العدد 1 - اجتماعي | ||||||||||||||
المهنة 35 عاماً، يوافقه الرأي، ويقول إنه إضافة إلى أن عدد مرتادي مركزه من الرجال مساوٍ تقريباً لأعداد النساء، فإن «الفكرة السائدة عن كون طالبي صبغ الشعر هم فقط من الفئات المتقدمة في العمر خاطئة، فكثير من الزبائن هم في الثلاثينيات، وهناك أيضاً ممن هم في العشرينيات». الثابت أن صباغة الشعر ليست ابتكار العصر الحديث، فقد أثبت العلماء أنها كانت جزءاً أساسياً من العادات التجميلية للسلالات القديمة من الفراعنة، والصينيين، واليونانيين، والرومان، والفارسيين، وكانوا يستخدمون وصفات للصباغة قائمة على مكونات طبيعية، مثل الحنّاء لإعطاء اللون الضارب للحمرة، وورق التوت للأسود الداكن، وقشرتَي الباذنجان والكمثرى للبني، وورق البصل للكستنائي، إضافة إلى البابونج الذي يعطي اللون الأشقر. صبغ الشعر للرجال والنساء، وسيلتهم لتغطية الشعر الأبيض، والاحتفاظ بمظهر أكثر شباباً. لكن كثيرين من الذين يرون الظاهرة مقبولة للنساء، يتحفظون عليها عندما يتعلق الأمر بالرجال، بخاصة عندما يكون صبغ الشعر تعبيراً عن هوس يصيب صاحبه، الولِع بالبقاء شاباً. الأمر الذي تنتقده جنان 49 عاماً، فزوجها الذي يكبرها بستة أعوام يصبغ شعره بانتظام منذ كان في الرابعة والأربعين من عمره. «لا أفهم أبداً من أين جاءته القناعة بأن شكله بالصبغة أفضل، بالعكس، أشعر أن الأمر مثير للشفقة، أعني محاولته الظهور بمظهر الشاب، فكل ما عدا شعره يكشف عمره الحقيقي». لكن حسام، 67 عاماً، الذي يصبغ شعره منذ 19 عاماً، يقول إن ذلك يشعره بالثقة أكثر في نفسه، ولا يرى سبباً لانتقاد الظاهرة. «أنا حرّ، أفكر بالمسألة بهذه الطريقة، الشعر الأسود يحسّن نفسيتي، لهذا أفعل ذلك». أخصائي الطب النفسي محمد الحباشنة، يرى أن الاهتمام بالمظهر أمرٌ طبيعي للرجل والمرأة، لكن ما هو خاطئ أن يتحول الأمر إلى «مرض»، يكون سببه، بحسب الحباشنة، عدم تقبل المرء حقيقةَ أنه تقدم في العمر. «أحياناً يكون صبغ الشعر جزءاً من محاولة فاشلة يقوم بها الشخص للتشبث بشباب لن يعود، ويحدث ذلك مع أشخاص يتقدم بهم العمر ولا يكونون راضين عن إنجازاتهم، ويشعرون في المقابل أن الوقت المتبقي لهم غير كاف لتحقيق طموحاتهم». أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية سري ناصر الذي يميزه شعره الأبيض الكث، يؤكد على ذلك بالقول: «إن التقدم في العمر حقيقة واقعة، وعدم تقبل الفرد لهذه الحقيقة يصيبه بالإحباط، ويعطّل طاقاته، وفي أحيان كثيرة يعزله عن الواقع». لكن الفزع من الشيب لا يقتصر على المتقدمين في العمر فقط. جمال، مثلاً 37 عاماً، يصبغ شعره منذ أربع سنوات، لاعتبارات وراثية بدأ ظهور الشيب لديه في سن التاسعة عشرة، وعندما أكمل الثلاثين كان شعره رمادياً. «كان عمري ثلاثين سنة عندما بدأوا يقولون لي: عمو، وحجي. هذه كلمات موجعة إن كنت في الخمسين من عمرك، فما بالك وأنت في أول شبابك؟». لكن جهاد، 41 عاماً، ورغم أن حالته أكثر تطرفاً، لا يشارك جمال رأيَهُ. فهو أيضاً ولاعتبارات وراثية بدأ الشيب بالظهور في شعره ابتداء من سن الخامسة عشرة. «عندما تخرّجت في الجامعة، كان شعري أبيض بالكامل، وعندما خطبت، كانت قريبات خطيبتي يقلن لها إنني أبدو عجوزاً». عندما يبدو منظر الشبان الذين يصبغون شعورهم متناسقاً، فإن الأمر ليس نفسه في حالة الرجال المتقدمين في السن الذين يفعلون ذلك، وهو ما يعبّر عنه حاتم، 68 عاماً، الذي بدأ يصبغ شعره في سن الثالثة والعشرين، نتيجة ظهور الشيب لديه مبكراً، ولم تكن العملية في تلك الأيام سهلة كما هي الحال الآن، فقد كان يذيب قرص أكسجين في الماء، ثم يخلطه بكريم الصبغة، ويدهن به شعره. كان ذلك في الستينيات ولم تكن هناك حينئذ مجففات شعر، فقد كان يجلس في الشمس حتى يجف شعره. استمر حاتم في صباغة شعره 20 عاماً، ثم كفّ عن ذلك بعد أن تقدم به العمر. «لم أعد أرى أن منظري مقبول، لأنه لم يكن متناسقاً: وجه متغضن، مع شعر فاحم دون شعرة بيضاء واحدة، لهذا كنت أتحايل، فأترك أحياناً عند الصباغة بضع شيب هنا وهناك، لكن ذلك لم ينفع أيضاً». وأخيراً أقلع حاتم عن صبغ الشعر، قائلاً: «مرتاح، لأنني على طبيعتي». «المظهر غير المتناسق» الذي يتحدث عنه حاتم، يصفه الحباشنة بـ«الهجين»، ويؤكد أن الأمر مرتبط بحرية الفرد ونظرته الخاصة لذاته، ويفصح عن رأيه الشخصي إزاء ذلك: «أستغرب فعلاً عندما أرى رجلاً في السبعين من عمره، وشعره فاحم السواد، هذا يخلق تنافراً هائلاً، ويضفي على الشخص مظهراً غريباً». حياة من يبدأ بصباغة شعره ليست سهلة، بخاصة أولئك الذين يغلب الأبيض على شعورهم. وفق خبير التجميل رامز النسعة، فإن عملية الصباغة الكاملة للشعر يجب أن تتم مرة كل شهر تقريباً، وفي منتصف الشهر يكون هناك صبغ لجذور الشعر الأبيض التي تبدأ بالنمو. وهي العملية التي يسميها حاتم: «الصيانة». «أنا أكره هذه المرحلة جداً، وأشعر أنني أبدو مثيراً للسخرية، عندما يصبح شعري بلونين، ولا أرتاح إلا عندما أقوم بصباغته مرة أخرى». إذا كان الشعر يحتاج إلى «صيانة» كل أسبوعين، فإن «الشنب» يحتاج إلى أكثر من ذلك، لأن معدل نمو شعر الشوارب أسرع من معدل نمو شعر الرأس، وبذلك فإن الجذور البيضاء لشعر الشوارب تبدأ بالظهور بعد يومين أو ثلاثة من الصبغة. لذا تقول جنان إنها وزوجها يستخدمان قلم المسكارا نفسه. «لا يستطيع طبعا صبغ شواربه كل ثلاثة أيام، لهذا يستخدم قلم المسكارا أو الآي لاينر خاصتي لتغطية البياض». ناصر يُلقي باللائمة على وسائل الإعلام، التي يرى أنها كرّست الصورة المثالية التي يجب أن يكون عليها الشخص. «في الإعلانات، والأغاني، والبرامج الحوارية، تركيز كبير على شخصيات شابة وجميلة، تُطرح بوصفها الصورة المثالية لما يجب أن يكون عليه الشخص». يضيف ناصر: «يتم استثناء كل الأبعاد الأخرى التي تكوّن الشخصية من علم وثقافة وخبرة وأخلاق، ويجري اختزال المرء في صفتين فقط: الشباب والجمال». يلفت ناصر النظر إلى مفارقة ملموسة في الدراما تعزز هذه الفكرة. «في الغالب، الشخصيات الخيّرة في المسلسل أو الفيلم هي الأصغر سناً والأجمل، والشخصيات الشريرة متقدمة في السن وقبيحة». حباشنة يقول إن تقبل الفرد لذاته، وللمرحلة العمرية التي يمرّ بها بتغيراتها كافة، دليلٌ على صحته النفسية، وإن محاولة التشبث عبثاً بشبابٍ ولّى مجرد آلية دفاعية لا تشكل تعويضاً حقيقياً. وهذا ما يعبّر عنه حسين (61 عاماً)، فرغم أن شعره وشواربه مكتملا البياض، إلا أنه لم يخطر له إطلاقاً أن يلجأ للصبغ. حسين الذي يقول إنه يشعر بنفسه جميلاً دون أن يتجمل، يرى أن «الرجل يمكنه أن يكون جذاباً إن احتفظ بروح شابة لا بشعر أسود». |
|
|||||||||||||