العدد 14 - ثقافي
 

د. طاهر لبيب*

أن ينال الدكتور فايز الصياغ جائزة الشيخ زايد للترجمة عن ترجمة كتاب أنطوني غِدِنْزْ

"علم الاجتماع" فهذا أمر منتظر، لسببين على الأقل: الأول أن الكتاب، في حد ذاته، من أمهات المراجع في علم الاجتماع. إنه يجمع بين الشمول والتحليل، بين اتساع الأفق الفكري ودقة التناول العلمي. كما يجمع بين تماسك المقاربة النظريّة والتبرير المقنع للنماذج التطبيقية. كل هذا في صياغة سلسلة تيسّر للقرّاء، لا سيما الطلاب منهم، الفهم والمتعةَ في آن واحد. أمّا السبب الثاني فهو أن ما بذله الدكتور فايز الصياغ من جهد في انجاز ترجمته، يخرج عما هو مألوف من الترجمات السائدة، عربيّاً: تلك الترجمات التي غالباً ما تغيب فيها الدقة العلمية، بل وقد تغيب فيها الأمانة وأخلاقيات المعرفة أيضاً..

لقد استفاد الدكتور فايز من تملّك اللّغتين، العربية والإنجليزية ، تملّكَ الحذقِ والذوق، كما استفاد من مساراته في علم الاجتماع، ووراء هذا كله من سعة ثقافته، لكي ينجز ترجمة دقيقةً، لا تغيب عنه فيها ألوان المعاني، لا في نصها الأصلي ولا في ما تنقل إليه. وممّا ليس مألوفاً، حقاً، هو صيغته المجتهدة في تطويع مضمون الكتاب، من منظور الحاجة العربية: لقد تبين له أن بعض المعطيات، ذات الطابع الإحصائي بالخصوص، تحتاج إلى تحديث فعوّضها بأحدث ما وجد عنها. رأى أن بعض الأمثلة المضروبة تفقد دلالتها في الثقافة العربية فقرّر حذفها. ثم إنه ذهب أبعد من ذلك فأدرج "مدخلات عربية" جعلت من ترجمته "تعريباً" ذكياً يعيد إلى المساهمات العربية بعض اعتبارها.هكذا نجد في النص العربي ما لا نجده في النص الأصلي من أسماء المفكرين وعلماء الاجتماع، منذ ابن خلدون إلى اليوم. ولقد كان هذا الاجتهاد مقنعاً إلى حد أن أنطوني غدنز نفسه لم يتردد في قبول ما ينجرّ عنه من تعديلات لنصّه، بل ولم يتردد في تصدير الترجمة.

لقي كتاب "علم الاجتماع" رواجاً واسعاً وسريعاً لدى القراء وأهل الاختصاص. ولقد كان في هذا اعتراف بأن ما قام به الدكتور فايز الصياغ يتجاوز العمل التقني ،إلى بناء نموذج متقدّم في نقل المعارف إلى اللغة العربية.

وراء جهد الدكتور فايز الصياغ جهدان آخران حوّلاه إلى مشروع قابل للانجاز، وفي هذا المستوى: إنه جهد المنظمة العربية للترجمة التي تبنته وتابعته وأصدرته، و جهد مؤسسة ترجمان في عمّان، وعلى رأسها الدكتور مصطفى الحمارنة، التي تحمست له وتحملت تكلفته، رغم ضعف إمكاناتها المادية، فأثبتت بذلك أن للمشرفين عليها هماً معرفياً عربياً حقيقياً يستحقون فيه المساندة والتنويه. هذا مع العلم بأن التعاون بين المؤسستين قد امتد في ترجمات أخرى قام بها الدكتور فايز الصياغ نفسه، حيث أصدرت المنظمة ما ترجمه من ثالوث المؤرخ الشهير هوبزباوم ( "عصر الثورة" و"عصر الرأسمالية")، في انتظار صدور "عصر الإمبراطوريّة". ولا شك أنه سيكون لهذا الثالوث، أيضاً، صداه الواسع في مجال الترجمة.

نعم كان منتظراً وسيبقى منتظراً أن ينال الدكتور فايز الصياغ جوائز عن جهده الجاد والذكي وعن روح البذل عنده في الترجمة.ومن الواجب، هنا، أن نشير إلى أن إسناد الجائزة إليه يؤكد، أيضاً، كم هي دقيقة ونزيهة جائزة الشيخ زايد للترجمة في اختيار من يستحقها من المترجمين.

*عالم اجتماع تونسي

مدير عام المنظمة العربية للترجمة

عن فايز الصُيّاغ، “علم الاجتماع”، “ترجمان” و“جائزة زايد”: إنجاز يخرج عن مألوف الترجمات السائدة
 
21-Feb-2008
 
العدد 14