العدد 2 - ثقافي
 

أخيراً، وقع المحذور .... وأقدم أكاديميون متنفذون أصابهم الإحباط لأنهم أقلية في مجال دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، على إشهار بديل لجمعية دراسات الشرق الأوسط العريقة (ميسا) Middle East Studies Association) (MESA))، وهي مجموعة محترمة متعددة المناهج ضمت ألمع العقول في هذا الميدان. وليس ثمة من هو أقدر على القيام بهذا الدور مِن برنارد لويس وفؤاد عجمي، وهما اثنان من الأكاديميين المناصرين لبوش. وفي محاولة منهما ومن آخرين "لكسر طوق الاحتكار الفكري" الذي تمتعت به "ميسا" على مدى عدة عقود، أقيمت مؤخرا "جمعية دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا» «أسميا» Association for the Study of the Middle East and Africa (ASMEA).

وبهذا الخصوص، كتبت مدونة الدراسات العليا تقول: «من أجل إحداث تغيير في توجهات دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ، أُعلِن عن إنشاء هذه المؤسسة الجديدة التي تضم ألمع الأكاديميين في مجلسها، مع بعض النقد الشديد لمنهجيات الدراسة المتبعة حتى الآن. ويعتبر برنارد لويس من جامعة برستون وفؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز من مناصري سياسة إدارة بوش تجاه الشرق الأوسط، وهما تيار يمثل قلة قليلة في مجال دراسات الشرق الأوسط. وتهدف جمعية دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا الجديدة إلى تقديم منظومة واسعة من الخدمات العامة، من بينها مؤتمرات، ومجلة، ونشرات وما إلى ذلك. وبالإضافة إلى لويس وعجمي، فإن مجلس الإدارة يضم ليزلي غيلب، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية والمخضرم في إدارتي جونسون وكارتر، وكذلك جورج بي شولتز الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس ريغان.

وذكرت المعلومات الموزعة على المراسلين أن سبب تأسيس المجموعة «هو التسييس المتزايد لهذه المجالات الدراسية، والاعتقاد بأن الفهم الفاسد لها من شأنه أن يشكل خطرا على الأوساط الأكاديمية، وكذلك على مستقبل الشباب الذين تزعم أنها تتولى تعليمهم».

وقال بيان أصدره برنارد لويس إنه « بسبب الضغوط السياسية والمالية العديدة والإغراءات، فقد تم تسييس دراسات الشرق الوسط وأفريقيا إلى درجة غير مسبوقة. ولم يؤثر هذا على اللغة والأدب والتاريخ فحسب، بل على مجالات دراسية أخرى، وبخاصة الاقتصاد السياسة والعلوم الاجتماعية. وعندما تؤخذ بالاعتبار أهمية هذه المجالات البحثية فان هناك حاجة ماسة لتقديم دراسات ومناقشات موضوعية ودقيقة لا تعوقها المصالح والولاءات الراسخة. وستقوم الجمعية بتقديم ذلك في مؤتمرها السنوي والمجلة والنشرة الإخبارية والموقع الإلكتروني».

وعلى الرغم من أن الإعلان لم يحدد الجمعية القديمة بالاسم إلا أن من البديهي أن «ميسا» هي المعنية، لأنها المؤسسة العلمية الوحيدة في المنطقة. ويتطابق النقد الذي وجهه لويس في بيانه مع ذلك الذي أطلقه العديدون ضد «ميسا» مع اتهام الأكاديميين، من داخلها، لها بإهمالهم والاستهانة بأعمالهم المُقَدمَة.

وتَبُرز المؤسسة الجديدة في الوقت نفسه الذي أصبحت فيه جمعية دراسات الشرق الأوسط الأولى موضوعا لمساجلات حامية الوطيس في الأوساط الجامعية مع تبادل الاتهامات بأن الحرية الأكاديمية في خطر.

وفي لقاء موجز مع مارك كلارك رئيس المؤسسة الجديد، وهو أستاذ في العلوم السياسية ومدير لبرنامج دراسات الأمن القومي في جامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردو، قال إن المجموعة الجديدة انطلقت «بتفاهم مشترك بيننا» ونسعى أن تكون العلاقة «أكثر استقلالية وتعكس رأي المجتمع الأكاديمي أكثر مما تعكس مصالح المجموعة». وقال إن له اهتماما استراتيجيا بالشرق الأوسط يزيد عن اهتمامه بالتـاريخ أو الثقافة، ومن مصلحــة الأكاديميين الأمريكيين أن يكون لديهم نظرة إستراتيجية في المنطقة بالإضافة إلى المقاربات التقليدية. ولدى سؤاله عن جمعية دراسات الشرق الأوسط «ميسا»، وصفها بأنها «دائرة مغلقة» يحمل أعضاؤها « آراء متشابهة». وأجاب بالنفي عند سؤاله عما إذا كان قد أساهم في أي وقت من الأوقات في أي نشاط لتلك الجمعية. وحين وُجٍه له سؤال عن عدم تقديمه منظوره لتلك للأمور أجاب: «إن السبب، ببساطة، هو الأبرتهايد، والتفرقة العنصرية. إذ أن آرائي ستُعزَل عن الآراء الأخرى». وأستطرد قائلا: «إننا نتطلع أن يكون لدينا المزيج من المنظورات أكثر مما كان لدى «ميسا» «.

وعلى الرغم من أن العديد من الأكاديميين في المجموعة الجديدة «أسميا» يحملون آراء سياسية متشابهة كذلك، فإن كلارك يقول إن المجموعة لن تكون «من المحافِظَين الجدد»، وإن الأكاديميين الذين يحملون آراء مختلفة سيكونون موضع ترحاب. وتهدف المؤسسة إلى أن يدعمها الأعضاء ماديا لضمان استقلاليتها، مع أنها استلمت هبات من مصادر خاصة لمساعدتها على النهوض والانطلاق. غير أن كلارك امتنع عن تسمية المانحين. ومما يلائم مقتضى الحال أن رئيس ASMEA الجديد يعمل في مجال دراسات الأمن، وهو المجال الذي يهدف أساسا لتقديم خدمات استشارية للحكومة بما يتفق ورأي واضعي السياسات أحيانا. وكانت هذه نقطة الجدل الرئيسية مع مراقبي الأوساط الجامعية الذين ابدوا استياءهم من سلبية الخبراء الأميركيين حول سياسات الولايات المتحدة أو حول المساندة الاستثنائية المَُضََِلَلة الممنوحة لإسرائيل في الشرق الأوسط.

ومن المفارقات أن ASMEA تدَعي أن من أهدافها محاربة التسييس في هذا المجال، بينما يتألف مجلس إدارتها من شخصيات في منتهى التسيُّّس الأيديولوجي، بينما تضم MESA من العديد من الأكاديميين ممن لا صلة لهم بالسياسة. فأكثر المؤسسين والمديرين في الجمعية الجديدة معروفون بتحيزهم الشديد لسياسات اليمين الأميركي، وجُلَهم منحاز لإسرائيل. ومن هؤلاء شخصيات غير أمريكية مثل سيفيك بير ، الجنرال التركيالمتقاعد الذي لعب دورا فعالا في بناء التحالف التركي الإسرائيلي وكرًمته إسرائيل في الآونة الأخيرة. كما أن بينهم آخرين مثل كينيث شتاين المستشار الأسبق للرئيس كارتر الذي أثار زوبعة عاتية برفضه إشارات كارتر إلى الطابع العنصري لإسرائيل في كتابه الأخير.

أما فؤاد عجمي، نائب رئيس "أسميا" والمعروف بمناصرته لسياسة إدارة بوش، فإنه، كما يقول كاتب سيرته آدم شاتز هو الشخص الذي أبلغ ديك شيني: " إذا غزا الأمريكيون العراق، فإن الشوارع ستنفجر فرحا"! أما المؤسس ورئيس مجلس الإدارة برنارد لويس فقد كان في وقت من الأوقات أكاديميا جادا ورصينا (ولا سيما في دراساته عن العهد العثماني). أما الآن فقد تحول إلى مدافع عنصري عن السياسات الاستعمارية. فقد كتب، على سبيل المثال، في العدد الأخير من مجلة «أتلانتيك مونثلي» الشهرية تحت عنوان « الفكرة الأمريكية»: « لقد سيطر صراعان على الجزء الأفضل من حياتي ..... كان الأول ضد النازية والثاني ضد البلشفية. لقد كانتا تمثلان لعنة على شعبيهما وتهديدا للعالم. وبعد صراع مرير و دامٍ انتصرنا في كلتيهما. وجلبت الهزيمة التحرر للشعبين. أما اليوم، فنحن نواجه انحرافا استبداديا جديدا هو الإسلام. وهو يشكل تحديا مماثلا لسابقيْه، وان كان مختلفا في بعض النواحي.»

المحافظون الجدد يقتحمون مجال دراسات الشرق الأوسط
 
15-Nov-2007
 
العدد 2