العدد 2 - محلي
 

فك الارتباط قرار سياسي ليس له أي صفة تشريعية سواء كانت دستورية أو قانونية، مع ذلك فهو في الظروف التي اتخذ فيها، مثّل إجراء اضطرارياً وضرورياً، استجابة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وتفادياً للاصطدام مع الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر 1987.

المسألة لا تكمن في قرار فك الارتباط بحد ذاته، في الحدود التي رسمها خطاب الراحل الملك الحسين يوم 31 تموز/يوليو 1988، وإنما في تطبيق «التعليمات» التي صدرت عن رئيس الوزراء يوم 20 آب/أغسطس 1988، و«التوصيات» المكملة لها التي أعدتها لجنة برئاسة وزير الداخلية، ووافق عليها رئيس الوزراء يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 1988.

المحامي رجائي الدجاني الذي كان وزيراً للداخلية في حكومة زيد الرفاعي إبان فك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وساهم في وضع تعليمات فك الارتباط، حاجج في حوار مع «ے» في مناسبة سابقة «بأن هناك تعسفاً في تطبيق التعليمات بما يخرجها عن إطارها الأصلي الذي وُضعت فيه»، لافتاً إلى أنه تم عرض هذا الموقف في الديوان الملكي بين يدي رأس الدولة الذي أمر بتشكيل لجنة ثلاثية لمتابعة الأمر. لكن اللجنة المؤلفة من طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق، والوزير الدجاني، ومدير المخابرات السابق محمد الذهبي لم تجتمع.

المركز الوطني لحقوق الإنسان تلقى العام الفائت 30 شكوى تتعلق بالحق في الجنسية وامتلاك أوراق ثبوتية، مقارنة مع 64 شكوى تلقاها العام 2007. المركز أوضح في تقريره، أن هذه الشكاوى اشتملت على انتهاكات بسحب الوثائق الرسمية، مؤكداً أن سحب هذه الوثائق «عدا كونه مخالفة دستورية صريحة وانتهاكاً للمعايير الدولية، فإنه تترتب عليه آثار سلبية»، منها؛ إهدار الحق الإنساني، والحرمان من العمل وكسب العيش.

في الاجتماع الذي عقدته يوم 16 تموز/يوليو 2009، لجنة الحريات العامة في مجلس النواب مع وزير الداخلية نايف القاضي، قدّم الوزير كشفاً يبين أنه تم منح بطاقات جسور خضراء بدل الصفراء لـ 2017 شخصاً خلال السنوات 2006 - 2009، ما يعني أن هؤلاء حصلوا على جوازات سفر مؤقتة بدلاً من حصولهم على جنسية وجواز سفر عادي.

هذه المعطيات تؤشر إلى طبيعة المشكلة، بما لها من أبعاد تاريخية وسياسية ودستورية وإنسانية، وهي تحتاج إلى معالجة حتى لا يبقى الجرح نازفاً، وفي جميع الأحوال، فإن المصلحة الوطنية تقتضي أن لا يتم تحويل البحث عن حل إلى «تسميم» المجال العام وتراشق إعلامي وتبادل اتهامات. وكم تبدو بعض «المعارك» باهتة، لدى ملاحظة أن «الضفة الشقيقة» ما زالت تحت الاحتلال!

الأسابيع القليلة الماضية شهدت سخونة في تناول هذا الملف. ولئن ظهرت مواقف وحوارات يدافع فيها أصحابها بـ«شراسة» عن رؤاهم، مثل الحوار الذي دار بين الكاتبين الصحفيين: خالد محادين وفهد الخيطان، إثر مقابلة أجرتها العرب اليوم مع وزير الداخلية نايف القاضي (24 حزيران/يونيو 2009)، فإن أفواجاً من الناس تجتاح المواقع الإلكترونية لتبث كلاماً يجعل من الهويات الفرعية منصات إطلاق لما كان يدعوه النائب الشيوعي السابق عيسى مدانات بـ«العنعنات الإقليمية».

التصدي للإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من أهلها، ومساعدة الأشقاء الفلسطينيين على الثبات والصمود في أرضهم، أحد ثوابت السياسة الرسمية الأردنية، لكن شكوى بعض الأردنيين من أصل فلسطيني من شمولهم بتعليمات فك الارتباط دون وجه حق، أو إثارة هذه المشكلة في الصحافة أو مع منظمات حقوق الإنسان، ليس مبرراً لتحويل هذه القضية إلى مدخل للنفخ في «فزاعة» الوطن البديل، إذ من المفترض أن ما يعني الإدارة الأردنية، في نهاية المطاف، هو الالتزام بسيادة القانون.

أي مراجعة لقرار فك الارتباط باتجاه حسم الجدل الدائر حول ترجماته ضمن صيغة قانونية محددة وشفافة، تستدعي التوقف أمام عدد من المحطات السياسية على امتداد العقود الستة الماضية، أهمها «وحدة الضفتين»، والمناخات التي حكمت صدور قرار فك الارتباط.

عدنان أبو عودة، المستشار السياسي للملك الحسين خلال السنوات 1988-1991، ووزير البلاط 1984-1988، واكب من قرب المرحلة التاريخية الحساسة التي بدأت بإعادة مجلس النواب التاسع وإجراء انتخابات تكميلية العام 1984، وأفضت إلى تسليم راية إنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية التي احتُلت العام 1967 إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

أبو عودة، المهندس الفعلي لمفهوم فك العلاقة القانونية والإدارية، يشدد على أن الانتفاضة التي اندلعت يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 1987، مثّلت العنصر الحاسم في التوجه الجديد، عادّاً إياها أهم حدث فلسطيني بعد وقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال.

يذكّر أبو عودة أن قيادة الانتفاضة أصدرت نداءها رقم 11 يوم 10 آذار/مارس 1988، الذي طالب بتشديد الضغط على «جيش الاحتلال والمستوطنين والمتعاونين وموظفي النظام الأردني»، ودعا النواب الفلسطينيين في البرلمان الأردني «أن يستقيلوا فوراً ويتحالفوا مع شعبهم».

منذ احتلال الضفة الغربية العام 1967 وصدور قرارَي مجلس الأمن 242 و338، سعى الأردن بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية المتاحة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية. وفي واقع الحال، كان هناك تنافس بين الدولة الأردنية وبين منظمة التحرير الفلسطينية حول من هو المخول باستعادة الأراضي المحتلة، واستمر هذا التنافس دون توقف حتى العام 1988.

اصطدمت مساعي الأردن لاستعادة الضفة الغربية بالتعنت الإسرائيلي من ناحية، وبقرار قمة الرباط العام 1974 الذي اعتمد «منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني»، وهو ما أكدت عليه القمم العربية اللاحقة.

خلال فترة التنافس بين الأردن ومنظمة التحرير على التمثيل، أقامت إسرائيل 72.2 في المئة من مجموع المستوطنات المقامة في الضفة الغربية على امتداد السنوات 1967 - 2007، والبالغ عددها 144 مستوطنة.

لكن أبو عودة يشير إلى أن التطور الحقيقي هو أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، الذي كانت تصفه تحليلات غربية بأنه شعب وديع، يثور هو بنفسه للمرة الأولى منذ 1967 ضد الاحتلال، بينما كان التفكير السائد أن التحرير سيتم على أيدي منقذين من خارج الحدود. وبالتالي كان لا بد من إفساح المجال أمام الانتفاضة ومنظمة التحرير لتحمّل المسؤوليات في المرحلة الجديدة.

الفقرة المفصلية في الخطاب الملكي حول فك الارتباط يوم 31 تموز/يوليو 1988، ركزت «على أنه ينبغي أن يُفهم، بكل وضوح ومن دون أي لبس أو إبهام، أن إجراءاتنا المتعلقة بالضفة الغربية، إنما تتصل بالأرض الفلسطينية وأهلها، وليس بالمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية بطبيعة الحال، فلهؤلاء جميعاً كامل حقوق المواطنة، وعليهم كامل التزاماتها تماماً مثل أي مواطن آخر مهما كان أصله».

بهذا الخطاب آثر الملك الحسين أن يتحمل وحده المسؤولية عن هذا القرار.

مروان دودين، الذي كان وزيراً لشؤون الأرض المحتلة العام 1988، رد على سؤال لـ«ے» إن كان لديه تفسير لماذا لم يطلب الأردن من مجلس نوابه العاشر الذي كان يتكون من ممثلي الضفتين قبل حلّه عشية قرار فك الارتباط، أن يتخذ هو، أي المجلس، قراراً بفك الارتباط؟ دودين أجاب بأنه ليس لديه معلومات، لكنه أضاف بنبرة واثقة: «أعتقد جازماً أن الحسين، رحمه الله، ولأسباب ضميرية، ما كان ليقحم ممثلي الضفتين في اتخاذ قرار بإنهاء الوحدة التي قرّرها آباؤهم العام 1950».

أما في ما يخص وحدة الضفتين، فإنه بصرف النظر عن الانتقادات التي وجهتها بعض الفصائل الفلسطينية لهذه الوحدة، وبخاصة بعد العام 1970، حين وصمتها بأنها «ضم وإلحاق»، حتى إن مفكراً مستنيراً وعروبياً مثل إدوارد سعيد كان له موقف سلبي منها، إلا أنها كانت وحدة فعلية بين شعبين شقيقين جارين. يشهد على ذلك أن دولة الوحدة حققت اندماجاً اقتصادياً وسياسياً على مستوى النخب والقوى الاجتماعية، بحيث بات الذي يوحد الناس أو يفرقهم هو مصالحهم الاقتصادية وتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية، وليس انتماءهم إلى شرق النهر أو غربه. هذه الوحدة وُلدت في ظروف إقليمية صعبة، لكنه جرى تعميدها بتوافق شعبي في فلسطين والأردن، محطاته الحاسمة؛ مؤتمرا أريحا ونابلس، وقرار مجلس النواب الأردني حول وحدة الضفتين يوم 24 نيسان/إبريل 1950.

رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار فك الارتباط، وشمل ذلك منظمات مثل الجبهة الديمقراطية التي عدّت هذا الإنجاز السياسي لقيادة الانتفاضة «قوة دفع جديدة للنضال الفلسطيني ولهذه الانتفاضة بالذات». وبدأت منظمة التحرير تعد العدة لإعلان الاستقلال.

ياسر عرفات، أعلن خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي عُقد في الجزائر، «قيام دولة فلسطين على أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف» في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988. وسمح الأردن بإقامة «سفارة دولة فلسطين» في عمّان.

وباستثناء بعض القوى السياسية المتناغمة مع فصائل فلسطينية، فإن القوى الأردنية التاريخية من إخوان مسلمين وشيوعيين وقوميين، عارضوا فك الارتباط، محاججين بأنه غير دستوري.

تلا فك الارتباط أيضاً إلغاء الأجهزة الحكومية في الضفة الغربية باستثناء المديريات التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ودائرة قاضي القضاة في القدس. كما أنشئت دائرة الشؤون الفلسطينية، ورُبطت بوزير الخارجية. وتم الاستغناء عن وزارة شؤون الأرض المحتلة التي كان يشغل حقيبتها مروان دودين.

دودين أوضح لـ «ے» أنه كُلّف بمعالجة ملف الموظفين التابعين لنظام الخدمة المدنية في الضفة الغربية باتجاه ترتيب عملية الانفكاك مع مراعاة البعد الإنساني في ضمان حقوقهم. وبيّن أن الموظفين الذين قضوا في الخدمة 20 سنة فأكثر، أحيلوا على التقاعد؛ والذين أمضوا في الخدمة 15 سنة فأكثر، أحيلوا على الاستيداع، أما الباقون فقد مُنحوا مكافأة نهاية الخدمة.

ومثلما أبقى الأردن على مسؤوليته عن الأماكن المقدسة في القدس تجنباً لأي فراغ يمكن أن تستغله إسرائيل، حرص عند توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية العام 1994، على أن تنص المعاهدة، على احترام إسرائيل لـ«الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس»، وأن إسرائيل ستعطي عند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي «أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن».

في ضوء مقاصد الملك الحسين من فك الارتباط، وحقيقة أن الفلسطينيين قد حصلوا على الجنسية بقوة قرار الوحدة وليس بأي طريق أخرى، فإن تطبيق تعليمات فك الارتباط، ينطوي على التباسات ذات صلة بالمفاهيم من ناحية، وبالقضاء بوصفه مرفقاً للعدالة من ناحية أخرى.

على صعيد المفاهيم، تصر وزارة الداخلية على الحديث عن «تصويب أوضاع المخالفين لتعليمات فك الارتباط»، وتنفي أن يكون هناك سحب جنسية. هذه المقاربة تتجاهل حقيقة أن قرار فك الارتباط قد جرّد جميع الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية قبل يوم 31/7/1988 من جنسيتهم الأردنية دفعة واحدة، إعمالاً للمادة الثانية من تعليمات فك الارتباط. ومع ذلك، فقد جرى التسليم بأن هذا الإجراء السياسي أملته مصلحة الشعب الفلسطيني. ولا أحد يرغب في إعادة طرح ذلك على بساط البحث. إنما المشكلة تتعلق بمن كانوا يقيمون خارج الضفة الغربية، وكيفية تطبيق التعليمات عليهم. فمن كان اليوم أردنياً من أصل فلسطيني، وغدا في اليوم التالي يحمل جواز سفر مؤقتاً، فقد تكون وزارة الداخلية صوبت وضعه، لكن بالنسبة له فإن جنسيته الأردنية تكون قد سُحبت منه.

حتى إنه ليس دقيقاً القول إنه «فقدَ جنسيته»، لأن فقدان الجنسية له شروط تحددها المادة 18 من قانون الجنسية رقم 6 لسنة 1954 وتعديلاته.

الكاتب فهد الخيطان، علّق على المقابلة مع وزير الداخلية نايف القاضي في مقالة له، مستخدماً مصطلح «التجنيس»، و«منح الجنسية لنحو 20 ألف شخص مقابل تصويب أوضاع ألف شخص».

ما يجب قوله هنا إن «التجنيس» لا ينطبق على الفلسطينيين الذين كانوا جزءاً من وحدة الضفتين. فهؤلاء حصلوا على الجنسية استناداً إلى قرار الوحدة، وإذا ما سُحبت من أحدهم جنسيته الأردنية تنفيذاً لتعليمات فك الارتباط، ثم أعيدت إليه بالاستناد إلى هذه التعليمات نفسها أو بقرار قضائي، فإنه والحالة هذه يكون قد استعاد جنسيته، لأن «التجنس» أمر مختلف وينظمه قانون الجنسية في مواده 12-14.

وفي موضوع منح الجنسية «لنحو 20 ألف شخص»، فالحقيقة أن الوزير لم يقل ولا مرة واحدة إن وزارته منحت الجنسية أو أعادت الجنسية لأي كان، بل تحدث عن تحويل البطاقات من خضراء إلى صفراء، وهذا يعني أن هناك اختلافاً في «المفاهيم».

أما محكمة العدل العليا، فقد أظهرت تبايناً لافتاً في تعاملها مع قضايا الجنسية ارتباطاً بفك الارتباط. وراوحت قراراتها بين ردّ دعاوى لمستدعين سُحبت منهم جنسيتهم الأردنية، لأنها عدّت القرارات المطعون فيها من أعمال السيادة، وهذا هو الغالب في قراراتها، وبين إلغاء القرارات المطعون فيها وإعادة الجنسية لأصحابها.

المحامي المرحوم إبراهيم بكر، أورد في دراسة له حول «أعمال السيادة وقرارات نزع الجنسية الأردنية...»، صدرت عن المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي، ست حالات، في السنوات 1991-1994، استقر رأي المحكمة فيها على رد هذه الدعاوى بدعوى عدم الاختصاص، وتأييد إجراءات وزارة الداخلية من منطلق أن فك الارتباط من أعمال السيادة.

بالمقابل أورد بكر أربع حالات خلال السنوات 1993-1995، أيّدت فيها المحكمة إلغاء القرارات المطعون فيها، ووافقت «الأحوال المدنية والجوازات» في ضوء ذلك، على إصدار جواز سفر عادي لكل واحد من المستدعين.

وتكرر الاختلاف في قرارات المحكمة في السنوات اللاحقة. فقد استعرض وزير الداخلية الأسبق رجائي الدجاني في ورقة عمل قدمها في مجمع النقابات المهنية يوم 24 شباط/فبراير 2008، ست حالات لأشخاص سُحبت منهم جوازات سفرهم العادية خلال السنوات 1997-2002، ورأى أن محكمة العدل العليا أنصفت أربعاً منهم طعنوا بقرار سحب جنسيتهم، فيما اختلف اجتهاد المحكمة في قضيتين أخريين، حيث أيدت سحب جواز السفر العادي لكل من المستدعيَيْن.

المحامي فهد أبو العثم، القاضي السابق في محكمة العدل العليا، ووزير الشؤون القانونية السابق، علّق على تكرار صدور قرارات متناقضة عن المحكمة بخصوص الموضوع نفسه، موضحاً أنه إذا اتخذت المحكمة قراراً بهيئتها العادية المؤلفة من خمسة قضاة، وجاءت هيئة أخرى عادية مؤلفة من خمسة قضاة، واتخذت قراراً مغايراً، فإنه «يتعين على محكمة العدل العليا أن تنعقد بدعوة من رئيسها كهيئة عامة من تسعة قضاة، وتدرس القرارات الصادرة في الحالتين الأولى والثانية، وتُصدر رأياً ملزماً بشأنها».

أبو العثم أكد أنه ما دامت الجنسية رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، فإن قانون الجنسية هو الذي ينظم كيفية اكتسابها وأسباب فقدانها وشروط استردادها، حتى «إذا تحققت لشخص ما أسباب تمتعه بها فلا يُحرم منها ولا يفقدها إلا إذا توافرت شروط فقدانها المنصوص عليها في القانون».

وفي حين دعا أبو العثم إلى ملاحظة أن تنظيم الجنسية وفك الارتباط ذو علاقة مباشرة مع «وطن محتل من عدو» يسعى لترحيل أهله وإبعادهم، إلا أنه يرى أن قرارات محكمة العدل المتعاقبة «والتي قضت بحجب الجنسية الأردنية عمن كان في فلسطين قبل 31/7/1988، قد جانبت صحيح القانون»، مفسراً أن تنظيم أمور الجنسية يجب أن يكون «متوافقاً مع القانون».

ويشدّد أبو العثم على ما يعده من المسلّمات، من أن «ما يتم تنظيمه بقانون لا يجوز إلغاؤه أو تعديله إلا بقانون، وأن ما ينظمه المشرّع بهذه الأداة لا يجوز تنظيمه بأداة تشريعية أدنى»، مستخلصاً أن أمور الجنسية لا يجوز تنظيمها بقرار أو تعليمات، و«أنه ما كان للمحكمة أن تطرح حكم القانون جانباً لتستعيض عنه بنص قرار أو بنود تعليمات».

يتضح مما سبق أن محكمة العدل العليا تنأى بنفسها عن أن تفرض رقابتها على تطبيق تعليمات فك الارتباط، فهي إما أن تحكم بعدم الاختصاص من منطلق «سيادية» قرار فك الارتباط، أو أنها لا تعترف بهذه التعليمات من منطلق أن ما يعنيها هو تطبيق قانون الجنسية. لذلك فإن الحل الذي يريح الجميع هو «قوننة» تعليمات فك الارتباط، بحيث تصبح خاضعة لرقابة القضاء الإداري.

«العدل العليا» حائرة بينه وبين سيادة «القانون» . فك الارتباط مع الضفة الغربية: جرح مفتوح
 
01-Aug-2009
 
العدد 2