العدد 2 - الملف
 

شَكَّل عقد الثمانينيات، وبخاصة النصف الثاني منه، زمناً لعودة النشاط السياسي إلى مدينة الرمثا بعد انقطاع طيلة عقد السبعينيات. في ذلك الزمن عندما كان يجري الحديث عن العمل السياسي، تنصرف الأذهان إلى المعارضة فقط، أي إلى أحزاب العمل السري، إذ لم يكن نشاط المؤيدين للحكومة يندرج ضمن مسمى العمل السياسي.

من دون سابق تخطيط، وجد الشباب الحزبيون والنشطاء السياسيون أنفسهم في غرفة طينية متوسطة المساحة يقترب عمرها الآن من المئة عام، كانت الغرفة، التي ما زالت قائمة لليوم، في ما مضى مضافة لأسرة أحدنا، يدعى فهمي الزعبي. وأصبحت تُعرف في ما بعد بـ«مضافة فهمي» عند الحزبيين وأصدقائهم، وعند خصومهم أيضاً، وبخاصة الأجهزة الأمنية.

كان الحزبيون والسياسيون في الرمثا يشكلون «مجموعة واحدة». لم يكن التفريق بحسب التنظيم ضرورياً، فالناس يسمّون كل المجموعة «حزبيين» على العموم، وأحياناً يسمّونهم شيوعيين أو بعثيين، لكون هذين الحزبين الأشهر في ذلك الزمن، ولم يكن الإسلاميون آنذاك جزءاً من «الحزبيين» بحسب المعنى الرمثاوي للكلمة، وما زال الناس هناك يسمّونهم «الشيوخ»، ويندر أن يقال إنهم حزبيون.

لم يكن بمقدور أعضاء تنظيم معين الانفصال عن الآخرين. يذكر كاتب هذه السطور أنه عندما اعتقل فريد الذيابات، وكان ينتمي للجبهة الشعبية، قلنا لجماعتنا في الحزب الشيوعي إن الناس في الرمثا يعتبرون الجميع شيوعيين، ولن يكون مقبولاً التقصير بحقه أو القول إنه «ليس منّا»، ولم يكن الذيابات يجد الكثير من الحرج التنظيمي عندما يوصف بأنه شيوعي، ذلك أن الحاجة إلى الإفصاح عن التنظيم لم تكن ملحّة.

تتحول مضافة فهمي، مساء كل خميس وحتى الساعات الأولى من صباح الجمعة، إلى مكان عام للسياسيين، فالدخول إليها والخروج منها مفتوحان، ولا يحتاج الداخل والخارج إلى استئذان.

عضوية المضافة في أماسي الخميس تقتصر على الحزبيين وأصدقائهم من النشطاء السياسيين، وفي بقية الأيام، تعود إلى وضعها الطبيعي مضافة للأسرة.

الغريب أن بعض التحقيقات الأمنية تعاملت مع المضافة بوصفها مؤسسة، فكان مَن يستدعى إلى الأجهزة يُسأل عن سبب ذهابه، كما يُسأل عن سبب تغيبه أو مقاطعته للمضافة. وكانت المضافة أحياناً ميداناً لتحدي أجهزة الأمن، وقد طُلب من فهمي إغلاقها، غير أنه كان يرفض لكونها جزءاً من بيته، وفي كثير من الأحيان كانت سيارات الأمن ترابط أمام البيت بصورة علنية بهدف إخافة الحضور. وعندما تتأزم الأمور كنا نبحث عن مقر أكثر سرية، فنختار بيتاً آخر، لأن المضافة أصبحت مكشوفة.

جلسة المضافة تتناول كل القضايا، وكما هي العادة في النقاشات في الرمثا، فإن قمة الجد والنقاش الصارم تلتقي مع قمة الهزل والتهكم، ففي هذه المضافة تم الإعداد لكثير من نشاطات عُدّت آنذاك ممنوعة قانونياً، وفيها أيضاً رُويت أكثر الحكايات إضحاكاً وعلت الضحكات كما لم يحدث في مواقع أخرى.

أسرة فهمي ترحب بالوافدين إلى المضافة رغم تحملها كثيراً من العناء بسبب ذلك. واليوم ما زالت المضافة مفتوحة، غير أنها لم تعد تقوم بدورها السابق، وعندما نلتقي نتحسر: «سقا الله أيام المضافة».

«مضافة فهمي»: مقر حزبي علني في زمن العمل السري
 
01-Aug-2009
 
العدد 2