العدد 14 - أردني | ||||||||||||||
السجل- سامر خير تُعد النقابات المهنية في الأردن من أهم المؤسسات الأهلية وأكثرها قدرة على التأثير، ويرجع ذلك، بشكل أساسي، لمواردها المالية الكبيرة التي جعلتها قادرة على إقامة النشاطات والمشاركة في صناعة الأحداث السياسية، فضلاً عن المهنية. ويمكن القول إن نصوص قوانين هذه النقابات، التي تلزم المشتغلين بمهنها بالعضوية فيها كشرط لمزاولة المهنة، وبخاصة بالنسبة للنقابات الكبرى (الأطباء، أطباء الأسنان، المهندسين، المهندسين الزراعيين، المحامين)، تساهم مساهمة كبيرة في توفير تلك القدرات للنقابات، فهي لوفرة عدد أعضائها، تدّعي تمثيل قطاعات واسعة من المواطنين، وبسببه أيضاً يتوافر لها دخل هائل من مختلف الرسوم التي تتحصل عليها صناديقها من أعضائها، وتقوم باستثماره، ما يضاعف قدراتها المالية. "إلزامية العضوية" تمثل، إذن، نقطة محورية في قوة النقابات وقدراتها. ليس غريباً لذلك أن يُثار أمرها في كل مرة يقع فيها خلاف بين النقابات والحكومة، فالأخيرة تطلب أحياناً إلغاء إلزامية العضوية، محتجة بأن الإلزامية تناقض حقوق الإنسان (حيث تنص الفقرة 2 من المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه:" لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما"). أما النقابات وقطاعات واسعة من أعضائها، فتتمسك بالعضوية، لأنها تعلم أنها سر قوتها، محتجة بضرورة الإلزامية لتنظيم المهنة وحماية المجتمع من تجاوزات بعض المهنيين. في كل المرات التي أثير فيها موضوع إلزامية العضوية، انتهى الأمر لصالح المطالبين بالإبقاء على الإلزامية. فلجنة النقابات ضمن لجان «الأردن أولاً» التي ضمت مؤيدين للإلزامية ومطالبين بإلغائها، أوصت في عام 2002، بعد جدال واسع حول الموضوع، بالإبقاء على الإلزامية. وفي آذار/ مارس 2005 قدمت حكومة فيصل الفايز قانوناً للنقابات المهنية اشتمل تعديلات عارضها قادة النقابات، مثل إجراء انتخاباتها وفق نظام الصوت الواحد، وتغيير بعض أمورها المالية، لكن مشروع القانون الذي عادت الحكومة وسحبته بعد ذلك، أكد على الإبقاء على إلزامية العضوية. وفي أواخر العام 2005، أوصت اللجنة المختصة بالنقابات في «الأجندة الوطنية» بإلغاء مبدأ إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين مع الإبقاء عليه في النقابات المهنية الأخرى، لكن توصية الإلغاء لم تُنفذ. ليس بالضرورة أن تهدف المطالبة بإلغاء إلزامية العضوية لإضعاف النقابات، تماماً، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون المتمسكون بها حريصين على النقابات بمعناها المهني، فقد يكون الغرض سياسياً بالأساس. وهكذا يحشد كل واحد من الطرفين مجموعة من الأعذار التي تدعم وجهة نظره. يقول المطالبون بإلغاء إلزامية العضوية: - جعل العضوية في النقابة منوطة برغبة الفرد الحرّة، لا بالإلزام الإكراهي، سيقوي النقابة، لأن العضو الحر هو الذي يبني نقابة حرة قوية. - التمسك بإلزامية العضوية، يشي بضعف ثقة النقابات بـ "نفسها" وضرورتها لأعضائها وتمسكهم بها. فإذا كان الأمر كذلك حقاً، فلماذا يُكره الناس على عضوية لا يريدونها؟. - الإلزامية تتعارض مع حقوق الإنسان، ونصوص الإعلان العالمي، فكيف تتمسك بها النقابات وهي التي تُشكل لجاناً للدفاع عن الحريات العامة وحريات أعضائها؟! - من الممكن للنقابات السيطرة على المهنة وحماية المجتمع من بعض التجاوزات، من دون شرط إلزامية العضوية، فالنقابة عليها واجب تنظيم المهنة حتى لو لم يكن كل "المهنيين" أعضاء فيها. - الإلزامية وتوسيع الجسم النقابي، جعلت القوى السياسية تطمع بهذه التنظيمات الأهلية الجاهزة، فاستخدمتها سياسياً في الوقت الذي لم تتمكن فيه من تشكيل أحزاب سياسية تضم أعداداً كبيرة من الأعضاء، وهو ما حرف نشاطات وانشغالات النقابات عن هدفها الأساسي، وهو رعاية المهنة وحماية المهنيين، وجعلها أداة سياسية حتى من دون رغبة أعضائها كافة، وتأييدهم للتدخل بالسياسة. - القول بأن الإلزامية تحمي المجتمع من أن يمارس المهنة فيه أناس غير متخصصين، هو قول في غير محله، فالذي يجب أن يُرخص المهنة ويتأكد من شهادة المهني ودراسته، هو الجهات الحكومية المختصة كالوزارات المعنية بالمهنة. كما أن النقابات يمكن أن تساهم في ترخيص مزاولة المهنة للمهني، من دون الحاجة لأن يكون عضواً فيها، وهو أمر معمول به في غير مكان في العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة، حيث يُعتبر النجاح في امتحانات النقابة مستلزماً للحصول على شهادة مزاولة المهنة، فيما يكون الانضمام إليها اختيارياً، بل إن بعض النقابات في الدول المتقدمة تشترط على الراغب بالعضوية فيها، أن يبرهن على أحقيته بالانضمام للجمعية سواء بالشهادات أو الأبحاث أو المعرّفين القادرين على بيان أحقية المتقدم بالعضوية. وفي المقابل، تقدم هذه النقابات خدمات ونشاطات لأصحاب المهنة بغض النظر عن عضويتهم فيها من عدمها، مثل نشر المجلات العلمية المحكمة التي يستفيد منها الأعضاء وغير الأعضاء بالإضافة لعقد المؤتمرات والندوات، وهنا يتميز العضو عن غير العضو بحضور النشاطات مجاناً أو برسوم مخفضة. في هذا الإطار يؤكد الدكتور زيد حمزة، النقابي والوزير السابق، أن إلزامية العضوية مبدأ غير معمول به إلا في الدول الشمولية التي تعمل لضبط النشاط الجماعي لمواطنيها، أما دول العالم الديمقراطية والمتقدمة، فإن عضوية كافة النقابات والجمعيات والهيئات فيها اختيارية. ويقول إن أعضاء النقابات ينتسبون لها، في الأصل، من أجل خدمة قضايا المهنة، لكن إلزامية العضوية تمكّن مجالس النقابات والهيئات المنبثقة عنها من التحدث باسم جميع أعضاء النقابة في قضايا أخرى غير مهنية، وليست بالضرورة سياسية فقط، فمجالس النقابات تقرر اليوم التعامل مع بنوك دون أخرى، أو مع شركات دون غيرها، وكأن قرارها موافق عليه من كل أعضاء الهيئة العامة، لكن الحقيقة أن تلك القرارات تكون خلافية، بدليل أن دعوات مجالس النقابات لنشاطات عامة، لا تُلبى عادةً إلا من قبل العشرات، فضلاً عن عزوف أعداد من النقابيين عن دفع رسوم اشتراكاتهم السنوية، رغم محدوديتها، في إشارة إلى انصرافهم عن نقاباتهم. ويؤكد الدكتور حمزة أن إلزامية العضوية، تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، فضلاً عن تعارضها مع نصوص المواثيق الدولية ذات الصلة. أما المطالبون بعدم إلغاء إلزامية العضوية، فيردون بحجج منها: - المطالبة بإلغاء الإلزامية، ما هي إلا كلمة حق يراد بها باطل، فالهدف منها إضعاف النقابات التي باتت تمثل آخر "قلاع" المعارضة السياسية، لتصير الحياة العامة كلها بيد الحكومة، فلا يُسمع إلا صوتها، ولا يُعلن إلا رأيها. - المطالبة بإلغاء الإلزامية، عادة ما تأتي من خارج النقابات، فالمهنيون يريدون الإبقاء على الإلزامية ولا يُبدون منها أي تذمر، بل على العكس فهم مستفيدون منها، ما يعني أن تلك المطالبات لا تعي ماهية العمل النقابي، أو أنها تقف له بالمرصاد وتسعى لتعطيله. - إلغاء الإلزامية يعني إتاحة المجال لتعدد الجهات النقابية المعنية بالمهنة الواحدة، ما يجعلها منشغلة بالتنافس فيما بينها، وبالاصطفافات السياسية، بدل الانشغال بالمهنة نفسها. - إلغاء الإلزامية، يُشتت الجسم النقابي، إذ قد يعزف عدد من المهنيين عن الانضمام لأي نقابة، وهذا يضر المهنة أولاً والمجتمع ثانياً، ولا يفيد الوطن في شيء، لأنه سيهدم مؤسسات قائمة. في هذا السياق يقول المهندس ميسرة ملص، رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين، إن النقابات لا تتغطى بالعضوية للقيام بالنشاط السياسي، فمن يرفضون الانتساب للنقابات من المهنيين لن ينشطوا أصلاً في القضايا السياسية والوطنية، بمعنى أنهم لا يشكلون قوة دفع إضافية لتلك النشاطات. ويؤكد أن إلغاء إلزامية العضوية لم يعد يؤثر اليوم على النقابات، لأنها تقدم لأعضائها الكثير من الخدمات والامتيازات التي جعلت العضوية مطلباً ومكسباً لا يهرب منه المهنيون، ولهذا فإن إلغاء إلزامية العضوية سيضر المهنة نفسها لا النقابات، لأنه سيضعف الرقابة على المهنة ويجعل ممارستها متاحة لغير المهنيين المتخصصين. |
|
|||||||||||||