العدد 2 - عين ثالثة
 

في العام 2006، لفت الأنظارَ الاستخدامُ المكثف للذخائر العنقودية من جانب إسرائيل، وبخاصة في العالم العربي. فخلال الحرب التي دارت على مدى 34 يوماً بين إسرائيل وحزب الله، أمطرت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان، بصواريخ محملة بذخائر عنقودية، وبخاصة في الأيام الثلاثة الأخيرة من الصراع، في الوقت الذي كان يمثل فيه ذلك تهديداً للمدنيين، لأن كل قذيفة يمكنها ملء مساحة ملعب لكرة القدم بما يزيد على عشرات، بل مئات القنابل الصغيرة.

لكن الخطر لم ينته بانتهاء القصف، فالقرى والبلدات والمنازل والبنايات الرسمية والحدائق والحقول الواقعة جنوبي نهر الليطاني، امتلأت بنحو مليون من «مخلّفات» الذخائر التي لم تنفجر فور سقوطها، ما شكّل تهديداً للبنانيين الذين يعيشون هناك لسنوات عديدة مقبلة، وتحويلاً للأرض الزراعية إلى حقول ألغام حقيقية. لقد كان مدى هذا التلويث أسوأ بكثير مما وجدته منظمة هيومن رايتس ووتش في أفغانستان والعراق وكوسوفو، وهي ثلاثة بلدان استُخدمت فيها الذخائر العنقودية أخيراً. (ومنذ ذلك الحين، استخدمت روسيا وجورجيا مثل هذه الأسلحة خلال حربهما على أوسيتيا الجنوبية في آب/أغسطس 2008؛ كما استخدم حزب الله أسلحة عنقودية ضد إسرائيل خلال حرب العام 2006).

كانت منظمة هيومن رايتس ووتش، وشركاؤها في التحالف الدولي للذخائر العنقودية؛ اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى، قد صنفت الذخائر العنقودية بوصفها أسلحة تخلف آثاراً إنسانية رهيبة، لأنها تنتشر فوق رقعة واسعة ولا تميز بين أهداف عسكرية وأخرى مدنية. و«المخلفات»، مثل حقول الألغام غير المنفجرة، تشكل تهديداً لحياة الناس وأطرافهم ومصالحهم بعد انتهاء النزاع بفترة طويلة.

في أواخر العام 2006، عقب الحرب اللبنانية الإسرائيلية، أطلقت النرويج عملية جمعت ما بين الحكومات والمنظمات الدولية، والوكالات التابعة للأمم المتحدة وجماعات المجتمع المدني، وفي أقل من عامين، صدر ميثاق 2008 للذخائر العنقودية. وأدّى لبنان دوراً مشهوداً في المفاوضات التي تمخض عنها، في النهاية، تبني المعاهدة الدولية. وقد فُتح باب التوقيع للدول على الميثاق العالمي للذخائر العنقودية في كانون الثاني/ديسمبر 2008؛ ومنذ أواسط تموز/يوليو 2009، وقّعت عليها 98 دولة وأقرتها 14 دولة أخرى. وسوف يدخل الميثاق حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من التوقيع الثلاثين على إقرارها.

لقد ساد الاعتقاد بأن الدول العربية سوف تدعم جهداً للتشهير بهذه الأسلحة، وبالتالي تحريم استخدامها، وذلك بالنظر إلى استخدام إسرائيل لها في لبنان العام 2006 (ثمة استخدام إسرائيلي آخر قبله). غير أنه من بين بلدان المنطقة، لم يوقّع سوى لبنان وتونس، في حين أن بقية الدول العربية تمتلك ترسانة من الذخائر العنقودية، ومعظمها جاء من الولايات المتحدة أو من الاتحاد السوفييتي السابق. والدول العربية التي استخدمت الذخائر العنقودية في نزاعاتها المسلحة هي: ليبيا (في تشاد في أواسط الثمانينيات)، والمغرب (في الصحراء الغربية)، والسعودية (ضد القوات العراقية التي تحركت نحو الأراضي السعودية في العام 1991). ويبدو أن مصر هي الدولة الوحيدة التي أنتجت ذخائر عنقودية.

لقد شارك الأردن في المؤتمر الذي أطلق عملية المعاهدة، وعبّرَ دبلوماسيون أردنيون عن مصالح بلادهم في الانضمام إلى الميثاق، لكن، لم تُتّخذ حتى الآن أيّ خطوة في هذا الاتجاه. وقد أبلغني دبلوماسي مصري ذو خبرة في مفاوضات التسلح، أنه بصرف النظر عن مزايا ميثاق الذخائر العنقودية، فإن مصر لن تدرس التوقيع عليه ما دامت الولايات المتحدة ترفض التعاون في المفاوضات حول منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط.

من الصعب قبول مثل هذا التفسير حول تفعيل ميثاق الذخائر العنقودية، فالولايات المتحدة واحدة من أكبر منتجي الذخائر العنقودية في العالم ومصدّريه، وقد عارضتْ دوماً كل جهد لتقييد استخدامها. فلو أن مصر أو أيّ دولة اهتمّت في إظهار استيائها من سياسات الولايات المتحدة الخاصة بنزع السلاح، فإن هنالك طريقة أفضل بكثير هي دعم جهود ضبط الأسلحة وإزالتها، مثل الذخائر العنقودية التي تشكل بطبيعتها تهديداً إنسانياً خطيراً على المدنيين.

حتى الآن، لم تكن هنالك سوى جهود ضئيلة للمجتمع المدني في البلدان العربية لحشد دعم للميثاق في أوساط الجمهور أو الحكومات، والعراق، البلد العربي الثاني (إلى جانب لبنان) الذي جرّب الاستخدام الكبير للذخائر العنقودية، يجب أن يدرس التوقيع على الميثاق وإقراره قريباً، والتهديد الذي تمثله على حياة المدنيين حيثما استُخدمت، وعلى النشطاء في العالم العربي أن يدفعوا حكوماتهم للتوقيع على المعاهدة، لتكون بين الدول الثلاثين التي ستجعل المعاهدة تدخل حيز التنفيذ.

العرب والذخائر العنقودية
 
01-Aug-2009
 
العدد 2