قدرها 75 ديناراً على قسطه الشهري».

حين كانت الفوائد متدنية قبل عامين، فرضت غالبية البنوك «غرامة سداد مبكر بواقع 2 بالمئة في السنوات الأربع الأولى» حتى تمنع المقترض من تسريع سداد دينه بأقل التكاليف، بحسب المقترض سعد العبد الله.

ويروي موظف في إحدى الشركات التجارية، مهند حمدان، أن "العقود التي أبرمها البنك معه، كانت معظمها لصالح المصرف".

مخاوف من تعميق الكساد في الولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى ما وصف بـ «أزمة الرهن العقاري»، دفع الفيدرالي الأميركي نحو التخفيض حتى أصبحت أسعار الفائدة على الدولار 3 بالمئة، علماً بأنه خفّض مرتين منذ بداية العام بمجموع 1.25 بالمئة خلال كانون الثاني/ يناير الماضي.

تكاليف على المنتجين

ويشتكي عاملون في قطاع الصناعة من ارتفاع كلفة الاقتراض، حتى إن رئيس غرفة صناعة عمان، الدكتور حاتم الحلواني، يشير إلى «عدم استجابة البنوك التجارية لخطوات المركزي بالتخفيض» معتبراً أن عبء القروض يرفع «التكاليف على المنتجين».

على صعيد متصل يتفق الخبير الاقتصادي، يوسف منصور، مع طرح الحلواني، ويزيد أن «خفض الفوائد سيخفض الكلف على كبار المنتجين من خلال حصولهم على قروض بأسعار أقل مما ينشط العجلة الاقتصادية».

وحول تأثير أسعار الفائدة على التضخم، يرى منصور أن «ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المملكة مستورد وليس محلياً، وبالتالي الرابط بين تخفيض أسعار الفائدة والتضخم المحلي ليس كبيراً».

وينتقد منصور «محدودية استجابة البنوك لتخفيض المركزي لأسعار الفائدة، وهذا ما ثبت في الفترة الماضية».

ويرد مصرفيون، فضلوا عدم ذكر أسمائهم،على تلك الاتهامات بالقول: «إن تطبيق أسعار فائدة جديدة تحتاج لفترة زمنية، حتى يتسنى للمصارف إجراء التعديل خصوصاً على الودائع مع الأخذ بالاعتبار عوامل المنافسة».

قطاعا العقار والأسواق المالية كانا الأكثر في ارتفاع أسعار الفائدة. وكلما انخفضت تحسن نشاطهما. في هذا الصدد يقول رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان المهندس زهير العمري «إن المستثمرين تلقوا العديد من الشكاوى من المواطنين بعدم سير البنوك نحو التخفيض».

ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 9 بالمئة، بحسب التقديرات الرسمية، حتى نهاية العام 2008، مدفوعاً برفع أسعار المحروقات. إلا أن اقتصاديين يتوقعون ارتفاعها فوق 12 بالمئة.

رئيس جمعية معتمدي سوق رأس المال، جواد الخاروف، يرى أن «كلفة الاقتراض الرخيصة تشجع المستثمرين على الاقتراض وشراء الأوراق المالية».

الرقم القياسي العام لأسعار الأسهم المدرجة في بورصة عمان صعد لمستويات قياسية العام 2005، باختراقها مستوى 9 آلاف نقطة، حين كانت كلفة الإقراض رخيصة مقارنة بالمستويات التي وصلت إليها حالياً.

معاناة المقترضين

وسجلت أسعار الفائدة على كل من الودائع والتسهيلات لدى البنوك التجارية نهاية العام الماضي ارتفاعاً مقارنة بمستوياتها في نهاية العام 2006، وفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي. رافق ذلك ارتفاع في حجم الودائع بنسبة 9.6 بالمئة في نهاية العام الماضي لتصل إلى نحو 16 مليار دينار، بزيادة 1.4 مليار دينار عن مستواها المسجل في نهاية العام 2006.

الموظف خضر أحمد، يقول إن «البنوك التجارية لا تستجيب لتعليمات المركزي بالخفض، لأن أي خفض سيؤثر على أرباحهم الكبيرة، وبالتالي ليسوا معنيين بمعاناة المقترضين».

ويخلص أحمد إلى أن محاولات نقل قرضه إلى بنك آخر أقل فائدة باءت بالفشل كون العقد الذي وقعه يخولهم فرض غرامة تدعى «الدفع المبكر» ما يجعل نقل القرض أمراً غير مجد اقتصادياً.

وتحقق البنوك الأردنية أرباحاً تعتبر جيدة مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، فبعضها وصلت أرباحه إلى مئات الملايين من الدنانير، فيما البقية دون الخمسين مليون دينار،علماً بأن «المركزي الأردني» يمنع منح تراخيص لمصارف جديدة،مستنداً في ذلك إلى الازدحام الذي يشهده السوق المحلي بالإضافة إلى حرصه على سلامة الجهاز المصرفي.

المصارف تدافع عن عدم الاستجابة لتعليمات خفض الفائدة: اقتصاديون يتهمون البنوك بإقامة“تحالفات ضمنية تشبه الاحتكار”
 
21-Feb-2008
 
العدد 14