العدد 2 - من حولنا
 

جاء المشهد السياسي في اليمن في السابع من تموز/يوليو 2009، شديدَ الوضوح، في إظهاره التأزم الراهن في وحدة هذا البلد بين شطريه السابقين؛ الشمالي والجنوبي.

اليوم المشار إليه، هو ذكرى انتهاء حرب صيف 1994 بين القوات الحكومية وقوات تابعة للحزب الاشتراكي، بعد إعلان قيادة الحزب المذكور، ممثلةً بنائب الرئيس في حينه، علي سالم البيض، الانفصال والعودة إلى دولة اليمن الجنوبي. وانتهت الحرب، كما هو معلوم، بانتصار الوحدة وتكريسها، وهزيمة الانفصاليين. وكشفَ التباين الحاد في استذكار المناسبة في الشمال والجنوب عن اهتزاز خطير في بنية اليمن الموحد، إذ فيما ابتهجت مسيرات في الشمال بالذكرى، تأييداً للنظام السياسي وللوحدة، نادت تظاهرات في الجنوب بـ«فك الارتباط» مع الشمال، ورفعت أعلامُ دولة اليمن الجنوبي السابقة وصوراً لرئيسها الأخير، علي سالم البيض، الذي كان الرجل الأبرز في إقامة وحدة اليمن في أيار/ مايو 1990، وصار نائب رئيس الجمهورية، من دون أن ينص الدستور على هذا المنصب.

بعد صمت استمر 15 عاماً، أقام خلالها في سلطنة عُمان، وفي الذكرى التاسعة عشرة للوحدة، دعا البيض من النمسا إلى الانفصال، وسط تفاعلات نجمت عن تظاهرات ساخطة في الجنوب على السلطة، سقط خلالها عشرات الضحايا، وهي تظاهرات ما إن تهدأ، في لحج والضالع بخاصة، حتى تشتعل ثانيةً، مطالبةً بإنهاء ما تسميه «احتلالاً» يقترفه الشمال بحق الجنوب، وتدعو إلى «الاستقلال»، وترفع شعار «فك الارتباط».

وفي جديدها، سقط 16 قتيلاً و30 جريحاً، بينهم عناصر من قوات الأمن، في محافظة أبين في 23 تموز/يوليو الفائت. وعقب هذه «المجزرة»، حبسب تسمية جنوبية لها، أطلق البيض نداء إلى «المجتمع الدولي»، ومنه جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، لإنقاذ «اليمن الجنوبي» بوصفه «منطقة منكوبة». وقال في النداء الذي وقّعه بصفته «رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية»، إن القوات اليمنية هناك قوات احتلال تسفك دماء أبناء الجنوب.

كان البيض صرّح قبل ذلك، أن الجنوبيين عندما توجهوا إلى الوحدة، كانوا يتطلعون إلى وطن واحد يتسع للجميع، لكن السلطة في صنعاء كانت تتربص بهم. وأعلن أنه سيقود المساعي المؤيدة لـ«إعادة تأسيس دولة اليمن الجنوبي». وتسببت تصريحاته تلك، وغيرها، بنزع عُمان جنسيتها التي كانت قد منحتها له، فبدأ إقامة في منفى جديد هو النمسا.

جهر البيض، وعلى هذا النحو، بدعوته المذكورة، استناداً إلى ما يتم الحديث عنه بشأن «حالة غليان» في محافظات الجنوب، ومنها لحج التي شهدت إحدى مناطقها، في ذكرى «انتصار الوحدة»، مقتل ثلاثة يمنيين ينحدرون من الشمال على يد مسلّحين، تردّد أنهم ينتسبون إلى «الحراك الجنوبي» الذي يضم تشكيلات تطالب بالانفصال. جاء الحادث في أجواء تنامي مشاعر الكراهية والنزعة المناطقية الانفصالية، دفعت يمنيين من أهل الشمال المقيمين في الجنوب إلى المغادرة إلى مناطقهم الأصلية. واضطر تجار منهم إلى إغلاق محلاتهم في الجنوب، إثر تهديدات «عناصر مجهولة» لهم بالتصفية.

هذا المناخ باهظ التكلفة اجتماعياً ووطنياً، يتوازى مع انضمام متشددين إسلاميين إلى القوى الانفصالية، ومع عدم حسم السلطات الحاكمة حلولاً لمطالب معلَنة منذ سنوات في الجنوب، منها إعادة 70 ألف موظف إلى أعمالهم بعد أن تضرروا من حرب 1994.

هذه العوامل، وأخرى متعلقة بالتنمية وتوزيع الثروة في الجنوب، قد لا يصيب النجاحَ في حلّ تفاصيلها، التداعي الروتيني الحكومي في صنعاء، إلى إشهار الاتهامات بالإرهاب والتآمر في وجه من يعلنون أن 80 في المئة من الثروة النفطية والغاز في اليمن هي في محافظاتهم التي يشكل سكانها نحو 20 في المئة فقط من اليمنيين.

كان طيّباً أن لجنة نيابية لتقصي الحقائق شددت على دراسة أسباب تصاعد الاحتجاجات في الجنوب واستمرارها، وأوضاع الذين أحيلوا إلى التقاعد أو لم تُسوَّى أوضاعهم من العسكريين ورجال الأمن، ووضع المعالجات المناسبة لهم في مدة ثلاثة أشهر. وجاءت لافتةً توصيةُ اللجنة بضرورة التزام الحكومة بتعويض كل أُسَر الضحايا، من قتلى وجرحى خلال المواجهات في الجنوب، مدنيين أو عسكريين، بوصف الجميع، رعايا الحكومة.. وإذا عملت الأخيرة بالتوصية، وأزالت أسباب الاحتقان والاضطراب في الجنوب، مع حدوث انفتاح سياسي جدّي في أجواء حوار صريحة بشأن المشكلات المستعصية، (الحوثيون مثلاً)؛ فقد يعبر اليمن إلى حال آخر، بخاصة وأن المخاوف على البلد حقيقية، بالنظر إلى نزوع شديد الحدّة في محافظات الجنوب إلى «الاستقلال»، وهذا مطلب حركات مقاومة ضد قوة احتلال، وينبغي أن لا يكون مطلباً من سلطة حكم في بلد واحد وموحد، كان اسمه اليمن السعيد.

ليمن: مطالبات بإحياء «دولة الجنوب»
 
01-Aug-2009
 
العدد 2