العدد 14 - كاتب / قارئ
 

ما تزال حمى الانتخابات تستعر في سائر الولايات الأميركية، والتنافس على أصوات الناخبين على أشده. كالعادة يبرز في الأخبار أربعة أو خمسة مرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ولا يعرف الجمهور على نطاق واسع ان كان هناك مرشحون غيرهم.. فما الذي يجعل الأمور تسير بهذا التكرار الممل؟

دستوريا يمكن لأي حزب في الولايات المتحدة أن يدفع بمرشحه الى انتخابات الرئاسة. لكن واقعيا وعمليا فان نظام الحزبين هو السائد، حيث لا حَظّ لأي حزب آخر بالفوز في الانتخابات أو حتى التأثير في مسارها التقليدي ونتائجها المتوقعة. والموانع التي تقف في وجه الأحزاب الأخرى كثيرة، أولها المانع الاقتصادي. ففلسفة الانتخابات في أميركا هي نفسها فلسفة الاقتصاد عندهم: المنافسة بالاستثمار. ان المرشح هو استثمار تراهن عليه الشركات والمنظمات وجماعات الضغط، وتعلق على فوزه آمالها ومصالحها . ويعد جورج بوش الابن من أكثرال رؤساء الأميركيين وضوحا وعلنية في تلبية مصالح الجهات التي "استثمرته"، فقد تشابكت في عهده المصالح الاقتصادية بالسياسة تشابكا وثيقاً بحيث كان للجهات المستفيدة مالياً من غزو العراق من يمثلها في البيت الأبيض (ديك تشيني ). أما الكلفة الضخمة للحملة الانتخابية (صفحات في الصحف، دقائق في التلفزيون، أماكن للوحات الاعلانية...الخ) وتكلفة وشروط حجز صالات وأماكن التجمعات الانتخابية، والقيام بجولات بين الولايات، تتوضح ملامح "فلسفة الانتخابات" في أميركا: وهي فلسفة تقوم أساساً على المال إنفاقا واستثماراُ ثم تتقدم بعدئذ الاعتبارات السياسية، الاعلام، الثقافة الاجتماعية، الفنون، فن الخطابة. أما برامج ورؤى المرشحين، التي يفترض أن تأتي في المقدمة، فهي عادة ما تتخلف ، وذلك لوحدة القيم وتشابه المنطلقات لكلا الحزبين أولاً، ولاعتياد هذين الحزبين على مخاطبة قيم الفرد الأميركي الأثيرة ذاتها سعياً لكسب صوته ثانيا. أي إن الحزبين المذكورين لا يدعوان الشعب الى قيمهما وإنما ـ بالعكس ـ يؤكدان طاعتهما لقيم المجتمع الأمريكي التقليدية.

ثمة كذلك مانع رئيسي آخر لبروز مرشحين من خارج الحزبين الرئيسيين، هو القواعد الانتخابية. وفي هذا المجال يروي أحد المرشحين اليساريين تفاصيل مثيرة. إنه بريان مور، مرشح الحزب الاشتراكي الأميركي لانتخابات الرئاسة عن نيوهامبشير، الذي أشار في حوار مع مجلة فلامان السويـــدية الى أن لكل ولاية قانونها الانتخابي الخاص بها الذي يحدد الشروط التي على المرشح اتباعها. ويوضح قائلاً:

ـ المفروض أن ينشأ قانون انتخابي واحد لكل البلاد، لكن الواقع ان على المرء أن يسجل نفسه حسب قواعد كل ولاية من الولايات الخمسين. إنه نظام سخيف بلا شك، فالاختلافات بين أنظمة الولايات يمكن أن تكون كبيرة. في ولايتنا من السهل أن تسجل نفسك في الانتخابات فلا يتطلب الأمر أكثر من توقيع ألف من سكان الولاية. لكن هناك ولايات تشترط دفع رسم مالي، وأخرى تشترط أن يحوز المرشح على دعم أحد مراقبي الانتخابات. في ولايات معينة من الصعب جداً أن تدرج اسمك في سجل المرشحين: ففي جورجيا يتطلب ذلك جمع 42 ألف توقيع، في تكساس 74 ألف توقيع، في كاليفورنيا 200 ألف توقيع، وفي كارولينا الشمالية يتطلب جمع 70 ألف توقيع، وبالنسبة لنا كحزب صغير فإن هذا ـ ببســاطة ـ خــارج إمكاناتنا.

لكن حتى في حالة تجاوز هذه الصعوبات يبقى فوز الأحزاب الصغيرة أمرا صعب المنال، وذلك لأن مناصري هذه الأحزاب يمكن أن يمنحوا أصواتهم الى أحد الحزبين الكبيرين وذلك ـ على حد تعبير بريان مور ـ لدوافع تكتيكية. ويشرح ذلك قائلا:

ـ في الولايات التي عادة ما تتقارب فيها شعبية الحزبين من الممكن لصوت واحد لصالح الأحزاب التقدمية (أو الصغيرة إن شئت) أن يتسبب في فوز الحزب الجمهوري، وللحيلولة دون ذلك يصوت كثير من أنصارنا لصالح الحزب الديمقراطي بدلاً من التصويت لحزبنا! والجمهور لم ينس الدرس من انتخابات سنة 2000 عندما أصبح بوش رئيساً ، لأن كثيرين صوتوا لصالح الحزب الأخضر لرالف نادر بدلا من الحزب الديمقراطي.

تظل الولايات المتحدة بلد الضخامة في كل شيء، ومن يتابع على شاشات التلفزة مشاهد من الحملات الانتخابية يلحظ نموذجا لهذه الضخامة. من يريد أن يكون له دور في الواقع الأمريكي عليه أن يمتلك ضخامة من أي نوع: ضخامة مالية بالدرجة الأولى، وبالامكانيات، وبالاستعدادات الشخصية كذلك. هي ديمقراطية، نعم، لكنها ديمقراطية الأقوياء.

سمير طاهرـ السويد

هكذا تجري الانتخابات الأميركية!
 
21-Feb-2008
 
العدد 14