العدد 2 - استهلاكي
 

يتكرر كل عام: ترقُّبٌ قدوم شهر رمضان، وازدياد الحديث عن ارتفاع الأسعار، استغلال التجار، إسراف المستهلك، وعن وعود حكومية لا تنقطع بمراقبة الأسواق. ذلك أن الاستهلاك الزائد الذي تؤكده أرقام المستوردات وارتفاع الطلب، ينعكس على الأسعار ضمن معادلة العرض والطلب التاريخية.

أخيراً، بدأت جهةٌ جديدة، غير الحكومة، وجمعية حماية المستهلك محدودة التأثير، هي النقابة العامة لتجار المواد الغذائية، الحديثَ عن خطوات لمنع ارتفاع الأسعار.

رئيس النقابة خليل الحاج توفيق، أكد أن نقابته «تتابع مع المستوردين المحليين أولاً بأول توفير المواد الغذائية، وتسهيل انسياب السلع إلى الأسواق، لزيادة المعروض منها وضمان عدم رفع أسعارها في حال زاد الطلب مع حلول شهر رمضان».

وقال الحاج توفيق لـ«ے» إن «مستوردي المواد الغذائية والمصانع الغذائية المحلية أبرموا عقوداً مع المؤسستين الاستهلاكيتين العسكرية والمدنية، ومراكز تجارية، ومولات، وتجار جملة، لتوفير المواد الغذائية بكميات كبيرة في أسواقها قبل الشهر الفضيل، وبأسعار منافسة»، لافتاً إلى أن النقابة «تنسق حالياً مع تجار في جميع المحافظات لإجراء عروض على أسعار المواد الرمضانية والأساسية، بهدف تخفيض أعباء المعيشة على المواطن».

لكن، هل تتمكن هذه الإجراءات من القطاع الخاص، وتلك الحكومية، من منع تكرار ارتفاعات الأسعار في شهر رمضان، والتي تنتج عن الإقبال غير المدروس على المواد الأساسية، وبعضها «خاص» بشَهر الصوم.

«المشكلة في الغالب تكمن في المستهلك»، يؤكد المحلل الاقتصادي حسام عايش، ويضيف: «يزيد الاستهلاك خلال رمضان عن الحدود الطبيعية في بقية أشهر السنة، ويكثر هدر المستهلك فيه، ويبدو كأنه لا يستطيع الاستغناء عن كثير من المواد الغذائية، مهما ارتفع سعرها».

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي جواد العناني، أن «الموسمية» في الإقبال على الشراء، لا يمكن تغييرها بسهولة، بخاصة أن السلوك الاستهلاكي ذو خصوصية في رمضان. ويقول: «حتى لو رفعت المخابز سعر القطايف خلال شهر رمضان، فإن المستهلكين سيستمرون في الإقبال على شرائها. في بقية شهور السنة تبدو هذه المادة غير ضرورية، لذا فإنهم قد ينصرفون عنها إذا ارتفع ثمنها».

يعتقد العناني أن الطلب في هذه الظروف يصبح «غير مرن»، وحساسيته للأسعار تقل، في الوقت الذي ينتظر فيه التجار شهر رمضان بفارغ الصبر، انطلاقاً من أنه في نظرهم «موسم البيع».

في هذا الإطار، يرى عايش أن ارتفاع الأسعار مرتبط بكيفية تنظيم المجتمع المدني الذي يصفه بـ«المشتت»، والذي يعمل بشكل «هبّات»، ما ينتج عنه تحكم حلقات التسويق في ارتفاع الأسعار الذي يصل حتى 30-40 في المئة.

ويقول: «ليس الهدف هنا أن يبدو الأمر وكأنه حملة ضد التجار، لكن المشكلة أن هناك كثيرين يعتقدون أنه يمكنهم زيادة الأسعار دون حسيب أو رقيب».

أستاذ الاقتصاد في الجامعة الألمانية الأردنية إيهاب مقابلة، يرى أنه «في كثير الأحيان، من يتسبب في شيء، لا يكون هو متضرراً منه. هذا ينطبق على رفع الأسعار الذي تسببه مجموعة من المقتدرين، فيما يتأثر به عموم المستهلكين، بخاصة الفقراء».

مقابلة يتوقع أن تكون مشكلة الأسعار أكثر «إيلاماً» في رمضان المقبل، بسبب عودة المغتربين، لقضاء إجازة الصيف، أو للإقامة بشكل نهائي بعد أن تخلّت عنهم الشركات التي يعملون بها في الخليج، ضمن موجة عمليات تسريح العمال التي اجتاحت معظم أجزاء العالم.

المحللون يختلفون حول حلول مشكلة ارتفاع الأسعار الموسمية والمزمنة في رمضان، لكنهم يتفقون في أن المستهلك يجب أن يكون أكثر وعياً بما يخص مشترياته: أن يبحث عن البدائل المتوافرة، والأماكن التي تبيع بأسعار معقولة، وفي مرحلة متقدمة أن يقاطع المواد التي ترتفع أسعارها بشكل غير مبرر.

هذا الطرح ليس جديداً، والمستهلك الأردني بحسب مختصين، ما زال يمارس العادات نفسها رغم تكرار النصح والإرشاد للإقلاع عنها. فهل يُترك هذا المستهلك في الساحة وحده، بخاصة أن سلوكه الاستهلاكي لا يؤثر فيه فقط، فمجموع تصرفات المستهلكين بعامة تؤثر في المجتمع كله في النهاية؟

العناني يرى أن «أي نوع من التحكم بالأسعار سيــؤدي مباشرة إلى ســوق سوداء». ردة فعل التجـــار ستؤدي أيضاً إلى عرض أنــواع رديئة من البضاعة بالسعر «الحكومي»، وعرض أخرى ذات نوعية أفضل إلى جوارها بالأسعار التي يرتأيها التاجر ضمن ما يسمى «ترتيب البضاعة» price lining.

عايش، يؤكد أن هناك وسائل لـ«تنظيم» السوق، لكنها بحاجة هي الأخرى إلى تنظيم وترتيب.

عايش والعناني يقترحان الاستمرار في إقامة الأسواق الشعبية، لكنهما يشترطان لنجاحها أن تكون خاضعة للرقابة من حيث الجودة والتنظيم والمنافسة الشريفة.

يقول عايش بقدر من الثقة: «المؤسستان الاستهلاكيتان المدنية والعسكرية قادرتان على ضبط إيقاع الأسعار».

مقابلة، يقترح إلى جانب الأسواق الشعبية، إقرار شكل من أشكال الحصص لكل مستهلك، ويرى ذلك «ضرورياً حال غياب عقلانية الشراء». عقلنة الشراء هنا قد تخلق نوعاً من السوق السوداء، لكنها ضرورية لضبط السواد الأعظم من المستهلكين الذين، إما ينفقون مدخراتهم خلال شهر الصوم، أو يستدينون لتوفير احتياجاتهم غير المعقلنة.

الحاج توفيق قال في تصريحات صحفية لوكالة الأنباء الأردنية بترا، إن أسعار المواد الغذائية الأساسية ستكون خلال شهر رمضان أقل مما كانت عليه الموسم الماضي في السوق المحلية. وأكد أن أسواق البلاد لا تعاني أيَّ نقص في المواد الأساسية، مشيراً إلى أن المستوردين وفروا جميع احتياجات المملكة من المواد الأساسية ومن مناشئ مختلفة، بهدف توفير بدائل لشرائح المواطنين المختلفة، بخاصة من ذوي الدخل المحدود.

الحاج توفيق أبدى استغرابه من التصريحات التي تتوقع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية، والتي تؤدي بحسب ما يرى، إلى «إرباك المواطن»، وتدفع ببعض التجار إلى «رفع الأسعار دون مبرر».

لكن العناني يدعو المستهلكين إلى «استخدام سلاح فعال» ضد التجار الذين يزيدون الأسعار. يقول: «تقنين الاستهلاك، ومقاطعة البضائع ذات الأسعار غير المعقولة، ستجبر التجار على تخفيض أسعار السلع، بخاصة ذات تكلفة التخزين العالية، أو تلك التي تتلف عند التخزين الطويل، مثل الألبان أو الخضراوات والفاكهة».

ويؤكد العناني أن المستهلك لديه قدرة عالية على الاستجابة لدعوات التقنين، والاستهلاك الذكي، وأن «هذا التوجُّه يزداد عند توفير البدائل».

توفير البدائل مهم جداً، لكن هناك شكاوى من تركُّز الاستيراد في أيدي «عصبة» صغيرة من التجار المتنفذين. عايش يرى أن الحكومة مطالَبة بفتح باب الاستيراد لكثير من المواد، ومنح رخص استيراد من دون شروط تعجيزية.

الحاج توفيق دعا الحكومة هو الآخر، إلى تعليق الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على بعض المواد الغذائية إلى ما بعد شهر رمضان، بخاصة سلع قمر الدين والبرغل والفريكة وجوز القلب والدجاج المجمد، كما دعا إلى الاهتمام بالقطاع التجاري كونه لا يقل أهمية عن القطاعات الأخرى، فضلاً عن أنه يمر بظروف صعبة، نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن.

هل تنجح هذه الجهود، في منع إعادة مسلسل ارتفاع الأسعار في رمضان، الذي لا يتابعه أحد، بينما يتابع كثيرون مسلسلات مصرية وسورية وحتى تركية؟ سؤال لن تجيب عنه سوى معدلات «الوعي» والمشاهدة في شهر الصوم، الذي تقول الدلائل إنه سيكون أصعب من الذي سبقه، بخاصة أن الشمس لن تغيب فيه قبل حلول الثامنة مساء.

المستهلك وحيداً في الحَلَبة ارتفاع الأسعار هل يمكن كبحه؟
 
01-Aug-2009
 
العدد 2