العدد 2 - الملف
 

تبقى «رم» بالنسبة للناصر تجربة مختلفة ومساحة موسيقية حقيقية خاصة به، يتعامل معها دون محددات العمل التقليدية عند تأليف الموسيقى التصويرية وتوزيعها، يتجلى ذلك في العروض الحية للمجموعة بقيادة الناصر، إذ يصبح للموسيقى حضور آخر مختلف عن أي تسجيل.

ضمت «رم» خلال تجربتها حتى الآن 72 موسيقياً أردنياً امتزجوا بها وواكبوا تطورها، وغادرها بعضهم واستمر بعضهم الآخر معها إلى اليوم.

أما الفنان والمؤلف الموسيقي طلال أبو الراغب، فلم يحقق فضاءه الخاص إلا بعد سنوات من العمل المضني والمكابدة، وآلاف ساعات العزف والاستماع، ومئات الأعمال، وعظيم الصبر والجَلَد.

أبو الراغب يؤكد ذلك، ويرى أن البناء الذاتي المنهجي الطويل شرط أساسي لتحقيق مغايرة، وفرض هوية إبداعية مستقلة ومختلفة، وذات سمات خاصة بها.

وهو ما يفعله المبدعون والمتميزون في أي حقل. والمسألة بالنسبة له ليست مصادفة، وهي تتطلّب، إضافة للمهارة والموهبة، حصيلة معرفية غير قليلة، ورغبةً حقيقيةً بالتطور ورسم ملامح غير متكررة من الحضور والنبوغ.

ورغم ثقته بأداة قياس داخل أعماق المبدع، فإن أبو الراغب صاحب التجربة الغنية، تأليفاً وتوزيعاً وتلحيناً، يفضّل الأخذ بأكثر من رأي في سياق الحكم على عمل ما من أعماله.

وهو يرى أن الفضاء الخاص يستحق كل هذا العَنَت، ويذهب إلى تحقيقه بحد ذاته، بعيداً عن توابعه من شهرة أو مال أو غير ذلك، وهذا كفيل بتحقيق سعادة داخلية عميقة لمن سعى إليه. وعن نفسه يقول: «أجد متعة في التحدي وفي التميز».

حقق أبو الراغب لنفسه مكانة، قد لا يكون أحد تعبيراتها سعة الانتشار والشهرة، لكن أبرز أركانها، إقرار أصحاب الاختصاص بتفوقه في ما أراد أن يتفوق فيه.

وكي يتحقق الفضاء على أحسن وجه، فلا بد من توافر شروط، غير تلك المتعلقة بالمبدع وحسن أدائه، كما يرى أبو الراغب؛ منها حسن التسويق، ووجود خطة إعلامية إعلانية شاملة ومدروسة، وتوافر ظروف ومناخات محيطة ملائمة.

معاينة آفاق فضاء خاص لا تقتصر على حقل الموسيقى، وقد تشكّل إدارةُ منبر خاص بالفنون على اختلاف أنواعها، إذا تميزت بالتجديد، وفي تحديدها طبيعة الجمهور الذي تستهدفه، نوعاً من أنواع البحث عن مغايرة، وعن فضاء خاص في إطار الفضاء العام.

وليست تجربة مسرح البلد، بإدارة رائد عصفور وسيرين حليلة، ولا تجربة غاليري «مكان» بإدارة علا الخالدي، ببعيدتين عن هذا السياق.

بعد سنوات من العمل في الثقافة والفنون في بيروت وعمّان، وأحاديث طويلة مع فنانين ممارسين، ورغبة في الانغماس بالموسيقى والعروض الأدائيّة، أسست علا الخالدي «مكان» في جبل اللويبدة، ليكون مساحة مفتوحة للفنون؛ مساحة مختلفة وبديلة عن الرسمي والتجاري والمؤسسي، وتتميّز بالبساطة والتنوّع. افتتحت أبوابه في نيسان/إبريل 2003 بفريقِ عَمَلٍ يتكوّن من فرد واحد. انطلقت نشاطاته بأمسيّة استضافت الموسيقيّة مكادي النحّاس وجمهور من 40 شخصاً.

وعلى هضبة تطل على الوسط التجاري لمدينة عمّان، بمحاذاة درج قديم يصل ما بين جبل عمان/ الدوار الأول ووسط البلد، تقوم دار سينما فرساي، إحدى الشواهد الثقافية على تاريخ مدينة عمان، وهي ما زالت تعمل بآلات عرضها القديمة لغاية الآن. في العام 2004 أعيدت تهيئتها لتصبح مساحة فنية متعددة الاستعمالات، لكي تساهم في إعادة تشكيل النسيج الثقافي ولإنتاج الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة.

مساحة صغيرة يشغلها مسرح البلد، ويسعى لأن تكون متاحة للفنانين كافة؛ بخاصة الشبّان، كي يتمكنوا من تقديم فنهم والرؤى الجديدة التي يحملونها، بما يشكل خطّاً جديداً أو بديلاً في الفن المعاصر.

منذ تأسيسها قبل أكثر من ربع قرن، سعت فرقة الفوانيس المسرحية إلى تحقيق مغايرة على صعيد الفن المسرحي: شكلاً ومضموناً. وتحركت في فضائها الخاص مقدمة في سياق ذلك أعمالاً مسرحية عديدة، اعتمد بعضُها التجريبَ منهجاً جمالياً، واستفاد من الموروث الإنساني في حقل أبي الفنون، وبنى عليه وفق رؤى إخراجية لم تستكن للعادي، ورفضت المكرّس.

بحسب رئيس الفرقة ومدير مهرجانها السنوي (أيام عمان المسرحية) المخرج نادر عمران، فإن ارتياد فضاء له خصوصيته ويؤسس لاستقلاليته، لا يعني اجتراح قطيعة نهائية مع التراكم الإنساني الممتد على مدى عشرات القرون من المسرح، لأن الفنون، كما يرى عمران، تختلف عن المنظومات الفكرية العقائدية، التي لا يستقيم وجود بعضها إلا بقطيعة جذرية مع سابقاتها.

والفن المسرحي يستند بالضرورة إلى جذور، كما يؤكد عمران، والمغايرة ينبغي أن تتم من داخل المعايير العامة، وأن تتحصّن بهدف جمالي أخلاقي أو فكري ما، ومن المفترض أن تراعي مساعي الاختلاف، في التجربة الإنسانية بعمومها، وأن لا تُبنى على فراغ.

الإدارة غير التقليدية، بحسب عمران، تحرص على إشاعة أجواء دافئة بين ضيوف المهرجان، عبر إقامة الملتقيات وحفلات التعارف والتبادل الفني والسهرات المتكررة طيلة أيام المهرجان، وعبر تنظيم جولات سياحية وترويحية داخل عمّان وخارجها، كجزء من تعريف الضيف بالبلد الذي جاء يقدم فيه عرضاً مسرحياً، كما تعمل الإدارة غير التقليدية على تثبيت أبجديات احترام العروض الفنية، مثل منع دخول الجمهور إلى أماكن العروض بعد بداية العرض، منعاً للتشويش على فريق العرض بفتح الأبواب وإغلاقها.

بقعة ضوء على الفضاء الثقافي الخاص مواهب تألقت ومَرافق باتت نقاط إشعاع
 
01-Aug-2009
 
العدد 2