العدد 2 - راحلون | ||||||||||||||
جها كلّ يوم، اتّصلت به وسألته: «أنسيت يا أبا أدونيس أنّ إبراهيم مات قبل خمس عشرة سنة»، فردّ بضحكته المعروفة: «ولك يا فصيح كان عليك أن تفهم، فأنا قصدتك أنت، لأنّني ما زلت أقرأ إبراهيم في كتاباتك». في يومٍ قرأ لي ما لم يعجبه من موقف، فاتّصل معاتباً، وقال بما يشبه الغضب: «ولك يا باسم إنت ابن إبراهيم، فلست أنت صاحب القلم فحسب، بل عليك أن تفكّر مليون مرة قبل أن تكتب، لأنّ الحفاظ على اسم الرجل المحترم أوّل مسؤولياتك». وفي يوم آخر كتبتُ: «في بيتنا حرامي»، فكتب في اليوم التالي: «في بلدنا لصوص»، مميّزاً بين حرامي يسرق القليل لسبب الحاجة، وسياسيين يسرقون الوطن لأجل السرقة. لم يكن مسيحياً، بل قدّيس من أولئك الذين شقّوا في البرّية طرقاً تُرشد الناس، ولم يُكن مسلماً، بل شيخ طريقة تستعيد أوّل أربعين سنة من النقاء والصفاء، ولم يكن أردنياً، بل نبع سلطي أبدي يأتيك بالزُّلال، ولم يكن فلسطينياً، بل كان فلسطين الآتية من رحم سورية، ولم يكن إنساناً، بل ملاك سماوي عاش على الأرض في غفوة الشياطين.. جورج حداد، اسم محايد لرجل كان يمكن أن يعيش ويمضي كغيره من الناس، لكنّ أبا أدونيس كان يخلق في كلّ خطوة نمطاً، ويؤسس في كلّ موقف مواقف، ولا أظنّ أحداً عرف عنه زلة لسان، أو شطحة قلم، وسأختلف مع كلّ من سيكتبون عنه بأنّه كان قومياً سورياً، لأقول إنّه بدأ كذلك، ولم ينتهِ عمره إلاّ رجلاً يمثّل ضميراً عربيّ القلب واللسان، إنسانياً في شموله الدنيا ومن فيها. أبا أدونيس، يا أبا أدونيس الحبيب، من مسيحيتك الخالصة كتبتَ أنّ العهد الجديد ليس جزءاً من القديم المزيّف، المزوّر، وحين كانت روما تتزلّف لهم كنت تُعلن بلسان الشرق أنّ: لا، فرأس يوحنا المعمدان ما زال حاضراً.. وحين ظلّت الوحشية تُحطّب زيتون القُدس لنار الشيطان كُنت تصرخ: هُم الشياطين.. وقد كُنتَ الملاك المقدسيّ، في زمن لم يعد لقُدسنا فيه من مُخلّص، ولا من حبيب. |
|
|||||||||||||