العدد 1 - ترحال | ||||||||||||||
عند التخطيط لزيارة هذه المنطقة، يتبادر إلى ذهن المواطن أو السائح تلك المياه المالحة، والشاطئ، والمنتجعات الفارهة التي تتناثر حول الماء. لكن عند التمعن، يتبين أن منطقة البحر الميت تتمتع بمقومات ليس لها مثيل في العالم، بخاصة بما يتعلق برياضة المسير والتسلق. لذا، كانت أودية البحر الميت الخيار الأول لهذه الصفحة، حيث تشتهر المنطقة بأوديةٍ يُعدّ المسيرُ فيها «سهلاً ممتنعاً». بدأت الرحلة من ما يسمّى «منطقة الفنادق» للدخول عبر ممرات معروفة إلى وديان البحر الميت، حيث «شددنا الرحال» إلى وادي حمارة. الوادي لا يميزه عن سواه من وديان البحر الميت الـسبعة، سوى أن عناء المشي الطويل على طريق رملية ينتهي بجائزة كبرى، هي الوصول إلى أعلى شلال في الأردن تنهمر منه مياه عذبة باردة من ارتفاع 80 متراً. الرحلة تبدأ عند مدخل الوادي من «الشارع الرئيسي» على ساحل البحر الميت. المشي في البداية سهل، تتخلله منابع صغيرة للمياه الجوفية تحيط بها شجيرات تعيش على «فورة المياه» من فينة لأخرى. لكن بعد نحو كيلومترين، يبدأ الوادي بـ«التكشير عن أنيابه» أمام المتطفّلين على أرضه العذراء، إلا من خطى البدو الرحَّل الذين عايشوه إلى حدّ الأخّوة، عرفوه وعرفهم، وفكّوا ألغازه وطرقه الوعرة. أبناء المدن يقعون فـي متاهات عديدة لا يخفف وطأها عليهم سوى معرفة أن الوادي في النهاية قابل للترويض، يقبل العثرات ويهيئ لما هو أصعب وأجمل، في الخطوات اللاحقة. تزداد دروب الوادي صعوبةً، وتكبر الصخور التي يتعين تسلقها للوصول إلى ممرات خلقتها إما عنزات تقضم ما تتكرم به نواحي الوادي بين فينة وأخرى، وإما بدو بحثوا عن مياه عذبة باردة برودة الثلج تنبثق من هنا وهناك.. ويبدأ انحدار الوادي وتزداد صخوره حدّةً حتى الوصول إلى سفح أول جبل يجب تسلقه. الجبل هنا أذكى من أي متسلق. ينظر إليه المرء فيخال أنه سهل ارتقاؤه، لكن المفاجأة أنه كلما تسلق المرء أكثر زادت مشقة التسلق، حتى إن الحجارة التي يستعان بها للاتكاء عليها تصبح أضعف على الرمال، ويصبح الإمساك بها كالقبض على غيمة متحركة. اجتياز المئة متر الأخيرة قبل الوصول إلى قمة الجبل شبه مستحيل، دون مساعدة من متسلقين متمرسين يمدون حبل النجاة الذي يتعلق به المتسلق كقشة أخيرة. هنا كانت المفاجأة، أجمل منظر للبحر الميت من هذا الجبل، حيث يبدو البحر المالح صفحةَ زجاج زرقاء، لا يشوبها سوى غيمة بيضاء تروح وتغيب لتأتي أخرى أجمل منها تصافح زرقة البحر لتشكّل منظراً فردوسياً. ربما يخال لكثيرين أن الرحلة أشرفت على نهايتها، وهي هنا الوصول إلى ذاك الشلال الساحر الموعود. لكن الطريق إليه ما زالت طويلة، وكأن الطبيعة تقول هنا إنه لا جنى من غير تعب. الشلال الذي يمكن رؤيته من قمة الجبل كخيط رفيع يكبر كلما مشينا باتجاهه. المشي هنا يصبح أصعب، وينحدر الجبل ليجعلك تمشي بـ«المَيل» لكيلومترات عدة تصل بعدها إلى شلال صغير. «وصلنا إلى الشلال؟». منظم الرحلة رمزي طبلت يصغي للسؤال الملهوف. طبلت مؤسس مجموعة سير مجانية اسمها (Walking Jordan)، تنظم رحلات استكشافية مجانية مرات عدة في السنة. «لا»، قال مبتسماً، «هذا نبع صغير.. الشلال في الأعلى. بقليل من الصعود يمكن رؤيته». هذا هو الجزء الأكثر تميزاً في الرحلة. شلال كبير ينحدر «من السماء» بارتفاع 80 متراً، تقع تحته بركة مساحتها نحو 100 متر تسكنها الطحالب. بعد قضاء بعض الوقت حول البركة لالتقاط الصور التذكارية وغداء خفيف، تبدأ رحلة العودة. النزول عن ذاك الجبل صعب جداً، لذا لا بد من اتخاذ طريق بديلة وعرة، لكن انحدارها أقل. صخور صغيرة صلدة وملساء تملأ الطريق التي كلما واصل المرء الانحدار عبرها، يندم على ارتداء حذاء أملس غير مخصص للمسير والتسلق، وهذا ما ينبغي تذكره جيداً في الرحلة المقبلة إلى ضانا.
التسمية يتردد أن تسمية وادي حمارة جاءت من حمارة ضاعت ولم يتمكن البدو الرحل من العثور عليها رغم محاولات عديدة. لغز اختفاء الحمارة كان محيّراً لدرجة أن الوادي سُمّي بهذا الاسم.
نصائح لهواة التسلّق تقدم الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، التي كُلفت بحماية مناطق الأردن الطبيعية المختلفة، نصائح للراغبين في ممارسة رياضة التسلُّق. - لرحلات التسلق الطويلة، انتعل أحذية تسلُّق ذات نعل قوي، لأن الأحذية الخفيفة قد تؤذي ظهرك عند القفز من صخرة لأخرى. - حاول أن لا تقلب أيَّ صخرة، وإن فعلتَ ذلك، لا تُعِدْها كما كانت. الصخور بيئة ملائمة لعدد من الكائنات، حيث تتوافر لها ظروف بيئية خاصة من حيث الرطوبة والإضاءة. - عندما تذهب لتصوير الطبيعة، تأكد من أنك تحمل معك كاميرا جيدة و3 أنواع من العدسات: 300 - 500 مليمتر، عدسة مصغرة، والعدسة الواسعة. وتذكّر أن تحمل معك منصة التصوير، وحقيبة فلاش مضادة للماء، وحقيبة ذات نوعية جيدة. - لا تقم بالتقاط الزهور والنباتات البرية، فهي تشكل بيئة لعدد من الكائنات الحية، بخاصة الحشرات، كما أنها توفر الغذاء والمأوى لعدد من الطيور. ولا تحاول تذوُّق أيٍّ من النباتات البرية إلا إذا كنت على يقين من أنها صالحة للأكل، فبعض النباتات البرية يمكن أن تكون سامة. - عندما تقوم بالتسلُّق لا تضع يدك داخل أي جحْر، لأنك لا تعلم ما يمكن أن يتواجد في داخله. لا تحاول إخافة الزواحف، ولا تُصَب بالذعر إذا رأيت أفاعي، وحافظ على هدوئك، فالأفاعي لا تهاجِم. |
|
|||||||||||||