العدد 2 - إبداع | ||||||||||||||
محمد المصري حاوره: حسين أبو رمّان «السّجـل»: هنـاك التبـاس في فهـم النـاس لنتـائج الاستطلاعات، ما السبب في ذلك؟ - تنفيذ استطلاعات الرأي ونشر نتائجها لم يكن جزءاً من ثقافتنا المحلية، ورغم أننا بدأنا هذا العمل منذ سنوات، إلا أننا ما زلنا في طور تجذير ثقافة المسوحات السياسية. إلى جانب ذلك، هناك مواقع إلكترونية تقوم بتنفيذ أنشطة تسمّيها «استطلاعات»، وهي ليست كذلك، بل مجرد رأي فئة من الناس، وهذا يؤدي إلى خلط الأمور. فضلاً عن ذلك، فإن الاستطلاع لا يقيس «الشيء»، بل يقيس انطباع الناس عنه، أي أن الاستطلاع يقيس نبض المجتمع تجاه مواضيع محددة. «السّجل»: هل يمكن إعطاء تعريف موجز لاستطلاع الرأي؟ - الاستطلاع أداة بحثية تقع ضمن علم العيّنات، وهو جزء من علم الإحصاء. هذه الأداة تعوّض عن المسح الكامل للمجتمع بمسح عينة ممثلة. فالعينة الوطنية تعني استخدام الإطار السكاني الذي يقسم إلى تجمعات سكنية (بلوكات)، يتكون كل منها من 100 مسكن إلى 150 مسكناً. وتتولى دائرة الإحصاءات إعداد خريطة التجمعات السكنية للأغراض الإحصائية، بحيث تكون فرصة ظهور مسكن ما في أي مكان في الأردن، مماثلة لفرص المساكن الأخرى. «السّجل»: كيف يتم تعبئة الاستمارات وجمعها؟ - عند تنفيذ الاستطلاع، يُزوَّد الباحثون بخرائط للتجمعات السكنية، وبأرقام المساكن التي ظهرت في العينة التي يقومون باستطلاع آراء أفراد من ساكنيها، مع توفير بدائل لهذه المساكن في حال كان سكانها غائبين عنها. استمارات الاستطلاع لا يملؤها المستجيبون، وإنما باحثون ندرّبهم جيداً. ويتكون فريق الاستطلاع أيضاً من مراقبين يدققون الاستمارات ميدانياً، ويعيدون فحص من 10 إلى 20 في المئة من الاستمارات التي جُمعت من خلال باحثين آخرين، فيما يتأكد المشرفون من توزيع الباحثين على العينة المختارة، وسلامة إجراء الاستطلاع. «السّجل»: هل طلب أحد منتقدي الاستطلاعات الاطلاعَ على آلية العمل؟ - عدد قليل جداً من الناس يتصلون مع المركز للسؤال عن مغزى الأرقام والتحليل. وفي واقع الحال، فإن قاعدة البيانات المتوافرة لدى المركز مفتوحة للجميع، وبإمكان الراغبين مواكبةَ خطوات أيّ استطلاع ننظمه من الألف إلى الياء. وأذكر أن الصحفي ياسر أبو هلالة، واكب أحد الاستطلاعات بناء على طلبه، إذ جاءنا متشككاً، وانتهى به المطاف مدافعاً عنه، ومثمناً الجهدَ الإنساني والعلمي الكبير الذي يبذله المركز. «السّجل»: كيف تُعدّون العينات الخاصة برأي النُّخَب؟ - إحدى الإضافات المنهجية في الاستطلاعات، تمثّلت في إنشاء إطار مفاهيمي جديد يسمى «قادة الرأي» في البلاد، يضم فئات قادرة على التأثير في اتجاهات الرأي العام وفي صناعة القرار. يعود الفضل في بلورة هذا «الفتح» المنهجي لزميلنا مصطفى الحمارنة. هذا تطلّب إعداد قاعدة بيانات تشمل سبع فئات، هي: المهنيون، كبار رجال وسيدات الدولة، كبار الاقتصاديين، القيادات الحزبية، قادة المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، أساتذة الجامعات، والصحفيون والكتّاب والفنانون. هذا الإطار الجديد يسلط الضوء على التباين في وجهات النظر بين النخبة والشارع. «السّجل»: هل مارست جهات رسمية ضغوطاً عليكم؟ - دائماً كانت هناك ضغوط تمارَس بطرق مختلفة. في المراحل الأولى كانت الضغوط شديدة كي يتراجع المركز عن إجراء الاستطلاعات بعدما تبين لبعضهم أن المركز لا يساوم على صدقية البحث الأكاديمي. وما زال عدد من المسؤولين يراهنون على أن ضغوطهم يمكن أن تجد آذاناً صاغية. كل هذا يبرهن على أن هناك من «يستكثر» على الأردن أن يكون لديه مؤسسة وطنية مستقلة وموضوعية لديها أخلاقياتها الأكاديمية، وتعمل على قياس اتجاهات الرأي العام بشكل دوري تجاه قضايا حيوية. «السّجل»: كيف كانت ردود الفعل على الاستطلاعات؟ - في البداية، كان بعض المسؤولين يبدون تجاهلاً للاستطلاعات كما لو أنها غير موجودة. فيما راهنت جهات أخرى على توقفها. بالمقابل، فتحت الاستطلاعات مجالاً للحوار على نطاق واسع، وبخاصة في الصحافة، وأصبح الصحفيون يستخدمون الرقم الإحصائي في أسئلتهم للمسؤولين. ثم أخذت المعارضة الحزبية تستخدم نتائج الاستطلاعات في خطابها السياسي. وكان لافتاً أن الملك الراحل الحسين استخدم نتائج استطلاعات الرأي مبكراً في العام 1994، في ما يتعلق باتجاهات الرأي العام تجاه توقيع إعلان المبادئ بين الأردن وإسرائيل. «السّجل»: كيف تقيّمون الشوط الذي قطعتموه؟ - نجح المركز من خلال مصداقيته والاستمرارية في تنفيذ الاستطلاعات في تكريس هذه الأداة، وترسيخ مكانتها في البلاد. فانتقلنا من مرحلة كان بعض رؤساء الوزارات فيها يقولون في مجالسهم الخاصة إنهم لم يقرأوا نتائج تقييم أداء حكوماتهم، إلى مرحلة أخرى باتت حكومات تتعامل فيها بجدية مع هذه النتائج. بهذا تكون الاستطلاعات قد أصبحت من مكونات الحياة السياسية، ويمكن ملاحظة ترقُّب وسائل الإعلام وقوى المجتمع المدني لنتائج الاستطلاعات الدورية للمركز. وهناك العديد من الأبحاث والأطروحات الجامعية في الأردن وخارجه اعتمدت على نتائج الاستطلاعات. «السّجل»: ماذا تقولون للذين يغضبون من النتائج؟ - نحن أيضاً لدينا تساؤلات حول النتائج، لكنها تهدف لمعرفة ما إذا كانت النتائج مجرد صورة لحظية لرأي عام متغير، أم إنها تمثل اتجاهاً مستقراً للرأي العام؟ لذلك نتطلع دائماً إلى الوقوف على السيناريوهات المحتمَلة التي يمكن أن تبنى على هذه الأرقام، هذا لأننا لا نتعامل مع النتائج بوصفها قضية أخلاقية، بل بوصفها مادة معرفية. فمن يعنيه الاستطلاع، عليه أن يهتم بما ينبغي عليه فعله لتغيير الانطباعات لدى الناس، إذا كان يعتقد أنها غير قائمة على أساس. فكل رقم يمكن أن تبنى عليه سياسة. لذلك يخسر من يدير ظهره للأرقام. «السّجل»: كيف تفسرون التحدي الذي مثلته الاستطلاعات للمجتمع؟ - مصدر التحدي هو أن الاستطلاعات أداة جديدة، والمجتمع الأردني لم يكن متعوداً على نشر آرائه. علاوة على ذلك، تعوّد صناع القرار على وسائل تقليدية للتعرف إلى الرأي العام من خلال اللقاءات مع الناس، والاطلاع على الصحف. أما الآن، فالاستطلاعات توفر لهم أداة قياس جديدة، وهذا أربكهم. أما التحدي الأكثر حساسية، فهو قبول السلطة السياسية بفقدان احتكارها للمعلومة، عندما انبرت جهة مستقلة لإعداد استطلاعات رأي ونشرها. إضافة إلى ذلك، تناولت الاستطلاعات قضايا حيوية، بعضها لم يكن يناقَش علناً، مثل العلاقات الأردنية الفلسطينية. «السّجل»: ما تقييمكم لحالة استطلاعات الرأي في الدول العربية؟ - يمثل الأردن حالة متقدمة مقارنة بالدول العربية الأخرى باستثناء فلسطين التي بدأت بإجراء استطلاعات الرأي في الوقت نفسه تقريباً الذي بدأنا فيه. مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية هو الذي قام بتأسيس فكرة استطلاع الرأي في مصر وسورية، وساهم بفعالية في تطويرها في لبنان. وتمثّل دور المركز في تدريب الخبراء والكوادر اللازمين. |
|
|||||||||||||