العدد 14 - أردني
 

السّجل - خاص

ميثاق الإعلام العربي الذي وُقع في القاهرة الأسبوع الماضي سيعطي 21 دولة عربية صلاحية الحجب والتأثير على برامج 400 فضائية تمتلكها وتديرها 60 هيئة بث، ما أثار انتقادات واسعة لا سيما لدى الاتحاد العالمي للصحفيين الذي رأى في الميثاق «تكميماً للأفواه ومحاولة للتحكم بالفضاء، وتراجعاً للوراء».

وزراء الإعلام العرب، الذين أقروا الميثاق الجديد استناداً إلى مقترح سعودي مصري، اختلفوا في مدى إلزاميته على الدول العربية. فبينما يرى وزير الإعلام المصري أنس الفقي أن الميثاق ملزم بمجرد التوقيع عليه، يذهب وزير الإعلام اللبناني، غازي العريضي، ووزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، ناصر جودة، إلى اعتباره استرشادياً وغير ملزم. ويؤكد جودة وجوب مرور الميثاق عبر القنوات الدستورية في كل دولة قبل أن يطبق.

يطلب «الميثاق» من جميع المحطات الفضائية العربية «عدم الإساءة للزعماء أو الرموز الدينية والوطنية وحماية الهوية العربية من تأثيرات العولمة الضارة، تحت طائلة سحب الترخيص أو عدم تجديده». ويسمح أيضاً للدول الموقعة عليه «سحب أو تجميد أو عدم تجديد ترخيص العمل لأي وسيلة إعلام تخالف القوانين».

وهو يتضمن 18 بنداً ينظم آليات البث الفضائي ويحمل الإعلام مسؤولية حماية المصالح العليا للدول العربية.

عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، محمد سويدان، يرى أن بنود الميثاق «فضفاضة وغير واضحة»، متسائلاً عن «ماهية الرموز الدينية التي يجب عدم التعرض لها، وإن كان ذلك ينطبق على إمام مسجد أو قس في كنيسة»؟

حجم الانتقادات لتوافق وزراء الإعلام كان واسعاً عربياً ودولياً. أحد الصحفيين علّق على الانسجام الإعلامي الاستثنائي بأنه أول قطاع يتمتع بحالة توافق شبه تام بعد مؤتمرات وزراء الداخلية العرب، المعنية ببسط الأمن وتبادل المعلومات الاستخبارية.

أما الصحفي باسل الرفايعة، فيزيد أن «العرب لا يتفقون إلا على تكميم الأفواه وقمع الحريات والتضييق على الأفراد». ويستحضر توافق وزراء الداخلية الدائم على مواضيع ذات صلة بـ«الحريات وسبل تقييدها رغم التباعد والتباين بين الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات سواء في الرؤى أو الأفكار أو المدارس المذهبية». وطالب عدد من أعضاء مجلس النواب الأردني الحكومة بعدم الالتزام بالميثاق الذي وقع في القاهرة مؤخراً.

ويرى أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، صفوت العالم، «أن توافق وزراء الإعلام العرب ما كان ليحدث لو كانت قضية النقاش توسيع الحريات، وفتح مساحات الحوار، وتبادل وجهات النظر».

لم يأبه وزير الإعلام اللبناني، غازي العريضي، المعروف بانتقاداته للسياسات الأميركية في المنطقة، بالنقد الموجه لميثاق الإعلام العربي. فبادر للدفاع عن اتفاق القاهرة رافضاً القول إنه «يكمم الأفواه» أو يقتل مساحات الحوار، معتبراً أنه آلية «تنظيمية واسترشادية» دون أن يقدم توضيحات لطبيعة أو مفهوم كلمة استرشادية.

«وزير الإعلام»، ناصر جودة، يتوافق مع العريضي، ويقلل من تأثير الميثاق على الحريات الصحفية والإعلامية. ويصفها بأنها «مبادئ استرشاديه تحترم سيادة الدول وقوانينها (...) سوف تعرض على المجالس التشريعية في الدول المختلفة».

الخلاف الوزاري العربي، حول إلزامية الوثيقة تقابله انتقادات دولية لمحتواها، كان أشدها على لسان سكرتير الاتحاد العالمي للصحفيين أيدن وايت الذي وصفها بأنها «تراجع». وقال إنها «ضربة جديدة لحرية الصحافة ووضع القيود على وسائل الإعلام من أجل تحويلها صديقة لوجهات نظر الحكومة».

ويعتبر الاتحاد الذي يرصد انتهاكات دول العالم لحرية الرأي والتعبير ويتخذ من مدينة نيويورك مركزاً له أن الميثاق العربي يؤكد سيطرة الحكومات على الإعلام، ويضع شروطاً مسبقة على ما سيبث في الفضاء.

وزير الإعلام المصري، الذي فوجئ بحجم السخط الذي أثاره الميثاق، عاد بعد أقل من يومين على توقيع الميثاق ليرمي الكرة بعيداً ويقول إنها تستهدف ما «فضائيات العري».

إلا أن أستاذ الإعلام، بجامعة القاهرة، الدكتور صفوت العالم، يخالفه الرأي ويعتبر أنها تستهدف قنوات فضائية مثل: الجزيرة القطرية «تعرض الرأي والرأي الآخر، كونها أصبحت كابوساً لبعض الحكومات العربية التي لم تتعود على سماع الرأي الآخر".

قطر، التي تمول قناة الجزيرة، لم توقع على الوثيقة، ولكنها لم تختلف على المضمون بل رأت وجوب قياس مدى انسجامها مع قوانينها.

مدير الجزيرة، وضاح خنفر، يؤكد أن «أي معايير للعمل الصحفي يجب أن تكون صادرة عن المهنة وليس من المقبول فرضها من المؤسسة السياسية. ويجب أن تحال أي قضايا تتعلق بالنشاط الإعلامي إلى مراجع قانونية».

رئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية، عبد الباري عطوان، وصف نتاج وزراء الإعلام العرب بأنه «إرهاب يعرقل وصول الحريات الديمقراطية إلى المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تصل إليها».

الكاتب والإعلامي المصري، عبد الحليم قنديل، وصف وثيقة وزراء الإعلام العرب بأنها «سياسية بامتياز». وشدد على أن «أخطر ما تضمنته تجريم ليس فقط البث بل الاستقبال، ما يعني أن الأنظمة العربية قد تذهب إلى حد لا يتخيله عقل بأن تعتقل من يشاهد قناة تعتبرها الوثيقة غير مطابقة للشروط». ما يشير إليه قنديل، كان رائجاً في الستينيات والخمسينيات حين كان يعتقل المواطن عندما يستمع لإذاعات محظورة في بعض الدول العربية.

يتفق مدير مكتب الجزيرة في عمان، ياسر أبو هلالة، مع سابقيه وقال «ليتهم يجتمعون لتأسيس صناعة سينما عربية تخاطب الغرب، ليتهم يجتمعون لتأسيس معهد تدريب يؤهل الأجيال الشابة لإعلام المستقبل».

وتساءل أبو هلالة: «هل كان العرب بخير وحدة وتآلفاً وتضامناً، قبل الفضائيات؟ وقعت الحرب الأهلية اللبنانية وغزا العراق الكويت وحشدت الحشود على الحدود العربية، والشتم الإعلامي الفجّ كان صناعتهم بامتياز قبل ظهور الفضائيات".

الميثاق جاء بعد أقل من أسبوعين من تقرير للجنة الدولية لحماية الصحفيين رصدت فيه ازدياد هيمنة الحكومات العربية على وسائل الإعلام الخاصة من خلال التحكم برخصة البث أو النشر وكذلك فرض الرقابة الذاتية على المؤسسات الإعلامية العربية.

اجتماع وزراء الإعلام العرب، سبقه اتفاق وزراء الداخلية، في تونس الشهر الماضي على إدخال تعديلات على استراتيجية مواجهة الإرهاب، تجرّم أي ترويج له أو تحريض عليه من قبل أشخاص أو وسائل إعلام، وكذلك امتلاك مواد أو أشرطة لجماعات إرهابية.

إعلاميون يشنون هجوماً معاكساً: دول عربية تسعى لإلحاق الفضائيات بإعلامها الرسمي المقيد
 
21-Feb-2008
 
العدد 14