العدد 2 - الملف
 

تسهم قوانين تنظم الحياة العامة في البلاد، في تقييد الحريات وتضييق المجال على العمل العام من خلال التشريع، حيث تخلفت بعض القوانين عن نظيراتها التي كانت تطبَّق في الأردن قبل أكثر من خمسين سنة.

انطلاقاً من هبّة نيسان 1989 وحتى إقرار قانون الصوت الواحد 1993 بعد مصالحة وطنية بين الحكومة وممثلي قوى المعارضة وفعاليات المجتمع الأخرى، جاءت في إطار الميثاق الوطني، وإلغاء الأحكام العرفية، وعودة الحياة النيابية بعد تعطيلها أكثر من عشرين عاماً، جاء قانون الصوت الواحد ليكون باكورة التراجع عن الانفتاح الذي لم يطل عمره.

وقد تمكنت أحزاب كانت تسعى إلى إسقاط النظام في تلك الفترة القصيرة، وبخاصة الحزب الشيوعي الأردني، وحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، من إيصال أعضاء فيهما إلى مجلس النواب، وبالتعاون مع نواب آخرين، تم تفعيل قانون محاكمة الوزراء، وتمت محاسبة وزراء ورئيس وزراء في تسع قضايا فساد في ذلك البرلمان.

في خضم ذلك التحول، تم اجتراح نهج رسمي يستند إلى تعديل دستوري أُقر العام 1984 مكّن الملك من حل البرلمان، ما أتاح المجال أمام الحكومات إلى مراكمة قوانين مؤقتة لم تعمل البرلمانات المتعاقبة على مناقشتها.

ورغم أن تعديلات أُدخلت على القانون أُقرت العام 2001، ومنها خفض سن الانتخاب من 19 إلى 18 عاماً، وإشراك القضاء في مراقبة الانتخابات، إلاّ أن تلك كانت تعديلات طفيفة لم تغير في العيب الأساسي الذي يشكل صلب القانون الحالي، وهو مبدأ الصوت الواحد.

يشكل قانون الاجتماعات العامة أحد أبرز أشكال التقييد، على الإطلاق، للمجال العام، حيث تبدي وزارة الداخلية، بعد الاستشارة الأمنية، موافقتها أو عدم موافقتها على أي نشاط.

هذا القانون غذّى تصوراً لدى العديد من المعنيين بالشأن العام في البلاد بأنه عامل أساس في المشاركة أو الإحجام، وبخاصة بما يتعلق بالنشاطات التي لا تحظى في الغالب بمباركة «الداخلية».

قانون الاجتماعات العامة سجّل تراجعاً كبيراً عن قانون العام 1953 الذي كفل حق الاجتماع للأفراد، وحصر الأمر في مجرد إشعار الجهات المختصة بذلك مسبقاً.

القانون ساري المفعول، الذي صدر مؤقتاً ضمن حزمة قوانين أصدرتها حكومة علي أبو الراغب في أثناء حل البرلمان العام 2001، وصادق عليه البرلمان العام 2004، اشترط الموافقة الخطية المسبقة من الحاكم الإداري.

القانون صدر بعد أسبوع فقط من حكم أصدرته محكمة العدل العليا أقرّت فيه بعدم دستورية ما قام به محافظ العاصمة، عندما منع حزب جبهة العمل الإسلامي من إقامة اعتصام جماهيري بمناسبة ذكرى إحراق المسجد الأقصى العام 2001، إذ قالت المحكمة في قرارها إنه «لا يوجد في قانون الاجتماعات العامة رقم 60/53، وكذلك في قانون الأحزاب السياسية رقم 32/92، ما يخول محافظ العاصمة إصدار أي قرار بالموافقة أو الرفض».

قانون الأحزاب الذي صدر العام 1992 يحمل هو الآخر سمة التراجع، القانون الأول صدر العام 1955، لكنه جُمّد في عهد حكومة إبراهيم هاشم بعد سنتين من صدوره، وهو تجميد استمر إلى العام 1992، حين أُقر قانون الجديد في إطار التحول الديمقراطي، في عهد حكومة زيد بن شاكر، ولم يختلف في مواده عن قانون العام 1955 من حيث اشتراط عدم التمويل من جهات أجنبية وعدم مخالفة الدستور، لكنه رفع عدد المؤسسين من عشرة في القانون القديم إلى خمسين شخصاً.

الردّة الأكبر شهدها قانون العام 2007، الذي رفع عدد المؤسسين إلى 500، واشترط إقامتهم الدائمة في خمس محافظات، على الأقل، بأعداد يحددها القانون.

ورغم أن قانون العام 2007، رصد دعماً مقداره 50 ألف دينار لكل حزب، إلا أن بنود الإنفاق لم تشمل تغطية الحملات الانتخابية، كما أنها ساوت بين الأحزاب في تلقي الدعم المالي بصرف النظر عن حجم الحزب وفعاليته على الساحة أو تركيبة أعضائه ونشاطاته.

من القوانين الأخرى التي شكلت ما يمكن عدّهُ ردة، قانون المطبوعات والنشر. القانون المعمول به حالياً أحد سبعة قوانين صدرت ما بين العامين 1953 و2007، ويمكن عدّ القانون الأكثر ليبرالية من بينها هو قانون العام 1953 وقانون 1993؛ الأول صدر بعد سنتين من صدور الدستور الأردني، والثاني في إطار التحول الديمقراطي الذي شهده الأردن بعد العام 1989، وهو قانون ساهم، بشكل كبير، في ازدهار الصحافة ونشوء العديد من الصحف اليومية والأسبوعية، كما أنه استجاب جزئياً للمطالب التي برزت آنذاك بتقليص نفوذ الحكومة في الصحف، وذلك عندما قرر أنه لا يجوز أن تزيد مساهمة الحكومة على 30 في المئة في أي صحيفة، ولكن البند لم ينفَّذ، وجاء قانون العام 1997 ليلغيه.

الانتقادات الواسعة لقانون 1997 قادت إلى تعديلات أُدخلت على قانون العام 1999، إذ تم تخفيض رأس المال للصحف غير اليومية من 100 ألف دينار إلى 50 ألف دينار. وكفل حق المطبوعة في إبقاء مصدر الخبر سرياً، في حين كان يمكن إجبار المطبوعة على غير ذلك بأمر من المحكمة.

قانون الجمعيات الذي أُقر العام 1966، لم يكن مثالياً، فالجمعيات غير المرخصة تعرّض أعضاءها للملاحقة الجنائية والحبس لمدة عامين، كما أن للوزير حق رفض طلب التسجيل «وفقاً لما يراه مناسباً» دون إبداء الأسباب، وله حل الجمعية إن رفضت السماح لممثلي الوزارة حضور اجتماعاتها، أو الدخول للتفتيش في أي وقت.

الناشط الحزبي فاخر دعاس، يرى أن «القوانين الناظمة للعمل العام شكلّ من أشكال الأحكام العرفية»، فهي تعطي الحاكم الإداري السلطة المطلقة في الموافقة على عقد أي نشاط أو الرفض دون إبداء الأسباب، «فيما الأصل أن يكون دور الحاكم الإداري توفير الأمن لتلك النشاطات» كما يقول.

دعاس يرى أن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية «وادي عربة»، هي السبب وراء تقييد الفضاء العام، كون تلك الاتفاقية لا تحظى برضا شعبي.

الناطق الرسمي باسم حزب جبهة العمل الإسلامي جميل أبو بكر، قال لـ«ے»: إن القوانين الناظمة للعمل العام في البلاد هي «قوانين منع» وليست «قوانين تنظيم» وهي حسب تعبيره «سيف مُسلط على القوى الاجتماعية».

يستذكر أبو بكر أكثر من عشر فعاليات للحزب تم منعها بقرار من الحاكم الإداري في أكثر من موقع، ويرى أن «قانون الانتخابات وقانون الوعظ الإرشاد وغيرهما من القوانين تعمل على تضييق المشاركة في العمل العام». ويؤكد أن «هذه القوانين مكّنت النظام السياسي من إصدار القرارات دون مشاركة الناس». أبو بكر يرفض مقولة إن «حزب جبهة العمل الإسلامي أخذ الأرض»، بعد الانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة، ويؤكد: «عقدنا العديد من الفعاليات، وأعلنّا رفضنا لنتائج تلك الانتخابات، بالانسحاب من انتخابات البلدية وإعلان موقفنا من الانتخابات النيابية».

منظمة هيومن رايتس ووتش أشارت في تقرير لها صدر العام 2007 إلى دراسة كان الباحث كريم البيار أجراها العام 2005 شملت قوانين منظمات المجتمع المدني في عشر دول عربية، وصف فيها القانون بأنه واحد من «أقدم القوانين العربية وأكثرها تعسفاً».

بدلاً من أن يأتي مشروع القانون الجديد خطوة إلى الأمام، فإنه تمادى في التقييد عندما منع الجمعيات من الانخراط في أنشطة «سياسية أو طائفية أو دينية»، ومنعها من إنشاء فروع لها، كما أنه أعطى الوزارة الحق في أن «تنتدب أياً من موظفي الوزارة للإشراف بشكل دائم على أنشطة أي جمعية أو اتحاد في المجالات الإدارية والمالية، وذلك بوصفه مشرفاً أو مديراً».

القانون الذي أثار جدلاً كبيراً شاركت فيه منظمات محلية ودولية، واستدعى انتقادات دولية، جعل منظمة هيومن رايتس ووتش تطالب بربط المنح والقروض المقدمة للأردن بمدى التقدم في احترام حقوق الإنسان. وسيُعرض القانون قريباً على مجلس النواب. ناشطون يقولون إنه ليس مُرْضياً، وإنهم بصدد حشد جهودهم لإعاقته.

يتساءل الكاتب جو ستورك عما إذا كان العديد من منظمات المجتمع المدني في الأردن التي تزعم أنها تقوم بحماية حقوق الإنسان وتروجها، قد أضاعت الفرصة للدعوة إلى مزيد من الحماية لأنها لا تعرف، أو أنها لا تولي المشاركة في صوغ سياسات حقوق الإنسان في البلاد، أيَّ اهتمام.

تشريعات للتقييد لا للتنظيم
 
01-Aug-2009
 
العدد 2