العدد 2 - محلي
 

انقشعت السحابة التي خيّمت على أجواء العلاقة بين الصحافة والنواب في حزيران/يونيو الفائت، تاركة وراءها نتيجة استطلاع إلكتروني غير علمي تؤيد حل البرلمان، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام أربع صحف يومية بمبادئ الحياد، الدقة والموضوعية عند إجراء الاستطلاع.

يرى إعلاميون ونواب وخبراء في استطلاعات الرأي، أن يوميات: الغد، العرب اليوم، الرأي والدستور، دخلت في معركة مع السلطة التشـريعية تتعلق بالمصالح المالية لهذه الصحف، بعيداً عن أهداف مهنة الصحافة في نقل الحقيقة والتعبير عن نبض الشارع، مستغلّةً غضب فئات شعبية مختلفة من أداء غالبية أعضاء المجلس النيابي.

غير أن إدارات تلك الصحف عدّت الاستطلاع خطوة ضمن مشروع التصدي لما وصفته «محاولة النواب ليّ ذراع الصحافة»، مع التشديد بأنها رمت إلى «إظهار الاستياء الشعبي» من مجلس النواب. فقد أجاب 95 في المئة من أصل 184.409 مشاركين، بـ«لا»، عن السؤال: «هل تؤيد استمرار مجلس النواب الحالي؟»، في حين اختار البقية: «نعم». ولم يشتمل الاستطلاع على خيار «لا أعرف»، الشائع في الاستطلاعات بعامة.

الاستطلاع ونتيجته أثارا سخط نواب رأوا أن الصحافة لجأت إلى أداة غير علمية لحشد الرأي العام ضد السلطة التشريعية، في حين يفتقر البرلمانيون إلى وسيلة تواصل مع الشارع، الأمر الذي يعزز من الهبوط الظاهر في شعبيتهم بين الناخبين.

«إنه جزء من الفزعة؛ ردة الفعل المتعارف عليها أردنياً ساعة الغضب»، يقول النائب ممدوح العبادي لـ«ے»، مقللاً من أهمية هذا الاستطلاع أمام «استطلاعات علمية» غطت نتائجَها وسائلُ الإعلام، كان مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أجرى اثنين منها، بينما أجرى مركز القدس للدراسات استطلاعاً ثالثاً.

فقد أعلن مركز الدراسات الاستراتيجية مطلع الصيف الجاري عن نتائج استطلاعَيه –كلٍّ على حدة- حول نسبة الرضا عن أداء النواب، كشفت أن 53.4 في المئة من الرأي العام و71 في المئة من قادة الرأي، «غير راضين» عن أداء المجلس، بعد عامين على انتخابه في عملية اقتراع اتُّهمت حينها بحدوث حالات تزوير.

بُعيد نشر نتائج الاستطلاعَين، ردّ النواب مشروع قانون تقدمت به الحكومة تضمّنَ تخفيض الضريبة التي تُقتطع من إعلانات الصحف لصندوق دعم الثقافة، والبالغة 5 في المئة، بعد أن كانوا وعدوا بتخفيضها. تراجُع النواب عن وعدهم أثار حفيظة إدارات الصحف الأوسع انتشاراً في البلاد، فسارع رؤساء تحريرها إلى إعلان مقاطعتهم أخبارَ المجلس النيابي، وإطلاق الاستطلاع الإلكتروني، الذي خُصصت الصفحة الأولى في كلٍّ من الصحف الأربع، للإعلان عنه، ودعوة القراء للمشاركة فيه.

لاحقاً، نجحت محاولات مصالحة بين النواب والصحفيين، تكللت في ولائم أقيمت بعد تدخُّل «العُقّال» لطي صفحة الخلاف.

باحث أردني يعمل في مجال استطلاعات الرأي، شكك في «واقعية النتيجة» التي وصل إليها سؤال الصحف الأربع. الباحث الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أوضح لـ«ے» أن صيغة السؤال يمكن أن توجِّه المستجيب إلى إجابة معينة، في حالة الاستطلاع الذي يتكون من سؤال واحد. وأضاف أن العينة في استطلاعات كهذه لا يتم اختيارها وفق أصول علمية، مؤكداً في الوقت نفسه أن نتائج استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، ومركز القدس للدراسات، حول تقييم أداء المجلس النيابي، «دقيقة وعلمية».

الباحث نفسه قال إن الشكل الذي صيغ فيه استطلاع الصحف، يجعل كل من يعارض مجلس النواب يهتم بالتصويت فيه، لإظهار انحدار شعبية المجلس، بما يعني أن الاستطلاع جرى توظيفه في إطار المعركة القائمة بين الطرفين.

يضيف الباحث: «من يمتلك وجهة نظر قوية ضد المجلس، سيجيب عن السؤال بالتأكيد، أما من يؤيد المجلس أو لا يكترث بالأمر، فقد لا يشارك بالضرورة في الاستطلاع». ويذهب إلى أن «عدم الإجابة هو بحد ذاته إجابة»، مشدداً على أنه كان ينبغي أن يضاف خيار «لا أعرف» إلى الإجابات المتاحة.

المدير العام لمركز إبسوس للدراسات، فرع الأردن، مصطفى الطباع، يرى أنه لا تأثير لصيغة السؤال في اختيار أيٍّ من الإجابات أو في نتيجة الاستطلاع، بيد أنه لفت إلى أن العينة المستجيبة في حالة استطلاع الصحف «لم تكن عشوائية»، فـ«أحد أعمدة الاستطلاع العلمي الدقيق، أن تُتاح أمام الجميع فرصة متساوية ليتم اختيارهم للمشاركة».

يوضح الطباع لـ«ے» أن «النتيجة تمثل جزءاً من الجمهور الذي يقرأ الصحف عبر الإنترنت، ويهتم بمسألة الاستطلاع، وقرر أن يجيب عن السؤال»، مضيفاً أنه من دون الاطلاع على منهجية الاستطلاع وكيفية إعداده، لا يمكن الحكم على مصداقيته.

الاستطلاع استمر مدة 48 ساعة (21-22 حزيران/يونيو) أُغلق بعدها الموقع الإلكتروني الذي صممته شركة متخصصة من أجل الاستطلاع.

تقدّر وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نسبة مستخدمي الإنترنت في البلاد بنحو 26 في المئة من عدد السكان البالغ نحو ستة ملايين نسمة، فيما يقرأ الصحفَ اليومية الثماني قرابةُ المليون شخص يومياً، وفقاً لمصادر صحفية غير رسمية.

مراسل صحيفة جوردن تايمز الذي قام بتغطية مقاطعة الصحف الأربع للبرلمان، هاني الهزايمة، يرى أنه «ليس من حق الإعلام أن يقرر حجب أي نوع من الأخبار عن الرأي العام». ويضيف في تصريح لـ«ے» أن «استطلاع الصحف كان رسالة مفادها أن أكبر عينة من الناس في الأردن لا يريدون المجلس».

توظيف الاستطلاع بوصفه ورقةَ ضغط على النواب، واستخدامه لتعبئة الرأي العام ضد المجلس النيابي، بدلاً من كونه أداة لمعرفة الحقيقة وقياس نبض الشارع، تصرفٌ وصفه رئيس تحرير موقع عمون الإخباري الإلكتروني، سمير الحياري، بـ«غير السليم مهْنياً».

«يجب أن يراعى التوقيت المناسب لأي استطلاع، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة، إذ أُجري الاستطلاع في فترة شهدت خلافاً بين الطرفين»، يضيف الحياري لـ«ے».

أستاذ الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال، باسم الطويسي، يتفق مع الحياري في هذا الرأي.

يشرح الطويسي أن الاستطلاع العلمي هو ذلك الذي لو أجراه أكثر من باحث في أكثر من مركز في الفترة نفسها، فإنهم سيخرجون بنتائج مشابهة. ويقول: إنّ «معظم متابعي الرأي العام يتفقون على أن الشعور العام لدى الناس هو عدم الرضا عن مجلس النواب»، في إشارة إلى الانتقادات الشعبية بسبب امتيازات حظي بها النواب، مثل زيادة رواتبهم، إعفاءات ضريبية لشراء سيارات، حقهم في بيع هذه الإعفاءات، تأشيرات حج وعمرة يوزعونها على من يريدون من قواعدهم، فضلاً عن رحلات العمل خارج البلاد، ومبالغ مالية يحصلون عليها من الحكومة ليمنحوها لطلبة جامعيين يختارونهم.

غير أن الطويسي يرى أنه ما كان يجب على رؤساء التحرير «توظيف هذا الشعور العام في مواجهاتهم» مع أعضاء البرلمان. ويشير إلى أساليب في الاستطلاع تتّبعها وسائل الإعلام العالمية، مكْلفة وغير موجودة دائماً في الأردن، من بينها الاستعانة بمراكز متخصصة في الاستطلاعات.

رئيس تحرير الغد موسى برهومة، يوضح لـ«ے»، أن رؤساء التحرير الأربعة عند مناقشتهم لصيغة السؤال في الاستطلاع الإلكتروني، رفضوا صيغة «هل تؤيد حلّ مجلس النواب...؟»، واعتمدوا بدلاً من «حلّ»، كلمة «استمرار»، لأن الأخيرة «أكثر إيجابية»، وبالتالي أكثر موضوعية، بحسب تعبيره.

«أردنا أن نُظهر أن الصحافة ليست الجهة الوحيدة التي تبدي استياءً تجاه أداء النواب، بل إن الشارع غير راضٍ هو أيضاً»، يقول برهومة، مؤكداً أن الاستطلاع «كان فصلاً من فصول المواجهة بين الطرفين». ويقرّ في هذا السياق: «تصرفنا بطريقة ربما تكون انفعالية أو تصعيدية، لكننا وجدناها سبيلاً سريعاً لحسم الأسئلة المتصلة بقدرة الصحافة على الدخول في مواجهات كهذه».

المديرة التنفيذية لشبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» أريج، رنا الصباغ، ترى أن كلا الطرفين، الصحف الأربع والمجلس النيابي، يتحمل المسؤولية في ما حدث.

«النواب انعكاسٌ للمجتمع بإيجابياته وسلبياته، نحن لا نستورد نواباً من الخارج»، تقول الصباغ في حديث لـ«ے»، منتقدةً في الوقت نفسه طريقة صياغة الأسئلة في الاستطلاعات الإلكترونية التي وصفتها بأنها «ملغومة في كثير من الأحيان، فتأتي الإجابات ملغومة كذلك، لا تساعد صانع القرار على قياس الرأي العام».

غير أنها ترى أنه يجب عدم إلقاء اللوم على الصحافة وحدها، لأنه «ليس من المعقول أن يحاسب البرلمان كل وسائل الإعلام على آراء عدد محدد من الصحفيين».

في المحصلة، ترى الصباغ أن ما حدث هو نتيجة تراكمات قانون انتخابي «تم تفصيله» لإبقاء النائب في خانة القضايا الخدمية بعيداً عن السياسة، بالتوازي مع عدم توافر ثقافة صحفية «راقية» في الأردن ودول المنطقة، حيث «الصحافة المحترفة تعدّ ترفاً في كثير من الأحيان».

استطلاع غير مهني رغم أهمية نتائجه
 
01-Aug-2009
 
العدد 2