العدد 2 - شأن اقتصادي | ||||||||||||||
أسئلة كثيرة يثيرها التعديل المقترح المنظور أمام مجلس النواب في قانون يعدّ الأكثر أهمية من بين القوانين المطروحة، فهو يتعلق بمدخرات الأردنيين من المستويات الاجتماعية كافة، وراتب التقاعد يعني الكثير بالنسبة لمن عملوا سنوات طويلة قبل الوصول إلى السن التي يتقاعدون عندها. فهل عملَ العاملون ما يكفي من السنوات كي يستحقوا راتب التقاعد وفقاً لحسبة التقاعد المبكر وهم في منتصف الأربعينيات، وهل هناك دول أخرى تطبق حسبة كريمة إلى هذا الحد، ولماذا الاعتراض على نص من هذا النوع يرتب التزامات مالية كبيرة وليس له مبررات اقتصادية أو اجتماعية؟ فالأصل في الضمان أن يعتني بالفئة غير القادرة على العمل، أو التي لم يعد لها مكان في سوق العمل. هذه هي «فلسفة الضمان الاجتماعي»؛ تقديم الرعاية لتلك الفئة التي لا ترعاها الدولة، ومَن عملَ يستحق أن يكافئه المجتمع بقدر ما وضعَ من جهد على مدى زمني، أما أن يكون في أفضل سنوات العمر من حيث القدرة على العمل، ويخرج إلى ما يسمى «التقاعد المبكر»، فهذا يعكس خللاً، ليس فقط في حسابات الضمان، بل في مفهوم الأمن الاجتماعي وسوق العمل، وبشكل أعمق. فهل هذا ما نريد؟ وهل نستمر في تطبيق سياسة خاطئة سادت لفترة طويلة، لغياب النظرة طويلة الأمد، ولمصلحة من يتم التأخير، ومن سيتحمل التكلفة؟ هناك فئة مستفيدة من الوضع الحالي، وهناك من هم على وشك الوصول إلى سن التقاعد المبكر. هذه الفئة المهددة مصالحُها أكثر قدرة على التنظيم والعمل الاجتماعي وإيصال صوتها إلى الرأي العام، وبناء عليه فإنها تطالب بالإبقاء على القانون دون تغيير، ولا يهمّها ماذا سيحدث بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، عندما يصل الضمان إلى ما يُعرف بنقطة التعادل، التي يتساوى فيها إيراد الصندوق مع نفقاته المباشرة، وبعدها سيبدأ السجب من رصيد المحفظة الاستثمارية. معارضو تعديل القانون لا يوضّحون مَن سيتحمل تلك التكاليف، وكيف سيتدبر صندوق استثمار أموال الضمان، مع الشروط المفروضة عليه، توفيرَ ما يلزم من العوائد للوفاء بالالتزامات التي ستترتب عليه حال بقاء القانون على حاله، والدراسات الإكتوارية التي نفذها الضمان ليست وليدة مؤامرات على المتقاعدين ومدّخراتهم، بل هي حصيلة أرقام وبيانات فعلية، دقت جرس الإنذار مبكراً، واستجاب الضمان لها بتعديل القانون بشكل يتناسب مع حجم المدخرات وعدد سنوات الاشتراك. بصرف النظر عن الخلافات القائمة بين بعض النقابات، مثل نقابة المهندسين والضمان، فإن هناك عدداً من القضايا التي يجب النظر إليها وتعديلها قبل استفحال الأمر. تتعلق الأولى بالسقف الأعلى للراتب، وهذه عليها شبه إجماع بين الفرقاء كافة. وهناك حساب الراتب والقدرة على تغييره خلال السنوات الأخيرة للاشتراك، وهو الأمر الذي لا يتناسب مع طبيعة عمل الضمان، فهي حسبة يجب أن تأخذ في الحسبان معدل السنوات والحجم الكلي للمدخرات، وليس فقط السنوات المنتفخة الأخيرة. والقضية الثالة تتعلق بالتقاعد المبكر. الحل الأسهل هو الإبقاء على القانون كما هو، والتغاضي عن الخلل الموجود، وخيار عدم التغيير يجنّب الحكومة ومدير الضمان مواجهةً مع مجلس النواب والنقابات وأصحاب الحسابات الضيقة، ومَن يطالب بعدم تعديل القانون عليه التقدم ببدائل واقعية تردّ على الحسابات الإكتوارية، أما الرفض لتحقيق مكاسب شعبية وسياسية فتدحضه البيانات والأرقام، وحتى الآن لم يخرج أحد ببديل عملي، ووجود خلل وخاسرين ورابحين لا يوفر حجة مقنعة لمزيد من التأخير. هناك من سيتضرر من التعديلات المقترحة التي تأتي لعلاج خلل موجود، والتي تأخر إقرارها، لضمان استمرارية الضمان وتقديم الدور المطلوب منه مستقبلاً، ومن الخطأ توظيف التعديل لأغراض سياسية، فما هو على المحكّ يتعلق بالاستقرار المجتمعي، وتحديد سقفَين أعلى وأدنى لراتب الضمان. تغيير حسبة الراتب كي تعكس المساهمة الحقيقية، يُعَدّ مسألة بديهية تأخرنا في التعامل معها، نظراً لحسابات قصيرة الأمد، ولم يعد التأجيل مقبولاً في قضية كان لا بد من البتّ فيها منذ سنوات. |
|
|||||||||||||