العدد 1 - اجتماعي
 

«السّجل» اتصلت مع 60 من ربات المنازل في منطقَتي عمّان الغربية والوسطى، أعمارهن بين عشرين وخمسين عاماً، لمعرفة اتجاهاتهن إزاء مشاهدة التلفاز، والبرامج التي يفضّلنها.

نتائج الاتصالات كشفت أن 20 في المئة فضّلن البرامج الحوارية، و20 في المئة المسلسلات التركية المدبلجة، واتجهت 7 في المئة للدراما العربية، و10 في المئة لمتابعة البرامج الدينية، و12 في المئة للأخبار، ولم تتجاور نسبة مشاهدة برامج الطبخ 8 في المئة، و5 في المئة لقنوات الغناء. وهناك 5 في المئة من المتصّل بهن، كشفن عن عدم متابعتهن لأيّ برامج تلفازية.

العشرينية فداء خليل، بكالوريوس نظم معلومات إدارية وأم لطفلة، تسكن خلدا، ردّت شغفها اليومي بالمسلسلات التركية إلى «جرأة هذه المسلسلات في أسلوب الطرح»، بينما دافعت الثلاثينية سلوى خوري، الحاصلة على شهادة الثانوية العامة، والأم لبنتين وولد، من سكان عبدون، عن الدراما الأجنبية بشكل عام لـ«غناها بالحس الفكاهي المختلف عن الدراما العربية». أما الخمسينية غادة عطا الله، دبلوم سكرتاريا، والأم لبنت وولدين، تسكن مرج الحمام، فوجدت في الأخبار والبرامج الثقافية الحوارية والاجتماعية «معرفة وتثقيف متجددَين».

اختصاصي علم النفس الاجتماعي حلمي ساري بيّن لـ«السّجل» أن النتائج التي كشفت عنها هذه الاتصالات، تعكس نظرية في الإعلام تسمى «الاستعدادات والإشباعات»، يُشبع فيها الفرد احتياجاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال إحدى وسائل الإعلام.

ساري وضّح أن مراحل النضوج العمري تتحكم غالباً بخيارات المشاهدة، مشيراً إلى أن «إقبال كثير من العشرينيات على المسلسلات التركية سببه حاجتهن للعاطفة، أما إقبالهن بنسبة مماثلة على البرامج الحوارية فهو مرتبط بالميل لسرعة تلقي المعلومات».

البرامج الثقافية الحوارية ذاع صيتها مع أوبرا الذي تقدمه الأميركية أوبرا وينفري، وهو برنامج حواري بدأ بثه منذ ربع قرن، وتطرّق لموضوعات عائلية ومجتمعية مختلفة، حصدت نسب مشاهدة مرتفعة جداً بحسب تصنيفات مجلة فوربس العالمية.

أما موجة المسلسلات التركية، فبدأت العام 2008 بعرض المسلسل التركي «نور» المدبلج للعربية بلهجة سورية على قناة (mbc4). يروي المسلسل قصة ابن العائلة الثرية مهند الذي فقد خطيبته في حادث مفاجئ ليرتبط بعدها بزوجته «نور».

المسلسل هوجم من جهات محافظة، منها مجلة سيدتي التي استغربت تطرقَ وزيرة الثقافة الأردنية السابقة نانسي باكير للعلاقات الدبلوماسية بين الأردن وتركيا في حفل أقيم احتفاءً بالممثل «كيفانش» الذي مثّل دور «مهند»، خلال زيارته لعمّان في تموز /يوليو 2008. كما أن المحاضر في جامعة القدس المفتوحة محمود الحريبات تطرق في مقالة له بعنوان «إلى متى تستمر مهزلة المسلسلات التركية؟» في مجلة أدبيات (15 آذار/مارس 2009) لـ«المخاطر العقلية والنفسية للدراما التركية على المنظومة القيمية للشباب العربي»، على حد تعبيره.

وحرّمت بعض الفتاوى الشرعية في السعودية بثّ المسلسلات التركية. من بين الفتاوى تلك التي أصدرها الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي وصف الفضائيات التي تبثها بأنها «محاربة لله ولرسوله».

هذه المعارضة لقيت أذناً صماء عند معظم متابعي المسلسلات المدبلجة، الذين طلبوا المزيد منها، وتعلّقوا بأبطالها إلى حد كبير.

المخرج والممثل الأردني محمود الزيودي، يعزو نجاح المسلسلات التركية إلى «ما فيها من أفكار إنسانية محرمة في ثقافتنا».

الزيودي الذي أخرج أكثر من 65 عملاً درامياً أشهرها «هبوب الريح» و«وجه الزمان» و«الطواحين» و«التبر والترابم»، يرى أن «الإعلام العربي، بما فيه الفضائيات، مملوك لمؤسسات شبه حكومية مرعوبة من المحرمات وتمارس الرقابة بشكل يمنع توجه الدراما العربية لأفكار شبيهة».

وتابع في اتصال هاتفي أجرته معه «السّجل»، أن توجُّهَ المجتمع العربي نحو المسلسلات التركية سببه «ما تتضمنه هذه المسلسلات من حداثة وتجديد، ولما تكشف عنه من مظاهر الحياة العصرية، مثل السيارات والأجهزة الخليوية وغيرها».

موعد متابعة المسلسلات التركية أصبح طقساً يوميّاً عند الكثيرات، وأحياناً سبباً لخلافات ومناوشات عائلية تترافق مع موعد البث اليومي.

كارمن الطاهر، 47 عاماً، بكالوريوس اقتصاد، تسكن في منطقة تلاع العلي، تتابع المسلسلات التركية. كارمن وجدت في توافر أربعة أجهزة تلفاز في المنزل «حلاًّ» يخلصها من «النكد المسائي» لزوجها، على حد تعبيرها.

بعكس وجهات النظر المحافظة، يقول أستاذ علم الاجتماع ودراسات المجتمع العربي مجد الدين خمش، إن «هذا الاختلاف الذوقي النوعي له آثار إيجابية»، كما يرى في تملُّك الطاهر وغيرها أكثرَ من جهاز تلفاز في البيت، انعكاساً لـ«المستوى المعيشي الجيد للعائلة الأردنية».

ديما الفرح، ذات الأربعة والعشرين ربيعاً، ذهبت إلى أبعد من ذلك، لتستعيض عن مشاهدة التلفاز، بالتوجّه للإنترنت «الأقل تكلفة»، كما تقول.

العشرينيات شكّلن 13.3 في المئة من المتصل بهن، واتجهت 50 في المئة منهن للمسلسلات التركية المدبلجة، بينما توزعت النسب الباقية بالتساوي بين البرامج الدينية والأخبار والمسلسلات العربية والأجنبية.

السيدات بين 30 و40 عاماً اللواتي شكلن ما نسبته 46.6 في المئة من العينة الإجمالية، فضّلت 25 في المئة منهن، متابعة الدراما الأجنبية، وامتنعت 7.4 في المئة عن متابعة التلفاز. وآثرت 28 في المئة ممن تجاوزت أعمارهن أربعين عاماً البرامج الثقافية الحوارية، بينما امتنعت 4 في المئة عن المشاهدة.

أشكال الرقابة المختلفة والموقف المحافظ والفتاوى، يبدو أنها لن تَحُول بين المشاهد والتلفاز، لذلك من الضروري فتح أبواب الحرية الفكرية والإبداعية، أمام أعمال درامية عربية من شأنها إحداث التغيير، والنهوض بمستوى المشاهدة.

ربّات البيوت والتلفاز: شغف بـ«المدبلج» والبرامج الحوارية
 
01-Jul-2009
 
العدد 1