العدد 2 - اقتصادي
 

في 17 آب/أغسطس 2008، أفاق سعود الزبن على رنين هاتفه ليخبره صديقه المتصل أن ما استثمره لدى شركة تتعامل بما يُدعى «البورصات العالمية» قد تلاشى، وأن الأموال العائدة لتلك الشركة، منقولة وغير منقولة، حجزت عليها نيابة أمن الدولة.

الزبن، الذي تلقى الخبر كصدمة، بحسب تعبيره، يشعر بارتياح كبير حالياً، كونه سيستعيد نصف ما استثمره آنذاك، بعد إعلان رئيس الوزراء نادر الذهبي في يوليو/تموز 2009، أنه سيتم إعادة 50 في المئة من حقوق المستثمرين في هذه الشركات.

30 ألف دينار مجموع ما وضعه الزبن لدى شركة ادّعت أنها تتعامل بالبورصات العالمية في إربد. يقول: «لا يهم ما خسرته، كوني سأسترد جزءاً من تلك الأموال، لأعيده إلى أحد الأصدقاء كنتُ اقترضته منه».

حال الزبن شبيهٌ بحال نحو 100 ألف مواطن استثمروا في تلك الشركات، وهو ما بيّنه الذهبي في إعلانه، رغم أن عدد الشكاوى التي قُدمت لنيابة أمن الدولة في هذه القضية بلغ 426 ألف شكوى. الذهبي أشار إلى أن عدد الذين تم التحقيق معهم 64 ألف شخص، وعدد الموقوفين على ذمة التحقيق 104 أشخاص، وانتهت الجهات المختصة إلى أن عدد المواطنين المتعاملين مع هذه الشركات 100 ألف مواطن فقط، كون بعض الشكاوى حقيقية، وبعضها الآخر قُدّم بالتواطؤ مع أصحاب شركات، حيث «اتفق أصحاب شركات مع مواطنين مقربين منهم لتقديم شكاوى ضد أصحاب الشركات أنفسهم، لتعود الأموال إليهم بعد أن يستردها المواطنون من الحكومة»، بحسب ما خلصت إليه نتائج التحقيق، ما أدى إلى إلغاء كثير من الشكاوى المندرجة في هذا السياق.

الزبن يستذكر أنه قبل صدور قانون البورصات في 17 آب/أغسطس 2008، بأسبوعين، امتنعت معظم الشركات عن دفع الأرباح المعتادة كل شهر للمستثمرين، بحجة أن «الأسواق العالمية تشهد تقلباً حاداً»، ما زاد من عدد المطالبين باسترداد أموالهم من تلك الشركات، لكن دون جدوى.

أحمد، الذي يقبع شقيقه في السجن حالياً على خلفية قضايا مرفوعة ضد شركة تتعامل بالبورصات كان يعمل فيها، أكد أن شقيقه تقدم بشكوى ضد أشخاص استثمروا لديه، بدعوى أنه «تعرض للإغواء والتضليل» من طرفهم، موضحاً أن شقيقه رفض أكثر من مرة قبول عروضهم في أن يستثمر أموالهم، لكنه رضخ، في النهاية، نتيجة إلحاحهم المستمر.

أحمد الذي طلب عدم نشر اسمه الثاني لحساسية موقف شقيقه، قال لـ«ے» إنه سيكون شاهداً على ما حدث مع شقيقه.

أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، يرى أن «الرغبة الملحّة في جني المال دون جهد» كان السبب الرئيسي لتدافع المواطنين على أبواب هذه الشركات.

الخزاعي في حديث مع «ے»، أشار إلى أن معظم المستثمرين في البورصة ليسوا من ميسوري الحال، وإنما هم «من الفقراء والطبقة الوسطى ممن يسعون لتحسين ظروفهم الاجتماعية».

«غياب الوعي، وعدم دراية المواطنين بطرق إدارة المال، والتزام الجهات الرسمية الصمتَ حيال ما يجري»، أسباب لا يمكن إغفالها عند تناول القضية بالتحليل، بحسب الخزاعي.

قضية الشركات المتعاملة بالبورصات العالمية، أو التي تدّعي أنها تتعامل معها، بدأت تداعياتها بالظهور في مطلع آب/أغسطس 2008، عقب صدور القانون الذي اشترط إيداع 15 مليون دينار كتأمين. حينئذ لجأت بعض الشركات إلى التصفية الاختيارية، وتسابق المودعون لاسترداد ودائعهم، ما أربك القائمين على الشركات والعاملين في مكاتبها، والمستثمرين أيضاً.

القانون الجديد كشف عن إفلاس عدد من الشركات في هذا القطاع، ما أدى إلى إغلاق مكاتبها، واعتقال أصحابها وعاملين فيها، وفرار عدد منهم، وتهجّم مواطنين عليها، ثم وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى التدخُّل لمعالجة الأزمة.

في أثناء ذلك، حاول عدد من المستثمرين سحب إيداعاتهم من هذه الشركات، نجح بعضهم في سحب قسط كبير من هذه الإيداعات، لكن هناك شركات لجأت إلى المماطلة والتسويف، ما دفع مستثمرين إلى تقديم الشيكات التي بحوزتهم إلى البنوك، ليكتشفوا أنها من دون رصيد.

بلغت قيمة الأموال التي جرى تحصيلها حتى نهاية حزيران/يونيو 2009 نحو 157 مليون دينار: 55 مليون نقداً، و100 مليون دينار قيمة عقار وفقاً لتقديرات دائرة الأراضي، و2 مليون دينار قيمة سيارات. بينما يُقدَّر حجم المشكلة الكلية والمستخلصة من الشكاوى التي تم التحقق منها فعلياً، بنحو 314 مليون دينار، وفقاً للأرقام التي قالت الحكومة إنها وردتها من محكمة أمن الدولة.

بعد تصنيف الشكاوى، تبين أن شكاوى المواطنين الذين تبلغ حقوقهم أقل من ألف دينار تمثل 27 في المئة، والذين لهم حقوق أقل من 5 آلاف دينار شكلوا 80 في المئة من عدد المشتكين، فيما كان أقل عدد من المشتكين من فئة 100 ألف دينار فما فوق، الذين شكلوا نسبة 3 في الألف من حجم الشكاوى، تمثل المبالغ التي يطالبون بها 17 في المئة من المجموع الكلي للمطالبات.

بشأن التوزيع الجغرافي للمتعاملين بالبورصات الأجنبية، كشفت الأرقام أن نسبة المتقدمين بالشكاوى من محافظة إربد بلغت 29 في المئة، ومن عمّان 19 في المئة، وجرش 19 في المئة، والزرقاء 7 في المئة، ما يعني أن نحو 74 في المئة من الشكاوى تركزت في هذه المحافظات الأربع، في حين كانت نسب الشكاوى في المناطق الأخرى منخفضة، فنسبة الشكاوى الواردة من معان مثلاً، تُراوح حول رُبع في الألف، والكرك 4 في الألف، والرمثا نصف في المئة.

محمود الرقاد، الذي باع سيارة الأجرة التي يعمل عليها لـ«الاستثمار» في تلك البورصات، يلقي باللائمة على الحكومة التي لم تراقب أداء الشركات التي وصفها بـ«الوهمية». ويقر بأنه كان يحدس بعدم وجود اتصالات مباشرة بين تلك الشركات والأسواق العالمية، وأن الأمر لم يتعدَّ توزيع عوائد مقابل أموال مودعة، وبنسبة ربح وصلت إلى 25 في المئة في بعض الأحيان.

الرقاد يقول مستهزئاً: «ستعاد الكرة مرة أخرى»، مستذكراً أنه استثمر لدى شركات في العام 2004، وفقدَ مدخراته، في ما عُرف آنذاك بـ«قضية الفوركس».

الخبير الاقتصادي محمد البشير، يوافق الرقاد في ما ذهب إليه: «هذا احتيال مقصود ارتكبته هذه الشركات، طمعاً في جمع أكبر قدر ممكن من أموال الضحايا»، ويزيد: «تلك الشركات استخدمت شاشات وبرامج كمبيوتر وهمية لإقناع زبائنها بأنها تحقق الأرباح من خلال المضاربة بالعملات والسلع الرئيسية في العالم».

يؤكد البشير أن مشكلة هذه الشركات والفوضى التي تعمل بها «قائمة منذ العام 2004».

الخزاعي يتساءل عن إمكانية تكرار هذه القضية في المستقبل القريب، بخاصة أن قضايا أخرى تكشفت قبل أعوام، حتى إن هنالك شركات مارست تلك الأعمال منذ العام 1998.

البشير يختلف مع الخزاعي بأن القانون الذي أقرته الحكومة أخيراً سيحدّ من تلك الممارسات من الناحية القانونية، حيث «لم تحصل أي شركة حتى الآن على ترخيص وفق الشروط التي وضعتها الحكومة»، لكنه لا يستبعد أن «يلجأ عدد من الأشخاص مستقبلاً إلى أشكال أخرى من الاحتيال».

تنص المادة الأولى من القانون على أن يعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقل عن 10 آلاف دينار ولا تزيد على 50 ألف دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين، كل من قام بالإعلان بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأنه يتعامل لصالح الغير في بورصة أجنبية أو يتوسط فيها دون أن يكون حاصلاً على الترخيص وفق أحكام هذا القانون.

لكن ما كان مفاجئاً أنه في آذار/مارس العام 2009، وبعد صدور القانون بنحو سبعة أشهر، بدأت دعوات من شركات تجارية «استثمارية»، لتوظيف أموال المواطنين بعائد نسبته من 5 إلى 10 في المئة شهرياً.

وذكرت شركة تتعاطى التجارة والاستثمار في إعلان نشرته صحيفة أسبوعية: إحدى غاياتنا «أن نستثمر أموالكم ونحقق طموحاتكم»، وجاء في الإعلان: «استثمر معنا.. نسبة الأرباح من 5 إلى 10 في المئة كل 30 يوماً».

تدّعي الشركة أنها تدير سوقاً استهلاكياً يُعدّ من أكبر المشروعات التجارية التي «تعود بالربح على المجموعة والمستثمرين»، بحسب الإعلان.

مراقب عام الشركات في وزارة الصناعة والتجارة صبر الرواشدة، أصدر بياناً في آذار/مارس 2009 حذّر فيه من اتّباع دعوات هذه الشركات والاستثمار فيها، كونها «غير قانونية»، وتأتي في إطار التحايل على المواطنين، وتكرار ما حدث في قضية بورصات عربية، لكن بطريقة مختلفة.

شركات تدعو المواطنين لتوظيف أموالهم فيها. «البورصات العالمية»: أساليب عدّة والتحايل واحد
 
01-Aug-2009
 
العدد 2