العدد 2 - مساحة حرّة | ||||||||||||||
احتدامُ الجدل عبر وسائل الإعلام وتعليقات الكتّاب واستطلاعات مراكز الأبحاث حول مجلس النواب وأدائه ودرجة الرضا العام عن هذا الأداء، يجب أن لا يؤخذ من زاوية أن ثمّة حملة لاستهداف هذه المؤسسة المهمة بين مؤسسات الحكم في الدولة، والرغبة في تشويه صورتها. فالأمر ليس كذلك للأسباب التالية: - البرلمان مؤسسة شعبية منتخَبة، ينظر إليها الناس على أنها طوق النجاة ومستودع الأمل ومدرسة لترسيخ قيم العدالة والمساواة والنظافة، وإيثار الصالح العام على الصالح الشخصي. - أيُّ ضعف في سويّة العمل البرلماني، بخاصة في مجالَي التشريع والرقابة، سيولّد مزيداً من السطوة والخلل والتفرد في عمل السلطة التنفيذية، وربما تغييب القانون وأحكامه في التعامل مع قضايا المواطنين والمصالح العامة. - المواطن الذي يعاني من البطالة والفقر أو عدم المساواة أو هضم حقوقه أو تحميله بالأعباء الضريبية أو ملاحظته لضروب الفساد التي قارفها مسؤولون ولم تطالهُم يد المحاسبة، سوف يتوجه حتماً إلى البرلمان أولاً، أملاً في حل هذه المشاكل وسواها، وحين لا يجد ضالته هناك، فسوف يُصدم ويفقد الثقة في هذه المؤسسة التي انتخبها وعلّق عليها آماله الكبار. لكل هذا وغيره الكثير مما لا يتسع له المجال، فإن النقاش الحاد وعالي النبرة لا يطال مجلس النواب، بل تتوجه سهامه أيضاً إلى الحكومات بالنقد والمحاسبة تبعاً لمستوى الحرية المتاحة عبر المنابر التعبيرية، كما أن النقاش وبأية صفة أو طريقة جرى فيها بين النخبة الحاكمة وجمهور المحكومين، يعبّر عن الرغبة في المشاركة التي يطالب فيها الشعب عبر ما يُسمّى «التنمية السياسية»، كما يعبّر أيضاً عن حيوية المجتمع والطاقة الاستجابية للتعامل مع مخرجات مؤسسات الحكم وقراراتها وسلوكاتها إزاء المواضيع العامة. ما يثير القلق لدى الرأي العام، هو ذلك الإحساس الذي يصل إلى درجة الإيمان لدى بعض الذين في مواقع المسؤولية، بما فيها المؤسسة البرلمانية المنتخبة، بأنه منزّه عن النقد، وأنه لا يتقبل من أحد أن يحاسبه أو يتعرض لأعماله وأدائه في العمل العام، متناسياً أن من يحتل الموقع العام والمسؤولية هو موضع مساءلة دائماً عبر كل الوسائل المشروعة قانونياً، وأنه وسط معمعة «عمل سياسي» تتصادم فيها الآراء والمواقف والمصالح، وفي هذا الوسط تتم العملية السياسية محدثةً صراعاً وإرهاقاً قد لا يتحمله بعضهم.. وهنا ليس أمامه سوى أحد هذين الخيارين: - الاحتمال والتعايش والتفاعل الإيجابي مع ما يتعرض له من جانب الرأي العام والناس ومراكز الدراسات والبحث ووسائل الإعلام. - الارتحال عن هذه المواقع العامة غير المريحة وذات المركب الصعب الذي لا يتحمله بعضهم. إن القناعة الشعبية المتولّدة على صعد مختلفة وتبعاً لرصد مسيرة العمل النيابي في البلاد، وعلى مدى أربعة مجالس نيابية، قد انتهت إلى وجود ضعف شديد في أداء المجلس وقدرته على الرقابة والمحاسبة، وتسجيل الكثير من المثالب على هذا الأداء جعل المواطن يتساءل دائماً عن جدوى وجود مجالس كهذه، تحتويها الحكومات أو تسترضيها، ولا تلاحق بعض قضايا الفساد رغم تشكيل لجان تحقيق حولها، وتمنح الثقة للحكومات، وتقرّ الموازنات العامة بأغلبيات ساحقة! ولأن القناعة المتحصلة سلبية لدى الرأي العام عن صورة المجلس النيابي على هذه الشاكلة ليس المجلس الحالي فحسب، وإنما مجالس سبقته أيضاً- فإن الوقت قد حان للبحث في ما آلت إليه صورة المجلس لترقية الأداء، وتنظيم مكانته ودوره بين مؤسسات الدولة، تأسيساً على ما كانت عليه مجالس نيابية سابقة من عمر الدولة، كانت على مستوى الندّية للسلطة التنفيذية باستجواب الوزراء وسحب الثقة منهم، أو طرح الثقة بالحكومات. بغير ذلك، فإن ثقة المواطن كناخب ومشارك، سوف تتراجع، إن لم تكن تراجعت فعلاً، وفقدَ المواطنون الرغبة في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مما يعني خفض المشاركة المأمولة. وهذا ما يتطلب بالضرورة البحث في ثلاثة عوامل تسهم في صنع المخرج البرلماني أو المؤسسة النيابية: * مراجعة قانون الانتخابات العامة. * مراجعة قانون الأحزاب السياسية. * ومراجعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والمواد الناظمة لكل منهما في الدستور والتشريعات ذات العلاقة. على مدى سنوات مضت، أُعدّت عشرات الدراسات ونُظمت ندوات بمساعدة مؤسسات بحثية وأكاديمية محلية ودولية، حول المسألة البرلمانية تحت عناوين: التنمية السياسية، والتحديث السياسي، وبناء قدرات البرلمان والأحزاب، وتشريع قانون عصري للانتخابات، وتعزيز دور المجتمع المدني. خلاصات هذه الدراسات متاحة. وقد ارتكزت مكونات بعض الوثائق الوطنية، مثل الأجندة الوطنية، و«الأردن أولاً»، والميثاق الوطني، على هذه الأدبيات السياسية التي تشكل قاعدة للاسترشاد بها من جانب المشرعين وصانعي القرارات، وصولاً إلى ما يساعد في تطوير تجربتنا السياسية وتقوية المؤسسة البرلمانية ووظائفها. بغير ذلك، فإن العملية السياسية ستتسم بالجمود والضعف، وتولّد مؤسسات برلمانية صُوَرية تهدر بها أو من خلالها طاقة الدولة ومواردها، ويتهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي فيها. * الأمين العام السابق لمجلس النواب |
|
|||||||||||||