العدد 2 - محلي
 

الرزاز، تفاجأ بأن الاتجاه نحو إصلاح ما يصفه بـ«الاختلالات الخطيرة»، قُوبل بمعارضة شديدة، وبتأييد أقل لمشروع قانون جديد ينظر به مجلس النواب حالياً، ويمكن أن تكون الموافقة عليه، بحسب الرزاز، خطوة أساسية لـ«وقف نضوب أموال صندوق المؤسسة».

الخلافات التي برزت على السطح، تتصل بسن التقاعد المبكر، إذ ما إن تم الحديث عن رفع سن التقاعد في مشروع قانون جديد من خلال زيادة تلك السن من 45 سنة إلى 50 سنة، حتى هرول مشتركون كُثُر في «الضمان» لطلب التقاعد قبل أن ينطبق عليهم القانون الجديد. هنالك أيضاً قضيتا التمثيل في مجلس إدارة الوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي، واستقلالية قرار المؤسسة عن الحكومة.

الأمر الآخر الذي يراه الرزاز «خطيراً»، هو السقف المفتوح لراتب التقاعد، وتجاوُز راتب التقاعد، في بعض الأحيان، سقف 13 ألف دينار شهرياً، إذ يتقاضى نحو 100 شخص أكثر من 5 آلاف دينار راتبَ تقاعدٍ شهرياً، في الوقت الذي تصل فيه نسبة الذين يتقاضون راتباً تقاعدياً أقل من 300 دينار، إلى نحو 95 في المئة.

الرزاز، وفي سلوك غير مسبوق لمسؤول في البيروقراطية الأردنية، عقدَ أكثر من 150 لقاء مع فاعليات سياسية واجتماعية واقتصادية على مدار عامين، للاستماع إلى ملاحظاتها حول مشروع قانون الضمان الاجتماعي، وجال في المحافظات ليوضح «تلك الخطورة التي ينطوي عليها قانون الضمان المعمول به حالياً».

من النقاط التي أثارت جدلاً في مشروع القانون الجديد: تطبيق تأمينات جديدة، مثل: تأمين الأمومة، وتأمين التعطل عن العمل، والتأمين الصحي؛ تعزيز تدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة للضمان؛ توسيع مجالات الجمع بين الحصص المستحقة للورثة.

هذه البنود يتحمل تكلفتها أصحاب العمل من جهة، والمشتركون من جهة أخرى، لكنها تضمن التوازن الاجتماعي والعدالة، كما يرى الرزاز الذي يحذّر في تصريح لـ«ے»، من أن «رفض المشروع وعدم إقراره، سيكون بداية لنفاد مدخرات الأردنيين». ويضيف: «نقطة التعادل بين الإيرادات والنفقات التأمينية والإدارية ستكون في العام 2016، بينما ستتساوى الإيرادات التأمينية وعوائد الاستثمار مع النفقات الكلية للمؤسسة في العام 2026».

التقاعد المبكر، كما يؤكد الرزاز، «سيقلص من قوة العمل التي هي بالأصل من أدنى النسب في العالم». ويوضح: «الاعتماد على الآخرين في توفير متطلبات المعيشة أصبح أمراً لافتاً في البلاد، في ظل حقيقة أن مليون شخص فقط يعملون، من أصل 3 ملايين يشكّلون القوى العاملة».

هذا معناه أن نسبة العاملين من إجمالي قوة العمل، تبلغ نحو 33 في المئة، وهي «تعدّ الأقل في العالم مع استثناء دول الخليج»، وفقاً للرزاز. «في مصر تصل هذه النسبة إلى 55 في المئة، وتتجاوز في سورية 65 في المئة، وتبلغ في دول شرق آسيا 84 في المئة».

المعارضة التي واجهت مشروع القانون تبنّتها فئتان. الأولى وافقت مبدئياً على المشروع مع إجراء بعض التعديلات، وهي تضم شريحة واسعة تمثل مجالس النقباء والعمال، وأكثر من 50 منظمة وجمعية ومؤسسات مجتمع مدني، تقدمت بملاحظاتها على المشروع، وبالفعل جرى تصويب عدد كبير من مواد المشروع، بحسب الرزاز. أما الفئة الأخرى، فتنحصر في نقابة المهندسين، التي عارضت المشروع بالمطلق وطالبت برده.

الحكومة تعاملت بـ«خجل» تجاه شرح فوائد مشروع الضمان وإيجابياته. بل إن مساهمتها في الدفاع عن المشروع لم تتعدّ ذكرَه في سياق حديث عن مشاريع قوانين أخرى تقدمت بها الحكومة، وذلك خلال لقاء رئيس الوزراء نادر الذهبي برؤساء تحرير صحف يومية في حزيران/يونيو الفائت، عندما قال: «الحكومة فرغت من إعداد التشريعات التي سيتم عرضها على الدورة الاستثنائية المقبلة، ومنها مشروع قانون الضمان».

وزير العمل غازي شبيكات، الذي يرأس مجلس إدارة الضمان، دافع عن المشروع في لقاءين متأخرين؛ الأول عندما التقى اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، والثاني عبر ما نشرته صحيفة «الرأي» على لسانه، في 18 تموز/يوليو 2009.

أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الفتاح الكيلاني، يرى أن كثيراً من مواد القانون «إيجابية»، بخاصة بما يتعلق بزيادة سن التقاعد المبكر من 45 إلى 50 سنة. وهو ما يدافع عنه الرزاز بشدة، في ظل الزيادة المطردة في أعداد طالبي التقاعد المبكر. يقول: «بلغت نسبة المتقاعدين مبكراً إلى إجمالي المتقاعدين خلال العام 2008 نحو 78 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً، تثقل كاهل الضمان بنفقات تأمينية عالية ولفترات طويلة، وتؤدي إلى خلل في ميزان العدالة والتكافل الاجتماعي بين المشتركين:.

نقيب المهندسين عبد الله عبيدات، الذي يتزعم المعارضة للمشروع الجديد، دعا من جهته، الحكومةَ ومجلس الأمة، إلى رد مشروع القانون لـ«تضمنه موادَّ تؤثر سلباً في الحقوق المكتسبة للمنتسبين للضمان».

قانون النقابات المعمول به، يحدد سن التقاعد للمنتسبين للنقابات بـ60 عاماً، بينما يكتفي مشروع قانون الضمان بـ50 عاماً.

عبيدات، الذي يعارض المشروع برمّته، بخاصة البند الذي يرفع سن التقاعد، يدافع عن سن التقاعد المعمول به حالياً في النقابات بقوله: «المقارنة هنا غير صحيحة وغير عادلة، وفيها تضليل للرأي العام، إذ إن المهندس حال انتسابه للنقابة يعرف شروط الانتساب والسن التي يمكنه التقاعد بموجبها»، في إشارة منه إلى أن هنالك شفافية لدى النقابات قبل انتساب الأعضاء إليها، وأن الذين يرغبون بالاشتراك في أحد صناديقها يعلمون أن سن التقاعد 60 سنة. يضيف عبيدات: «المشكلة في مشروع قانون الضمان، أنه سيتم رفع سن التقاعد لمشتركين سابقين كانوا انضموا للضمان على أساس سن تقاعد عند 45 سنة. وفي هذا ظلم لهم».

في 22 تموز/ يوليو، طالبت نقابة المهندسين إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي بنشر الدراسة الإكتوارية السادسة التي تتعلق بالمركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي، «حتى يتسنى للمشتركين والمتقاعدين والمهتمين بهذا الشأن الاطلاع على تفاصيلها، بخاصة وأنهم أصحاب المال».

الدراسة صادرة عن الخبيرَين الإكتواريين ريوجون وأندرو، العاملين في منظمة العمل الدولية.

في رسالة إلى مدير عام الضمان، مرفقة بدراسة أجرتها النقابة للأرقام والمعلومات التي وردت في ملخص الدراسة الذي نشرته المؤسسة عبر وسائل الإعلام، قال عبيدات إن ملخص الدراسة الإكتوارية لا يقدم تصوراً كاملاً عن المركز المالي للضمان الاجتماعي، ما يستدعي نشر الدراسة كاملة على الملأ، ليكون بإمكان الجميع، وبخاصة النواب الذين يناقشون مشروع قانون الضمان الاجتماعي، الاطلاع عليها لإغناء مناقشاتهم.

وأشار إلى أن معارضة نقابة المهندسين والنقابات المهنية لبعض المواد الجديدة الواردة في مشروع القانون، وبخاصة رفع سن التقاعد المبكر والحسبة التقاعدية، انطلقت من التأثيرات السلبية لهذه التعديلات، على المنتسبين للمؤسسة من عمال وموظفين ومهندسين وغيرهم.

خلال الحوارات التي عقدتها مؤسسة «الضمان» مع أطراف مختلفة لمناقشة مواد المشروع، طفت على السطح قضايا كان من الضروري إجراء تعديلات على البنود المتعلقة بها، أبرزها تناقض المادة 86 في مشروع قانون الضمان مع مادة يشتمل عليها مشروع قانون ضريبة الدخل، المعروض أيضاً على مجلس النواب، حول إعفاء رواتب المتقاعدين العسكريين من الضريبة، بحسب الكيلاني، الذي يوضح: «تلك الرواتب معفاة في مشروع قانون الضمان، بينما خاضعة للضريبة في مشروع قانون ضريبة الدخل».

لكن الكيلاني الذي يؤيد مشروع قانون الضمان في معظم بنوده، يطالب بـ«مزيد من الدراسة والتأني»، قبل اعتماد راتب ثلاث سنوات بدلاً من راتب سنتين، ويرى أن هذا التوجُّهَ «غير عادل». ويبرر رأيه بالقول: «هنالك من ترتفع مستويات رواتبهم بشكل مفاجئ عندما ينتقلون من مؤسسة إلى أخرى».

مدير «الضمان» من جهته، يرى أن هنالك إمكانية لتعديل المادة، واحتساب راتب التقاعد على أساس سنوات العمل كافة، مع مراعاة مستوى الرواتب لدى تلك المؤسسات التي انتقل إليها العامل، لضمان عدم رفع بعض الأشخاص لمستويات رواتبهم فجأة، وقبل التقاعد بعامين.

أما النقاط الخلافية الأخرى المتعلقة بالتمثيل في مجلس الإدارة واستقلالية قرار المؤسسة، فيرى الرزاز أنه «من الصحي أن تساهم كل جهة من الجهات ذات العلاقة، في المجلس»، ويؤكد أن استقلالية القرار في المؤسسة عالجها مشروع القانون، عبر اشتماله على بند «يضع قرارات المؤسسة تحت التدقيق والمراجعة».

الآراء ما زالت متباينة حول أهمية التمثيل في مجلس إدارة الضمان، وحول اتباع مبدأ الكوتا، أو اشتراط الخبرة الاستثمارية لدى الأعضاء.

عبيدات يرى أن: «المشروع استثنى النقابات المهنية من المشاركة في عضوية مجلس الإدارة ومجلس التأمينات ومجلس استثمار أموال الضمان»، ويؤكد أن تمثيل النقابات في مجلس إدارة الضمان ضروري، ليس من باب الكوتا، بل من باب الخبرة، بخاصة أن «صناديق النقابات بيوت خبرة مشهود لها بالكفاءة، وتشكل ما نسبته 21 في المئة من إجمالي المؤمن عليهم»، بحسب تأكيده.

الخبير الاقتصادي محمد البشير، رغم تحفظه على عدد من بنود المشروع، يؤكد ضرورة أن يكون الممثلون في المجلس من ذوي الخبرة، بخاصة أنهم سيديرون أموالاً بالمليارات.

قضيتا التمثيل في مجلس الإدارة، واستقلالية قرار المؤسسة، طُرحتا في جلسة عقدها مجلس النواب في تموز/يوليو 2009، عندما أبدى مقرر اللجنة المالية في المجلس النائب يوسف القرنة تأييده لما ذهب إليه عبيدات، بالقول: «التمثيل يميل لصالح الحكومة»، وذلك في رده على النائب عبد الرؤوف الروابدة الذي كان له رأي مستقل ما بين المعارضين والمؤيدين لمشروع القانون، عندما قال إن التركيبة مقسَّمة بإنصاف بين الحكومة وأصحاب العمل والعمال.

الروابدة في تلك الجلسة التي شهدت خلافاً حول التمثيل، رأى أن الاستقلال لا يكون عن الحكومة، والمطلوب هو «الاستقلال بالعمل والإنجاز».

رئيس مجلس النقباء نقيب الصيادلة طاهر الشخشير، قال لـ«ے»، إنه لمس من القائمين على إعداد مشروع قانون الضمان الجديد «تفهماً كبيراً للملاحظات النقابية» حوله، متوقعاً أن يصار إلى تبني العديد منها.

النقابات المهنية طالبت بأن يتم اختيار أعضائها في كل دورة من دورات المجلس، بالتناوب والتوافق بينها.

الشخشير الذي يؤيد ما ذهب إليه عبيدات حول التمثيل، يرى أن النقابات المهنية، تشكّل 20 في المئة من سكان البلاد، بما تمثله من مهنيين وأُسَرهم، لافتاً إلى ما لدى النقابات من خبرة في مجال التأمينات والاستثمار بحكم وجود صناديق تقاعد في كل نقابة، بما يؤهلها لأن تُمثَّل بما لا يقل عن أربعة أعضاء في مجلس إدارة المؤسسة.

وطالب النقابيون بتعديل المادة 12 المتعلقة باستقلالية مؤسسة الضمان، والحاكمية الرشيدة في أدائها، والحد من الهيمنة الحكومية على قرارها، وأن يتم تعيين المدير العام بإرادة ملَكية على غرار محافظ البنك المركزي وهيئة الأوراق المالية، مشيرين إلى أن الضمان الاجتماعي لا يقل أهمية عن هاتين المؤسستين.

الموافقة على هذا الاقتراح، تتطلب تعديل المادة (9/أ)، بإلغاء أن يكون وزير العمل رئيساً للمجلس، ليصبح المدير العام هو الرئيس، وما يتطلبه ذلك من تعديلات في مواد أخرى من القانون.

الرزاز يتقبل معظم الملاحظات بإيجابية، كما يقول. ويزيد: «المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ومعظم الملاحظات سيصار إلى دراستها بجدية. كل شيء قابل للتعديل».

نقابة المهندسين وصلت في رفضها للمشروع حدَّ تنظيم اعتصام في مطلع تموز/يوليو 2009 أمام مجمع النقابات المهنية، ولوّحت بأنها ستنظم اعتصامات أخرى.

الرزاز يخلص في حديثه لـ«ے» إلى: «إما إقرار قانون يتوافق عليه الجميع، أو ترحيل الأزمة وعلى حساب الاستحقاقات». وهو هنا يشير إلى جهات لم يرغب بتسميتها، وصفها بـ«المتمترسة والمصعَّدة». يقول: «في بعض الأحيان، يكون الرفض لمجرد تسجيل موقف، وأحياناً لمسائل شخصية».

مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان اعتمدت موقفاً مؤيداً لمشروع القانون الذي قدمه الرزاز، في اجتماع تشاوري عقدته أكثر من 30 مؤسسة في 11 تموز/يوليو، وأبدت ملاحظات طفيفة، أبرزها استقلالية المؤسسة في اتخاذ القرار، دوّنتها ورفعتها لمجلس النواب.

المنسقة العامة للمعهد الدولي لتضامن النساء أسمى خضر، التي نظمت الاجتماع المذكور، ترى أن «هناك تعديلاً إيجابياً»، مرتبطاً بـ«اعتماد ستة أشهر كمدة قانونية لبدء الاشتراك بدلاً من عام».

تقول خضر لـ«ے»: «كثير من النساء اللواتي عملن في مدارس خاصة، عقودهن لا تتجاوز 9 شهور، ما حرمهن من الاشتراك أو التعويض حين العجز والوفاة».

مشروع القانون أفرد إلى جانب تأمين الأمومة، فصلاً خاصاً بالتعطل عن العمل، بحيث تكون مصادر تمويله من الاشتراكات التي يؤديها صاحب العمل بنسبة نصف في المئة من أجور المؤمن عليهم، والاشتراكات الشهرية التي يقتطعها صاحب العمل بنسبة 1 في المئة من أجور المؤمن عليهم، إضافة إلى الفوائد والغرامات والمبالغ الإضافية التي تترتب على عدم التقيد بأحكام هذا التأمين، فضلاً عن أيّ مساهمة تُدفع من خزينة الدولة لتمويل هذا التأمين وريع استثمار الأموال المتأتية من هذه المصادر.

اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، عقدت لقاءات مكثفة لغايات مناقشة بنود كثيرة في مشروع القانون. أبقت اللجنة على بعض المواد، فيما تم تعديل أخرى، لكن لم يتم إقرار المشروع في الدورة الاستثنائية، وأُرجئت مناقشته إلى الدورة العادية المزمع عقدها مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2009، في الوقت الذي يؤكد فيه الرزاز أهمية إقرار مشروع القانون وإعطائه صفة الاستعجال، لوقف نزيف الصندوق الاستثماري للضمان.

يشهد جدلاً ساخناً ولقاءات مكثفة حوله مشروع «الضمان»: صمّام أمان للأجيال المقبلة
 
01-Aug-2009
 
العدد 2