العدد 2 - أفق
 

- الليبرالية توجه فكري وسياسي يرفع قيمة الحرية، والحرية الفردية بشكل خاص، على رأس سلم قيمه، ويعكس نظرياً مرحلة تطور مواطن المدينة الحر. من هنا، فإن الليبرالية ارتبطت تاريخياً بتحديد من هو الفرد الذي يستحق ممارسة الحرية. فقد كانت فكراً نخبوياً متعلقاً بالفئة التي تستحق أن يقال إنها مؤلفة من أفراد، بحيث يُعدّون (في إطار الدولة) مواطنين.

- في الأصل التاريخي، وفي الأصول الفكرية، الديمقراطية شيء، والليبرالية شيء آخر.

- الليبرالية الاقتصادية متفاوتة الدرجة، ولكنها، في جوهرها، توجه لتحرير قوانين السوق من تدخل الدولة وآليات القسر. وهي ترى أن حرية الفرد في صنع خياره العقلاني لمصلحته أو بحثاً عن السعادة، تلتقي مع حرية التعاقد وقوانين السوق. وأن النتيجة هي تحرير طاقات الناس الإبداعية وتثوير الإنتاج، وأن السوق تنظم ذاتها في النهاية.

- الليبرالية السياسية منظومة حقوقية تضع الحريات المدنية للمواطن في أساس النظام.

- الديمقراطية في بداياتها لم تكن ليبرالية، فحكم الأغلبية، تمثيلياً كان أم غير تمثيلي، لم يكن ليبرالياً.

- الليبرالية بشقيها لم تكن ديمقراطية. الشق الاقتصادي عُني بحق الملكية الخاصة للأقلية، والشق السياسي عُني بحقوق سياسية لأقلية من الذكور المالكين الأحرار. لكن الليبرالية السياسية كانت تاريخياً أكثر حساسية لما يمكن أن نسميه حقوق الإنسان.

- التقى اليسار عموماً مع الديمقراطية في مصالح الأغلبية مغلِّباً قيمة المساواة على قيمة الحرية، ومُشككاً بمعنى الحرية في ظل الاستغلال. ولذلك أيضاً بحث اليسار عن نماذج ديمقراطية تقيِّد الملكية الخاصة.

- هل تصح الحرية دون عدالة اجتماعية، وهل تصح عدالة اجتماعية دون حرية؟ هذا هو النقاش الرئيسي الذي أشغل اليسار تاريخياً. وتجلى أكثر ما تجلى في قيمة المساواة وفكرتها. فقد تحولت المساواة إلى مساواة في انعدام الحقوق من جهة، وامتيازات عند الحاكمين في الجهة الأخرى.. ما شكل ردة حديثة عن الحداثة، فأعاد بأدوات حديثة إنتاج علاقة الحاكم والرعية (بدل المواطنين).

- تطورَ الصراع بين الديمقراطية على أشكالها التي تمثل فعلاً أو تدعي تمثيل الأغلبية من جهة، والليبرالية من جهة أخرى، وقد أختبأت خلفها حروب مصالح وصراعات دموية إيديولوجية حتى منتصف القرن العشرين.

- نجم اللقاء بين الديمقراطية والليبرالية عن تطور تدريجي وطفرات ثورية عند «الجانبين». فقد توسع فهم الليبرالية للحقوق المدنية ليشمل بعض الحقوق الاجتماعية، كما نجم عن نضال العمال والنساء وشعوب المستعمرات توسعٌ لمفهوم الفرد الحر والمواطن... أما الديمقراطية، فقد فرزت إلى ليبرالية وغير ليبرالية، بعد أن تطورت تيارات دكتاتورية تختلف عن الملكية بأنها تحكم باسم الشعب والجمهورية.

- أ. لقاء الديمقراطية والليبرالية، ألزم الديمقراطية، أي ألزم حكم الأغلبية بقيم ليبرالية، وأصبحت هذه القيمُ الأصلَ، مثل الحريات المدنية، وهي ملزمة للأغلبية حين تحكم، وإلا فإنها لم تعد تسمى أغلبية ديمقراطية (وأصبحت فكرة الأغلبية غير الديمقراطية فكرة ممكنة).

ب. كما عمّم هذا اللقاء الحقوق الليبرالية، نظرياً في ما يجب أن يكون على الأقل، لتصبح الحقوق غير مقتصرة على فئة. أصبح بذلك مفهوم المواطنة شاملاً للأفراد بوصفه منظماً للعلاقة بين الفرد والدولة.

- مكّنَ هذا التعميم أيضاً من الفصل بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية، بحيث أصبح ممكناً أن يتم تبني ليبرالية سياسية وحقوق اجتماعية تقيد الليبرالية الاقتصادية.

- الديمقراطية الليبرالية هي نموذج الديمقراطية القائم في عصرنا.

- لم تعد الديمقراطية حكم الأغلبية فقط، بل أصبحت حكم الأغلبية بموجب القيم الديمقراطية. وهذا يعني أن الأغلبية يجب أن تلتزم بقيم الديمقراطية، فلا تمثل أغلبية ديمقراطية فحسب.

- ملاحظة اعتراضية: لم تتطلب الليبرالية في الماضي في دول المنشأ أن تؤمن الأغلبية بقيم الديمقراطية، فقد كان حق الاقتراع من نصيب أقلية في المجتمع. ثم توسع هذا الحق وتطورت معه بالتدريج الثقافة الديمقراطية.

- ألا يعني هذا أنه يطلب من مجتمعات دول العام الثالث، التي لم تؤسس ديمقراطيات بعد، حق اقتراع عام دفعة واحدة، وبالتالي ثقافة ديمقراطية دفعة واحدة، بحيث تكون أكثر انتشاراً في مجتمعاتها مما تطلب الأمر في الدول التي نشأت فيها الديمقراطية في مرحلة نشوئها الأوروبية؟

- نعم، وربما ينطبق على هذه الحالة ما سماه هيغل: «خداع التاريخ».

- ماذا نفعل إذاً؟ إذا انتخبنا بالأغلبية قد ننتخب قوى لا تحترم القيم الديمقراطية. وإذا لم ننتخب تبقى أوضاع استبداد لا تساعد في انتشار قيم ديمقراطية، بل ربما تساهم في انتشار عكسها.

- نضع البرامج، وننظم القوى الديمقراطية، ونناضل لتوسيع حقوق المواطنة وتصليبها كي تصبح عرفاً مفروغاً منه، وجديراً بالدفاع عنه. يناضل الناس من أجل حقوق، ولا يدافعون عن حقوق غير موجودة ولم يجربوها.

- تطورت الدولة الديمقراطية الليبرالية الحديثة في سياق تشكل الأمة الحديثة من قومية قائمة أو من الدولة، أو من كليهما، وفي سياق اقتصاد منتج دافع للضرائب، وتشكل طبقة وسطى.

- حين يُطلَبُ من الديمقراطية العربية أن تتطور ضد بناء المؤسسات الحديثة، وفي سياق اقتصاد ريعي، وضد بناء الاقتصاد المنتج والطبقة الوسطى، ومن خلال تعميم ثقافة استهلاكية، فإنّه يتم تعميم الديمقراطية بوصفها جزءاً من الثقافة الاستهلاكية لا أكثر، وحين يُشترط بها أن تتطور ضد القومية وضد عملية بناء الأمة، وحين يُخلط بين الليبرالية الديمقراطية والنيوليبرالية، ينتج استعصاء.

طروحات حول الديمقراطية والليبرالية
 
01-Aug-2009
 
العدد 2