العدد 1 - أردني | ||||||||||||||
بات في حكم المؤكد أن يكلّف الملك عبدالله الثاني شخصية سياسية سابقة بتشكيل حكومة جديدة بعد أيام من الإنتخابات النيابية، على أن تتركّز مهامها في بلورة برامج ملحّة على الجبهة الداخلية بما في ذلك تحسين أوضاع المواطنين المعيشية.
في الأسابيع الماضية تقلّصت بورصة الأسماء المطروحة لخلافة معروف البخيت، بحسب مصادر مقربّة من صناعة القرار، أضافت أن قائمة الشخصيات "الأوفر حظا" باتت محصورة بعدة أسماء على رأسها وزير سابق بعد أن تم استبعاد رؤساء حكومات سابقين.
وترى هذه المصادر أن صعوبة اختيار رئيس الحكومة المقبل تعقّدت على خلفية إحساس القصر بضمور الطبقة السياسية التقليدية، في غياب اندفاعها- بحسب مصادر مقربة من القصر- صوب المساهمة في تعميق خيار الديمقراطية المنشودة منذ العام 1989. كذلك ثمّةّ "فقر في قائمة احتياط" رؤساء وزراء سابقين، أو ما يعرف ب"نادي الباشوات" إذ أن الذين جرّبوا خلال العقود الماضية تركوا وراءهم إرثا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وشبكة من "المحاسيب تجلس في صالوناتها السياسية جاهزة للطخ على من يستثنيهم من المنصب» ، بحسب المصادر ذاتها.
من المتوقع تكليف سادس رئيس حكومة في عهد عبد الله الثاني بعد أقل من أسبوع على إغلاق صناديق الاقتراع بمشاركة ساسة مخضرمين ونجوم جدد بعضهم يراهن على صوت العشيرة أو المال المتنامي، بحسب المصادر ذاتها.
ويرجح أن يبقى الفرز بين النيابة والوزارة قائما امتدادا لعرف خطّه الملك الراحل الحسين بن طلال منتصف العقد الماضي.
وحده المخضرم تحت القبّة عبد الرؤوف الروابدة يعود لخوض الانتخابات الحالية بعد تكرار إحجام رؤساء حكومات سابقين مثل طاهر المصري، عبد الكريم الكباريتي وعلي أبو الراغب. يأتي التغيير، إن وقع، مع إنهاء حكومة معروف البخيت عامين في الدوار الرابع، صمدت خلالهما وسط معادلة حسّاسة تتأرجح بين متابعة ملف الإصلاحات الشاملة وعصرنة الدولة والحفاظ على الأمن، بعد أن ضرب إرهاب القاعدة ثلاثة فنادق عمّانية في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، على إثرها كلف البخيت بتشكيل الحكومة.
ساسة ومراقبون يعتقدون أن للدكتور البخيت فرصة- ولو ضئيلة- في البقاء على رأس التشكيلة المقبلة لمعالجة أزمة رفع أسعار مشتقات النفط. يجادل هؤلاء بأن معالجة هذا الملف سيكون أسهل في عهد رئيس وزراء سبق أن اتخذ مثل هذا القرار أكثر من مرّة.
على أن مصادر مقربة من البخيت نقلت عنه "رغبته في الخلود للراحة" بعد سنتين شاقتين في الدوار الرابع، لكنها أردفت أنه سوف "يستمر في الخدمة" إن طلب الملك ذلك.
الحكومة اجتازت خلال السنتين المنصرمتين سلسلة أزمات أثرت في تماسكها وتناغم مفاصلها، ما دفع البخيت لإجراء تعديلين محدودين: الأول على رأس السنة والثاني قبل شهرين على خلفية خروج ثلاثة وزراء عقب فضائح بيئية وصحيّة فضلا عن خلافات حيال تخريج قرار رفع اسعار مشتقات النفط الذي رحّل إلى آذار/مارس المقبل.
مع تصاعد المؤشر البياني لأسعار السلع والخدمات وقلق الملك على الطبقة الفقيرة التي تناقصت قوة مداخيلها الشرائية، تضاربت القرارات، إذ تدخّل القصر عدّة مرات لعكس إجراءات حكومية كانت ستؤثر على محفظة الطبقة الفقيرة والمتوسطة الهزيلة أصلا.
من هنا يتوقع أن يطلب رأس الدولة من الرئيس الجديد تسريع الانفتاح الاقتصادي في زمن العولمة لكن مع توفير شبكة أمان اجتماعي وخدمات بديلة للفقراء، الذين يشكّلون 14.4 % من عدد السكان المقدر ب 5.8 ملايين نسمة طبقا للإحصاءات الرسمية و30 % بحسب تقديرات مستقلة.
على رئيس الحكومة الجديد أيضا المناورة على خيط مشدود وسط تحديّات استراتيجية آخذة في الاستفحال مثل أسعار النفط- التي تقضم أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي، شح المياه والبيئة.
فالاقتصاد بات أساس منعة الجبهة الداخلية وتنفيس احتقان متنام على قاعدة جنون الأسعار وفشل السياسات الأميركية في العراق وفلسطين، حسبما تضيف المصادر المقربة من صناعة القرار.
بالتوازي مع الجهد الحكومي الداخلي ينسج الملك شبكة علاقات سياسية قوّية مع مصر، الضفة الغربية، دول الخليج العربي، الولايات المتحدة، أوروبا، روسيا ودول إفريقية وآسيوية في مقدمتها الصين التي زارها الملك أخيرا.
يحافظ الأردن في الوقت ذاته على استحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل، التي دخلت عامها الرابع عشر وهو يوظف علاقاته مع جارته في خدمة مطالب الفلسطينيين، على ما يؤكد أحد المسؤولين.
يضيف المسؤول نفسه أن "مسيرة الإصلاح السياسي ستمضي قدما مع أنها تتأثر سلبا بأجواء القلاقل السياسية الاقليمية واحتمالات توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران في الربيع المقبل.»
وتراجع تصنيف المملكة على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، كما خسرت نقاطا على مؤشرات بيئة الأعمال، استقطاب الاستثمارات والحريات الصحافية.
مبررات التغيير، بحسب مسؤولين وسياسيين، تكمن في "انتفاء أسباب بقاء الحكومة الحالية" وسط خلل في إدارة سلسلة أزمات داخلية، في تحسين المناخ الاقتصادي والتعامل مع تحديات باتت تنخر بنيان المجتمع كثنائية الفقر والبطالة.
كذلك لم ينجح الفريق الوزاري في "استيعاب متطلبات تنفيذ الرؤيا التحديثية للملك عبدالله" وسط محدودية خبرة في العمل العام وارتباك في أداء غالبية الوزارات مع انقسام الفريق الحكومي إلى كتل متنافسة، على حد تشخيص مسؤولين سابقين.
وهكذا شاب التوتر علاقات الحكومة مع مجلس الأمة والصحافة، خصوصا وأن الرئيس أوقف امتيازات مادية ومناصبية كان يهبها أسلافه طمعا براحة البال. وبالتالي غابت أو غيبّت أوجه كثيرة من انجازات الحكومة الحالية عن الرأي العام بسبب ضعف "ماكنتها الإعلامية».
ورشحت تجاذبات بين حكومة "اللواء" البخيت ومراكزأخرى لصناعة القرار، خصوصا حيال وتيرة تنفيذ السياسات وتداخل الصلاحيات، ما فتح الباب أمام أطراف كثيرة "لاعتماد مواقف قائمة على اجتهادات شخصية أو التواري وراء القصر أو الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حفظ الأمن الداخلي والخارجي في أجواء سياسية مضطربة شرقا وغربا"، بحسب المسؤولين السابقين.
استطلاعات الرأي أظهرت تراجعا متواترا في شعبية الحكومة وقدرتها على التعامل مع ملفات الفقر والبطالة والفساد التي تتصدر سلم أولويات المواطنين- وإن تشابه نمط الانحدار مع مصير الحكومات التي سبقتها منذ العام .1999
بالتزامن فتح كتّاب زوايا في الصحف المستقلة وشبه الحكومية النار على الحكومة وضمّوا أصواتهم إلى المعارضة بقيادة التيار الإسلامي- الذي يواجه مساع حكومية لتحجيم نفوذه بعد ستة عقود من المصالح شبه المشتركة. رغم سيل الانتقادات، يسعى البخيت- بحسب مقربين منه- إلى ترك إرث سياسي من خلال إصراره على إزالة الصورة السلبية التي تشكّلت عقب الانتخابات البلدية أواخر تموز/يوليو الماضي، وتنفيذ وعود الملك بإجراء انتخابات شفافة ونزيهة.
يتجلّى ذلك في جولاته المكوكيّة على الأجهزة المشرفة على الانتخابات ومطالبة النساء والشباب بالمشاركة لقيادة التغيير.
الحكومة الجديدة ستؤدي اليمين الدستورية أمام الملك قبل أن يلتئم مجلس الأمّة في دورته الخامسة عشرة مطلع كانون الأول/ديسمبر وسط توافق بين المراقبين بأن تركيبة المجلس القادم ستكون نسخة كربونية عن سلفه.
إذ من المتوقع عودة رموز شكّلت مفاتيح في مجالس سابقة مثل رئيس المجلس الأسبق لأربع دورات متتالية عبد الهادي المجالي- الذي يطرح بقوة مشروعا لخلق "التيار الوطني الاردني". كذلك يتوقع عودة سعد هايل السرور، عبد الكريم الدغمي، رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة والسياسي/الحزبي ممدوح العبادي رئيس كتلة التجمع الديمقراطي النيابي.
تركيبة الحكومة الجديدة ستراعي سياسة الجغرافيا. لكن المعيار الأساس - بحسب مقربين من صنّاع القرار- سيكون كفاءة الأشخاص وقدرتهم على تنفيذ استراتيجيات 2007-2010. يتواصل البحث عن شخصيات قوّية قادرة على نسج علاقات أفضل بين مفاصل الحكومة من جهة وبينها وبين مجلس الأمة والإعلام.
عشرة من أعضاء الفريق الحالي سيقفزون إلى الحكومة المقبلة، غالبيتهم ممن يحمل حقائب خدمية. أحدهم على الأقل سيحافظ على حقيبته السيادية. |
|
|||||||||||||