العدد 2 - من حولنا
 

خلال الحرب على غزّة، صيف 2008 ظهر واضحاً أنّ دولة إسرائيل والمجتمع اليهوديّ يتعاملان مع جميع الفلسطينيّين، في حدود 67 وحدود 48، بوصفهم خطراً على دولة إسرائيل.

لكن الاختلاف في التعامل مع هذا الخطر يُشتقّ من المكانة القانونيّة لهؤلاء الفلسطينيّين. وفي فترة الحملة الانتخابيّة، تحوّلت الأقلـيّة الفلسطينيّة إلى أحد أبرز مواضيع الحملة لدى بعض الأحزاب الصهيونيّة، بخاصة حزب يسرائيل بيتينو المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان. فقد تعالت الأصوات المطالِبة بلجم البعد القوميّ في هُويّة الفلسطينيّين، وفرض قواعد للتصرّف السياسيّ المقبول. تلك المؤشّرات، ونتائج الانتخابات تدفع للاستخلاص بتحول عميق في تعامل دولة إسرائيل مع الأقليّة الفلسطينيّة، والانتقال من مرحلة محاولة الاحتواء 2000 - 2008،إلى مرحلة محاولة فرض الاحتواء بالقوانين 2009.

كانت مرحلة ما بعد انتفاضة الأقصى 2000 - 2008 - تميّزت، من حيث تعامل دولة إسرائيل مع الأقليّة الفلسطينيّة - بسَنّ مجموعة كبيرة من القوانين التي تمسّ بالمكانة القانونيّة والسياسيّة لهؤلاء، واستمرار سياسات الانتقاص من المواطَنة الممنوحة للفلسطينيّين في إسرائيل والمساس بمكانتهم السياسيّة والقانونيّة. وعلى ما يبدو كان واضحاً لصنّاع القرار في إسرائيل في تلك الفترة أنّهم لم ينجحوا في طمس الهُويّة الوطنيّة والانتماء الفلسطينيّ لتلك المجموعة، ولم ينجحوا في صقل وعي سياسيّ يفرض على الأقليّة أنماط تصرّف سياسيّ مقبول من المجتمع الإسرائيليّ. وهذا يعني فشل مؤسّسات الدولة وسياسات العصا والجزرة في أسرلة الفلسطينيّين في إسرائيل.

أمّا بما يتعلّق بمرحلة ما بعد الانتخابات 2009، واستناداً إلى مضامين الحملة الانتخابيّة لحزب يسرائيل بيتينو، الذي يطالب بسَنّ قانون يقرن قَسم الولاء للدولة من جهة، والمواطَنة من جهة أخرى؛ وشبه الإجماع بين الأحزاب الصهيونيّة الأساسيّة على قبول هذا الخطاب، يمكن التكهّن بأنّ الحكومة الحالية لن تكتفي باستمرار الوضع القائم والإبقاء على محاولات كبح المَطالب القوميّة والسياسيّة للأقلّـيّة الفلسطينيّة فحسب، بل ستنتقل إلى التهديد المباشر والمساومة على مواطَنتها. وسوف تطالِب الأقليّةَ الفلسطينيّةَ بحسْم موقفها على نحو نهائيّ في مسألة قبول الشروط الإسرائيليّة للإبقاء على المواطَنة. وقد تُصاغ تلك المَطالب على النحو التالي:

- القبول بمواطَنة تحت سقف الشروط الإسرائيليّة، والتخلّي عن الهُويّة القوميّة الجماعيّة ومطالب الحقوق الجماعيّة لأقلّيّة وطن أصليّة، والاكتفاء بالحقوق الفرديّة المنتقَصة.

- منح الشرعيّة لدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهوديّ.

- قبول الادّعاء الإسرائيليّ أنّ تحقيق المَطالب القوميّة للفلسطينيّين في إسرائيل سيكون بواسطة حلّ دولتين لشعبين وإقامة دولة فلسطينيّة.

- قَوْنَنة نهائيّة للمكانة الدونيّة للفرد الفلسطينيّ في إسرائيل في جميع المجالات.

- في حال عدم الرضوح للشروط الإسرائيليّة، سيأتي التهديد بحلّ تبادل الأراضي أو السكّان مع السلطة الفلسطينيّة.

نجح حزب يسرائيل بيتينو في فترة الحملة الانتخابية بتجنيد الكراهية والعنصريّة الكامنة في المجتمع الإسرائيليّ تجاه الأقليّة الفلسطينيّة وتحويلها إلى برنامج سياسيّ. وسوف يحاول ليبرمان وحزبه استخدام آليّات الديمقراطيّة الإثنيّة الإسرائيليّة لسَنّ قوانين تَفرض على الفلسطينيّين التنازلَ عن هُويّتهم مقابل البقاء على أرضهم وفي وطنهم من خلال المحافظة على الجنسيّة الإسرائيليّة.

تطوّرات الخطاب الجديد ضدّ الأقليّة الفلسطينيّة، الذي بلغ ذروته في برنامج يسرائيل بيتينو، نتاجُ تراكم ما حدث خلال العَقدين الأخيرين في تطوّر العلاقات بين الأغلبيّة والأقليّة في إسرائيل وتدهورها، ما أدى إلى تزايد القبول بطروحات أحزاب اليمين بما يتعلّق بالتعامل مع القضيّة الفلسطينيّة وطابع دولة إسرائيل.

العوامل والمتغيّرات تشير إلى أنّ تعامُل دولة إسرائيل مع الأقليّة الفلسطينيّة سوف ينتقل من مرحلة الاحتواء، عبر تقييد المكانة القانونيّة والسياسيّة للأقلّيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، إلى مرحلة التهديد المباشر وسَنّ قوانين تقرن بين المواطَنة والولاء.

إمطانس شحادة* باحث فلسطيني في مركز مدى الكرمل (المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية - حيفا)

هستيريا الطعن بمواطنية الفلسطينيين في إسرائيل
 
01-Aug-2009
 
العدد 2