العدد 2 - الملف
 

الرقم الذي تضاعف أكثر من سبع مرات خلال ثماني سنوات، مرشح للوصول إلى 50 في المئة العام 2011، وفق خطة استراتيجية وضعتها هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.

أرقام كهذه تعني أن قسماً مهماً من الأردنيين، قد زحف باتجاه هذا الفضاء الجديد نسبياً، والسؤال المطروح: كيف يتعاطى هؤلاء مع فضائهم الجديد هذا؟

أحداث عدّة أثارت التفاعل الإلكتروني بين الأردنيين بقوة هذا العام، يمكن عدّها مؤشراً يجيب عن السؤال.

أول هذه الأحداث هو العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد شهدت ساحات الفضاء الإلكتروني حراكاً كبيراً، لم يقتصر على قيام الآلاف بالتعبير عن مشاعرهم تجاه العدوان، بل تعدى ذلك إلى استثمار إيجابي للإنترنت.

فقد قامت مجموعة من الشبّان والفتيات، باستغلال اليوتيوب، عندما قاموا بإنتاج وبثّ مجموعة من الأفلام القصيرة، وجّه فيها أردنيون من أعمار وشرائح مختلفة رسائل إلى الرئيس الأميركي أوباما، دعوه فيها إلى مساندة غزة.

في السياق نفسه، قامت محامية أردنية، هي ماري نزال، باستغلال فيسبوك لحشد ألف شخص في اعتصام جماهيري في شارع الثقافة.

في حين قامت أصحاب مدونة حبر، باستخدام مدونتهم للإعلان عن حملة لجمع تبرعات من أجل غزة، والترويج لها، واستطاعوا حشد 200 شاب وفتاة تقريباً، جمعوا خلال شهر واحد 6 آلاف دينار، وأكثر من 60 طناً من التبرعات العينية. في هذه الحملة، تعدّى الاستثمارُ الإيجابي للإنترنت حشدَ الناس لقضية غزة، إلى «التقريب بين المتباعدين»، كما تقول مريم أبو عدس، واحدة من مؤسسي المدونة.

أبو عدس التي تعمل في «تطور»، مؤسسة مجتمع مدني، تقول إن الحملة كانت مثالاً على ما يمكن أن يقدمه الإنترنت، فمن خلاله تمّ جمع عدد كبير من الشبان القادمين من خلفيات اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، في مكان واحد، ليعملوا جنباً إلى جنب، الأمر الذي تحتاجه البلاد، حيث «يعيش الناس في ما يشبه الفقاعات، فالرجال منفصلون عن النساء، وعمّان الغربية منفصلة عن عمّان الشرقية، والإسلامي منفصل عن اليساري، وكل واحد من هؤلاء يلتقي، في الغالب، بالذين يشبهونه فقط، لهذا يحتفظ كلٌّ منهم بأفكاره كما هي». لكن عبر الإنترنت «بكبسة زر يمكنك التفاعل مع أشخاص مختلفين لم تكن لتلتقي بهم في حياتك العادية، تسمع منهم وتتقبلهم كما هم».

«عجز المجتمع عن تقبل الرأي الآخر» هو ما يدفع هملر تايه، 22 عاماً، الذي يرتاد المنتديات الاجتماعية بشكل يومي، إلى أن يفعل ذلك باسم مستعار، فالإنترنت في رأيه لا يوفر لمرتاديه فقط سقف حرية أعلى بكثير من فضاءات التعبير التقليدية، لكنه يوفر أيضاً الحماية، بفضل إمكانية إخفاء الهوية. وهو أمر يؤكد عليه لؤي الجيوسي، 23 عاماً، الذي يقول إن الاتصال الإلكتروني أكثر تحريراً للمستخدم من أشكال التواصل التقليدية، مثل المقابلة الوجاهية والاتصال الهاتفي.

الحرية التي يوفرها حجب الهوية أسهم في نشوء مدونات اختفى أصحابها وراء أسماء مستعارة ليعبّروا عن أنفسهم بحرية. I am freedom، فتاة أردنية من إربد، 24 عاماً، تكتب عن كراهيتها لجوّ الإحباط والقمع الذي تعيشه في عائلتها: «كل يوم أفكر بالهرب أو الانتحار، وترْك هذه العائلة الفاشلة، والرافضة للتغيير في أي اتجاه إيجابي، وكل يوم يتضاءل تعلُّقي بهم، حتى بأمي.. كل يوم أكون أقل عاطفة تجاهها وأقل شفقة على حالها».

في حين ينتقد شاب من عمّان في مدونته رقصة الموت، الانقيادَ وراء فتاوى الشيوخ: «أليس من الأفضل أن تؤدي عباداتك، وتكون علاقتك بربك نابعة من وازع داخلي من نفسك، من أن تنتظر قطيعاً لا يستأسد إلا على أفراده، ويحتاج دائماً لمن يقوده ويحركه؟».

أما قصص من حياتي الخفية فهي مدونة لأردني مثْلي، كتبَ في تعريف مدونته: «تحاول أن تشرح ما خشيتُ قوله طيلة سنوات مضت عن حياتي المثْلية، فهل تساعدني أصابعي؟».

هذا ما أتاح للكثيرين، بحسب رئيس تحرير موقع البوابة الإلكتروني محمد عمر، «فرصة للتعبير دون محاسبة أو خوف»، الأمر الذي جعل المدونات «ساحة لتحفيز النقاش حول الكثير من القضايا الحساسة، ومتنفساً لجماعات صغرى تطالب بحقوقها مثل مثليّي الأردن، الذين تجرأوا على التقدم بطلب تأسيس جمعية لهم».

لكن حرية التعبير المترافقة مع الحماية التي توفرها إمكانية إخفاء الهوية، التي سمحت بطرح قضايا حساسة، ومنحت كثيرين الجرأة للتعبير عن معتقداتهم، هي نفسها السبب في تحول الإنترنت، في أحيان كثيرة، إلى ساحة لممارسة «حرية غير مسؤولة»، كما يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية سري ناصر، بحيث أصبح الإنترنت «أداة تحطيم لا بناء».

يتضح ذلك من السِّجال الذي دار حول قضية سحب الجنسية التي أثيرت خلال الفترة الأخيرة، فالتعليقات التي حفلت بها المواقع الإخبارية الإلكترونية، رأى كثيرون أنها كرّست الجهوية، وحوّلت هذه المواقع إلى ساحة حرب أهلية إلكترونية. هناك مثلاً أردني من شرق النهر يقول: «الأردن للأردنيين وبس. يا ريت يتم سحب الجنسيات من كل البلاجكة، يا ريت يسحبوها من تحت شواربهم»، فيرد عليه أردني من أصل فلسطيني: «بس رَبّي إنت شواربك يا عديم، إذا طلعنا بنخلّيلك العراقيين حبايبكم، وبتصيروا تلطموا زيهم».

في السياق نفسه، أثار خبر إغلاق مزارع للخنازير في البلاد بوفه إجراءً احترازياً ضد أنفلونزا الخنازير، تعليقات طائفية، مثل: «ما بربّي الخنازير إلا الخنازير»، أو «أقسم بالله بننسى العالم وبنشتغل فيكو، إحنا في دولة إسلامية وبتربوا عنّا خنازير»، و«يجب على أهل الذمة احترام قوانين البلد الذي يعيشون فيه».

أما أخبار مقتل الفتيات في جرائم الشرف، فأثارت تعليقات من مثل: «تسلم إيد النشمي»، و«الله لا يردها، بتستاهل»، و«الحمد لله على كل حال، لسّاته في نخوة وشهامة».

رغم أن هذه التعليقات تجد، في الغالب، من يردّ عليها، إلاّ أن رئيس تحرير الغد موسى برهومة، يشير إلى أن ثمة «ميثاقَ شرف» يمنع المواقع الإلكترونية التابعة للصحف اليومية، من نشر التعليقات المشابهة، ويرى أن إفساح المجال لمن وصفهم بـ«الرعاع»، كي يقوموا بـ«تفريغ احتقاناتهم»، لا يدخل في باب حرية التعبير، «لأن التحريض على القتل، وإثارة النعرات الإقليمية والطائفية لا تقع تحت هذا البند».

الأردنيون في تفاعلهم داخل فضائهم الإلكتروني: إبداع ومبادرات وكسر للحواجز من جهة، وتكريس للجهوية والطائفية والعنف من جهة أخرى.

ناصر يرى أن الأمر ليس فيه تناقض، فالتكنولوجيا «ليست في حدّ ذاتها أداة للتقدم، والأمر يتبع الطريقة التي تُستخدم بها، ومثلما أن بإمكانها أن تقود إلى الأمام، بإمكانها أن تقود إلى الخلف أيضاً».

فضاء الأردنيين الإلكتروني التكنولوجيا: أداة تقدُّم، وتخلُّف أيضاً
 
01-Aug-2009
 
العدد 2