العدد 2 - راحلون
 

قبل أربعين عاماً، حمل مشعل الهلسة «شربل» بندقيته، والتحق بالثورة الفلسطينية مقاتلاً في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

الدراسة في ألمانيا لم تكن إلا محطة على هذه الطريق، هجرها بعدما ضيق الموساد الإسرائيلي الخناق عليه.

ارتبط مصيره بمصير الثورة، عاش لحظات الانتصار والانكسار، وتنقل في المنافي من اليمن إلى الجزائر، ذاق مرارة السجن والمعتقلات الإسرائيلية، وأمضى أكثر من عام ونصف العام في معتقل أنصار، اعتقدت عائلته خلالها أنه شهيد في معارك جبل لبنان.

بعد خروجه من معتقل أنصار حيّاً، ظلت والدته المرحومة أم فيصل تردد: «طلع من فم الموت».

لم نكن نتصور أن من تجاوز كل هذه الصعاب سيموت يوماً، لكنه رحل قبل أسابيع بعد صراع بطولي مع مرض السرطان.

الوصية تقليد الأغنياء يفصّلون فيها أملاكهم، ويوزعون التركة على الورثة، أما الفقراء فلا يتركون وصية، فهم لا يملكون.

شربل خالفَ التقليد وترك وصية.

آمن شربل أنه يمتلك كنزاً ثميناً يستحق أن يوصي به، هو بالنسبة إليه: الوطن.

«لن أورثكم أملاكاً، لأنني أفتخر بأنني من الفقراء، لن أورثكم سوى كنز ثمين وغالٍ هو الوطن»، يقول شربل في وصيته.

لم يهزه الموت، رغم قناعته بأنه وشيك، ظل يحتفل بالحياة حتى اللحظة الأخيرة، لا بل بعد موته أيضاً: «سأبقى متمسكاً بما حلمت، ولن أعتزل الحياة ما دمتم فيها أنتم أحياء».

شربل، صديق الصغار قبل الكبار في قريته حمود، عاشق الحياة حتى الجنون، ورفيق الكلاشنكوف إلى آخر يوم.

كل ما حلّ بالثورة الفلسطينية من نكسات، لم يهز قناعته بـ«الخط الثوري السليم».

ظل ممسكاً بالبندقية وسط غابة من الرايات البيضاء، كان صوت رصاصات الكلاشنكوف آخر ما طربت عليه آذانه قبل أن يوارى الثرى.

رحل شربل تاركاً الوطن وفلسطين في عهدة الأحياء.

شربل.. رحل ولم يعتزل الحياة
 
01-Aug-2009
 
العدد 2