العدد 2 - العالم | ||||||||||||||
في برنامجه الذي يقدمه من على شاشة قناة الجزيرة الفضائية بعنوان «تجربة حياة»، قال محمد حسنين هيكل إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقف بعد أيام من هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/يونيو 1967، ليتأمل في مفهوم «عدم الانحياز»، في التفاتة متأخرة قليلاً إلى أن المفهوم غير واضح أو محدّد. هيكل لم يتحدث عما انتهى إليه عبد الناصر بإعادة النظر في المفهوم. كان الزعيم الهندي جواهر لال نهرو هو الذي سَكَّ المصطلح الذي تحول إلى واحد من أكثر المصطلحات شيوعاً في عالم السياسة الدولية في الخمسينيات والستينيات. وقد استفاد نهرو في سَكّ هذا المفهوم من مقترح هندي لوضع حد للصراع الذي اندلع بين الهند والصين، منذ خمسينيات القرن الماضي. ولا أحد يعرف، ولا يخبرنا هيكل، بما إذا كان عبد الناصر الذي ناضل تحت راية هذا المفهوم سنوات طوالاً قد توقف، قبل أن تلحق الهزيمة بالجيوش العربية، ليفكر في هذا المفهوم الذي كان مزيجاً من المفهوم الأيديولوجي والشعار السياسي. لكن المهم أن توقف عبد الناصر عند هذا المفهوم تم في محطة فارقة، هي لحظة الهزيمة والاستعداد لمعركة جديدة مع إسرائيل وأميركا، ما يستدعي حسم خيارات مهمة واتخاذ قرارات مهمة في ضوئها، وعلى رأسها خيار التحالف مع القطب الاشتراكي الأكبر في ذلك الوقت، الاتحاد السوفييتي، لإدارة معركة حياة أو موت مع الدولة الإمبريالية الأكبر، الولايات المتحدة، وحليفتها الأبرز في المنطقة، إسرائيل. هذه الأيام، بعد أكثر من أربعين عاماً على وقفة عبد الناصر تلك، عقد قادة دول عدم الانحياز مؤتمرهم الخامس عشر، في ظل المفهوم غير الواضح أو المحدد نفسه، كما في ظل حقائق جديدة شهدها العالم، أهمها انهيار المعسكر الاشتراكي، وتفرد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم قطباً أكبر وأوحد، مع بروز قوى إقليمية عديدة، كانت حتى وقت قريب جزءاً من منظومة دول عدم الانحياز نفسها، مثل: الصين والهند. قرارات القمة التي عُقدت في منتجع شرم الشيخ المصري، جاءت لتضرب في أكثر من اتجاه؛ اتجاه الماضي الذي مضى وانقضى، ولكن بعض مشكلاته ما زالت ماثلة مثلما كانت منذ زمن. فقد أكد القادة دعمهم لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة متصلة وقابلة للبقاء، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو بند لم يبرح أدراج الحركة منذ عقود، وشدّدوا على ضرورة تعزيز نزع السلاح والأمن الدولي، وتأكيد حق الدول في امتلاك الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. كما أكدوا رفضهم توقيع عقوبات أحادية الجانب على دول الحركة، وذلك في إشارة إلى إيران. وإن كانت هذه البنود تنتمي إلى ماضي الحركة، فإن بعض القرارات تشير إلى قضايا مستجدة مثل الإرهاب الدولي، حيث دعا المؤتمر إلى ضرورة الانتهاء من المعاهدة الشاملة لمكافحته، والعولمة التي أبدت القمة تخوفها من مخاطرها وتحدياتها بالنسبة للدول النامية «رغم ما تتيحه من فرص مهمة وجيدة»، والأزمات المالية والاقتصادية العالمية التي قال البيان الختامي الصادر عن المؤتمر إنها تشكل ضرراً متزايداً على جميع الدول. وأخيراً أعربت القمة عن تضامنها مع شعوب وحكومات الدول التي تأثرت بتفشي وباء إنفلونزا الخنازير والأوبئة الأخرى. زيادة المشاكل بالنسبة لدول الحركة لم تعن أكثر من زيادة بنود قائمة التوصيات التي تصدرها الحركة في نهاية كل مؤتمر لها. لم يكن الأمر كذلك في ما مضى من سنين، فقد كان انعقاد مؤتمر لدول الحركة مؤشراً على توجهات عامة تهم العالم أجمع، دليلاً على حيوية الحركة وأهمية توجهاتها. ففي العام 1979، وكانت قمة دول الحركة تُعقد في هافانا، صدر عدد من مجلة إيكونوميست البريطانية بغلاف يحمل صورة كاسترو وهو يشير بيده إلى عاصمة بلاده الاشتراكية، وهو ما رأت فيه الصحيفة البريطانية «نكتة»، في إشارة إلى المفارقة بين عدم الانحياز وبين الجزيرة الشيوعية التي ينعقد على أرضها المؤتمر. وانفض مؤتمر دول الحركة في هافانا، مع توصية بعقد المؤتمر اللاحق في بغداد، ولكن بغداد ما لبثت أن انهمكت في حرب مدمرة مع إيران، فانعقد المؤتمر في الهند. في أثناء المؤتمر الأخير، أشارت إحدى الدراسات إلى حقيقة «طريفة»، هي أن عشر دول فقط من بين 118 دولة عضواً في الحركة تقيم علاقات طبيعية مع العراق. فهل ما زالت الحركة هي الحركة؟ ألم يحن الوقت لوقفة مثل تلك التي وقفها الزعيم الراحل عبد الناصر للتفكير في معنى «عدم الانحياز» بعد أن جرت مياه كثيرة تحت أنهر كثيرة في الدول المكونة للحركة؟ في المؤتمر الأخير، شاهد العالم أجمع الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، الذي ما زالت بلاده ترفع راية الشيوعية، وهو يسلم رئاسة الحركة إلى الرئيس المصري حسني مبارك، الذي يحكم بلاداً لم تعد يربطها بعبد الناصر الكثير من الروابط. أما القمة المقبلة فسوف تُعقد في طهران، وسوف تتولى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرئاسة المقبلة لدول حركة عدم الانحياز. |
|
|||||||||||||