العدد 2 - مساحة حرّة
 

تسمية الأمير حسين ولياً للعهد في 2 تموز/يوليو 2009، جاءت إقرارَ أمر واقع لجهة مسار انتقال العرش في سياق الدستور. على أن هذا المرسوم، أو ما يُعرف في الأردن بـ«الإرادة الملكية»، الذي صدر بعد خمس سنوات على رفع ولاية العهد عن الأمير حمزة بن الحسين - أحد أخوة الملك الأصغر منه سنّاً - يحمل في طيّاته توجهاً لتأهيل الأمير الشاب على درب أبيه، وإعادة تفعيل «ولاية العهد» كتفاً بكتف مع رٍأس الدولة.

يتجلّى ذلك في نص مرسوم تعيين الأمير قبل أيام من عيد ميلاده السادس عشر. حيث أمر الملك بأن يُمنح نجله الأكبر «جميع الحقوق والمزايا المتعلقة بولاية العهد».

تلك «الحقوق والمزايا» غير محددة في الدستور النافذ منذ 1952 في عهد الملك طلال، إذ لم يرد فيه أيُّ تفصيل يمنح حامل لقب «ولي العهد»، أيَّ استحقاق أو امتياز. بل تأتي، بحسب العرف، عبر تكليفات متواترة من الملك إلى ولي العهد الذي يحمل لقباً شرفياً بعيداً عن السلطة التنفيذية، على ما يرى المؤرخ والأكاديمي علي محافظة، موضحاً: «ليس لولي العهد أيُّ صلاحية تنفيذية، إلا بما يكلّفه الملك بذلك».

يستذكر محافظة كيف لجأ الحسين لمخاطبة رئيس الوزراء زيد الرفاعي العام 1985، حتى يتمكن الأمير الحسن بن طلال من تشكيل لجنة مهمتها إصلاح التعليم العالي. «في ذلك الوقت ناقشني الأمير حول تشكيل لجنة، بعضوية وزير التعليم العالي ناصر الدين الأسد وأنا حين كنت رئيساً لجامعة مؤتة» الفتية آنذاك. وقبل الشروع في العمل «اضطر الأمير للطلب من الملك تسطير كتاب رسمي لرئيس الوزراء بمقتضى الدستور».

منذ نشأة الإمارة العام 1921، مروراً باستقلال المملكة 1946، لم تشهد ولاية العهد تفاعلية وانخراطاً في شأن الدولة والمجتمع، كما شهدت حقبةُ الأمير الحسن بين العامين 1965 و1999.

تعيين الحسن، وكان في السادسة عشرة من عمره، جاء وسط اضطرابات في الإقليم وقلاقل داخلية، دفعت الملك الشاب إلى اختيار شقيقه الأصغر، بدلاً من نجله البكر الذي لم يكن تجاوز الثالثة من العمر آنذاك.

استدعى ذلك تعديل المادة 28 من الدستور المتصلة بصلاحيات رأس الدولة، بإضافة الفقرة التالية إلى بندها الأول: «على أنه يجوز للملك أن يختار أحد إخوته الذكور ولياً للعهد. وفي هذه الحالة تنتقل ولاية الملك من صاحب العرش إليه»، طبقاً للنص الذي ورد في الجريدة الرسمية، عدد 1831، بتاريخ الأول من نيسان/إبريل 1965.

كان ذلك التاريخ مثار تندر الأمير لاحقاً، في إشارة إلى توافقه مع كذبة نيسان.

المادة 28 نفسها، تعني أن ولاية الملك محسومة بالنص الدستوري للأمير حسين، وأن تسميته ولياً للعهد جاءت لتثبت هذا الحق.

كان الحسين قبل أسبوعين من وفاته في السابع من شباط/فبراير 1999، نقلَ ولاية العهد إلى نجله البكر الأمير عبد الله، الذي عيّن فور تسلّمه سلطاته الدستورية، أخاه الأمير حمزة ولياً للعهد. واستمر الأمير حمزة في هذا المنصب خمس سنوات.

الملك عبد الله الثاني اختار مناسبة الذكرى العاشرة لتوليه صلاحياته الدستورية، ليعيّن نجله الأكبر، الأمير حسين، في المنصب نفسه.

ولي العهد الجديد يعيش مرحلة اليفوع بتفاعلية وحماسة. ويقول عنه أقرانه إنه شديد النشاط و«عشري»، كما ينفذ أوامر هيئة التدريس مثله مثل أيّ طالب آخر، وينخرط في أنشطة غير منهجية، بما في ذلك تقمص شخصيات مهنية، مثل العاملين في المطاعم وغيرهم. يقول جَدّ أحد أقرانه في مدرسة King’s Academy النخبوية، إن الأمير الفتى لم يفلح في جولة انتخابات أمام حفيده لفرز هيئة إدارية للصف.

بعد أن زار البابا بندكتوس السادس عشر الأردن في أيار/مايو الماضي، كتبت الملكة رانيا العبد الله على موقع Twitter الاجتماعي التواصلي: «تغلبت حتى أقنعت الأمير الحسين بارتداء بدلة رسمية لهذه المناسبة».

منصب ولاية العهد كان قائماً عرفاً في الحياة السياسية، رغم عدم وجود نص في الدستور يحدد صلاحياته ومهامه. إذ كان الأمير محمد، الشقيق الوسط بين الحسين والحسن، ولياً للعهد منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، حتى العام 1962، الذي شهد ميلاد الأمير عبد الله، النجل الأكبر للملك الحسين.

الملك المؤسس عبد الله الأول عيّن نجله البكر طلال ولياً للعهد. وحتى اغتياله في تموز/يوليو 1951، كان الملك يفكر بتغيير الولاية، بسبب «مشاكل مع نجله، وبداية ظهور أعراض المرض عليه»، بحسب مؤرخ في السياسة الأردنية فضّل عدم نشر اسمه. لكن خيارات الملك كانت محدودة، بوجود شقيق وحيد للأمير طلال، هو الأمير نايف.

عقب اغتيال عبد الله الأول، تسلّم طلال الحكم حتى آب/أغسطس 1952، حين قرر مجلس النواب آنذاك أنه «غير مؤهل»، فانتقلت الراية إلى الحسين، بعد بضعة أشهر تولّّى خلالها مجلس وصاية إدارةَ شؤون البلاد.

في عقده الأول، استبق الملك عبد الله الثاني الجدال المتصل بمسار انتقال العرش، ربما تحاشياً لتكرار تجربة الحسين والحسن. وقد نفذ ذلك على مرحلتين؛ الأولى إعفاء أخيه الأمير حمزة من ولاية العهد بعد خمس سنوات على تعيينه، والثانية تسمية الأمير الحسين لهذا الموقع، منهياً فراغاً وتساؤلات على مدى خمس سنوات أخرى. وبذلك يصبح الأمير حسين بن عبد الله ولي العهد الثامن منذ تأسيس الدولة.

الأمير حسين ولي العهد.. الثامن: ملء الفراغ ووقف الجدل حول مسار انتقال العرش
 
01-Aug-2009
 
العدد 2