العدد 2 - نبض البلد
 

تحلّت قرية شطنا (جنوب إربد) بحلّة جديدة على مدار نهار كامل؛ حشود من الزائرين زادهم عدداً المضيفون من أهل القرية، توزعوا في أرجاء المكان ضمن فضاء مفتوح، يتبادلون الأحاديث، ويتأملون أعمالاً فنية تستوحي مفرداتها من المكان وتراثه وتفاصيله، فيما الصغار يتقافزون هنا وهناك..

حراكٌ مفعم بالنشاط، ضخّ في عروق الشوارع الهادئة والبيوت المتروكة والأماكن المهجورة في القرية دماءَ الحياة، وحوّلَها إلى فضاء فني، يجمع بين ماضٍ عريق، وبين الأساليب الفنية المعاصرة والتقنيات الحديثة في عالم التشكيل.

هذا المشهد المؤتلف والمتناقض معاً، تجّلى خلال اليوم المفتوح الذي عُرضت فيه نتاجات فنانين شاركوا في ورشة العمل الفنية العالمية «شطنا»، التي عُقدت خلال الفترة 3 – 17 تموز/يوليو 2009، عمل خلالها فنانون أردنيون وعرب وأجانب، معاً، فرادى وجماعات، وتحدثوا عن أعمالهم، وناقشوا أفكارهم، واستمزجوا رؤى بعضهم بعضاً، وتعاونوا في تطوير أساليبهم، وتوثيق تجاربهم مع ساكني القرية في أعمال فنية.

الأعمال التي تنوعت أساليبها وتقنياتها «ليست هي المنتج الوحيد أو الأخير للورشة» التي تُعقد للسنة الثالثة على التوالي، كما تؤكد لـ«ے» الفنانة ديالا خصاونة، مشاركة في الورشة ومن المؤسسين لها، مشيرةً إلى أهمية مخرجات الورشة لجهة تأسيس علاقات بعيدة المدى بين الفنانين، واستيلاد ورشات أخرى مشابهة لها في غير بلد عربي.

هذا ما أكدت عليه أيضاً الفنانة سماح حجاوي، من المبادرين في تأسيس الورشة، ولفتت في حديث لـ«ے» إلى أهمية التفاعل بين الفنانين الأردنيين والعرب والعالميين، أن الورشة «تخلق فرصة قيمة يتعرف من خلالها الفنانون إلى الثقافة الأردنية، في أجواء تطلق الفنون من الحصار داخل أروقة صالات العرض، إلى فضاء أكبر»، حيث «يدخل الفن إلى البيوت، ويتغلغل في حياة الناس».

محمد فهمي، فنان من مصر، قدّم عملاً تضمن يافطات إرشادية وزّعها على طرقات القرية وأزقتها، أكد أنه استفاد من الورشة بشكل كبير، وتمكن من تبادل الخبرات مع فنانين آخرين ضمن أجواء الطبيعة المُلهمة والحميمة التي تثري التواصل الإنساني وتغني الحوار مع الذات والآخر.

أهالي القرية، أكدوا أن هذا الحدث السنوي بات يمثل جزءاً من ذاكرتهم الجمعية، معربين عن سعادتهم في العمل والتواصل مع الفنانين، وتعريفهم ببعض الحِرَف اليدوية، كما فعلت فدوى، سيدة من سكان القرية، عندما علّمت الفنانة التركية إز أوزتات كيفية نسج أطباق القش من عيدان سنابل القمح.

إز أوزنات أنجزت عملها الفني من وحي هذا النسيج، إذ جلست خلال الافتتاح أمام كنيسة القرية وبدأت تحيك أطباقها معبّرة عن فكرة الحوار بين القديم والجديد، وتغيير إيقاع حياة المجتمع بمرور الزمن.

الفنان مارك سلفاتوس من الصين كتب دعوات لـ«وليمة» مقامة لأهل القرية، كي يتشاركوا الطعام مع الفنانين. تجمهر الجميع حول طاولة على شكل صليب، في إشارة إلى ما يمكن أن يستوحى من حادثة «العشاء الأخير». وثق الفنان هذا العمل الأدائي بالصور الفوتوغرافية. بينما اشتغل الفنان الهندي مانوج بافيسكار مانوس على فكرة تفاعل الألوان الصباغية مع الطبيعة، من خلال عمل جماعي مع أهل القرية يرتكز على صبغ الملابس.

مواقع العرض توزعت في أنحاء القرية، حيث كان هناك نحو ثلاثين مشروعاً فنياً، لأكثر من عشرين فناناً، تنوعت الأعمال بين الفيديو والنحت والتصوير والتركيب والأداء، احتضنتها كنيسة القرية والبيوت العتيقة والكهوف القديمة.

يأتي المشروع ضمن مبادرة نظمتها الفنانات البصريات: سماح حجاوي وعريب طوقان وديالا خصاونة، بالتعاون مع علا الخالدي ورفيق ناصر الدين من «مكان». وهي جزء من شبكة ورشات تراي آنغل آرتس ترست، تستهدف الفنانين ممن هم في منتصف عمرهم المهني، ليتلاقوا في منطقة تعزلهم عن صخب المدينة وإيقاعها، وتدفعهم لمزيد من التأمل والإبداع.

ورشة «شطنا» العالمية: حوار فنّي حضاري
 
01-Aug-2009
 
العدد 2