العدد 14 - ثقافي
 

ديالا الخصاونة

عندما كنت في الثالثة عشرة امتنعت عن دحش الحديث بأي كلمات أو تعبيرات أجنبيّة. أصابتني الحميّة القوميّة وأصبحت صلبة في موقفي بالكلام بالعربيّة حصرا. ورفضت أن أنبس بأيّ مما درج من سوري وﭙليز وشور وواتإڤر (sorry, please, sure and whatever) ولكن سرعان ما هدأت هرموناتي المتعصّبة. ولعلّ غزو الكويت وحرب الخليج حررتني من تشددي هذا وأدركت مع الوقت أهمّية التعبير من أجل التعبير لا من أجل إثبات وجهات نظر فحسب، وبخاصّة أنّ جلّ ما نقرأ ونشاهد هو بغير العربيّة أصلا، خيالا ومفهوما. فإن أردت أن أتناول موضوعا عن الهندسة المعماريّة والتخطيط العمراني فخلفيّة العلم بالإنجليزيّة، أو إن أردت أن أشير إلى فكرة في الفن المعاصر أو النقد فالكتاب الذي قرأت بالإنجليزيّة، ومعظم الترجمة للمصطلحات والمفاهيم الحديثة غير سلس وغريب عن اللسان.

المهم أن يعبر المرء عن ذاته، أن يحكي عن أفكاره ومشاعره أو يوصل فكرته للسامع والقارئ. المهم أن يتخاطب الناس ويتواصلوا ويتحدثوا ويتفاعلوا إن كان بالعاميّة أو الفصحى بالعربيّة أو الفرنسيّة بالإشارة أو رسما. أنا أعتقد أنّ اكتشاف/اختراع اللغة أمر قيّد التعبير البشريّ أصلا، حدده برموز محددة وأصوات معيّنة وتجاهل عمق وتعقيد التفكير والتعبير واختصره بأسس وعروض وقواعد وهمّش لغة الجسد وتعبير الوجه وإشارات الأيدي وغيرها من وسائل التواصل.

ولكن لا يسعني إلاّ أن أطرح سؤالَ ’لماذا؟‘ أمام كلّ الإنجليزي الذي تسلل للمقاهي والنوادي والمطاعم والمحلاّت التجاريّة والمكاتب والشركات التي باتت لا تتحدث إلاّ بالإنجليزيّة، سواء أ كان الحديث بالهاتف أو وجها لوجه. كيف أصبحت "المنقوشة" بالحروف اللاتينيّة أطيب، وفي الأغلب أغلى؟ حتّى فلافل القدس، أشهى فلافل عمّان القديمة، أصبح اسمها falafel al quds. لماذا يجيبني مأمور الهاتف وأنا أطلب موعدا ما: "يس هاو كان آي هلب يو؟" ويمدّ لي شخص تعرّفت عليه ببطاقته الشخصيّة ولا أرى إلاّ اسمه وعنوانه بالإنجليزيّة. لم يكن الأمر مقلقا في البدء، عندما كانت العلامات أقلّ من أن يستدعي الأمر الاهتمام الذي تطلّبه ظاهرة اجتماعيّة ثقافيّة حقيقيّة كهذه.

لعلّ الأمر "كول" أكثر (مرافات عربيّة لتعبير كول: صبابة بالفلسطينيّة وخيلة بالأردنيّة ورِوِش بالمصريّة). ولعلّ الناس ملّت من العربيّة ولعلّ التجارة أفضل بالإنجليزيّة ولعلّ الإنجليزيّة أقرب للنفس لكنّي لست مرتاحة للموضوع. هناك غربة وفلسفة وكره للذات وتنكّر بهذا الاستعمال المتطرّف والمبالغ به للغة غير المحليّة، مهما كانت هذه اللغة. تعلّم الإنجليزيّة في عصرنا هذا أمر هام جدا، تعلّم أيّ لغة جديدة على الإطلاق هو مشوار في عوالم ومجتمعات جديدة وثروة رائعة. الإنجليزية لغة العالم الأولى اليوم وأنا أنصح أيّ شخص بتعلّم قراءتها وكتابتها. ولكن عندما أطلب سندويشة لبنة وزعتر، فإنني أريد أن أطلبها بالعربيّة، وإلاّ فإن طعمها سيتغيّر.

أريدها بالعربيّة ... وإلاّ فإن طعمها سيتغيّر
 
21-Feb-2008
 
العدد 14