العدد 1 - العالم | ||||||||||||||
لم تكن (ر) تعرف أن ساعات قليلة فقط ستفصل بين «أجمل ليلة في حياتها»، و«أسوأ يوم». لم تكن تتخيل بعدما كانت ترقص مع عريسها مزهوّة في ليلة زفافهما، محاطَين بعائلتيهما، أن الجميع سيلتقون ثانيةً في صباح اليوم التالي، لكنْ في مشهد مغاير تماماً، إذ ستدخل (ر) إلى المركز الوطني للطب الشرعي صفراء الوجه، زائغة العينين، مصحوبة بعائلتها وعائلة زوجها، كي تخضع لفحص طبي يُثبت عذريتها. فزوجها في ليلة الدخلة لم ير الدم، علامة العذرية. بقي الجميع في الخارج، زوجها وعائلته، بنظراتهم المشككة واتهاماتهم الصامتة، وأهلها برؤوسهم المنكَّسة. أشقاؤها كانوا متحفزين، وقد أعلنوا صراحة أنهم سيقتلونها إنْ لم تثبت «براءتها». لكن النهاية كانت سعيدة، فقد نالت (ر) تقريراً يفيد أنها عذراء. والأشقاء الذين كانوا مستعدّين لارتكاب جريمة قتل اشتروا «حلوان» وزّعوه على موظفي المركز، أما التقرير فقد تمت طباعة ألف نسخة منه، تم توزيعها على أهالي البلدة. هذه واحدة من قصص كثيرة يشهدها المركز الوطني للطب الشرعي، لفتيات يأتين برفقة أزواجهن وأهاليهن، ويخضعن لفحص طبي يقرر إنْ كنَّ عذراوات أم لا. وبحسب تصريحات أدلى بها مدير المركز الوطني للطب الشرعي، مؤمن الحديدي، مؤخراً، فإن المركز يُجري 1200 فحصَ عذرية سنوياً. و يتم بأمر من المحكمة من أجل نفي حوادث الاغتصاب أو إثباتها، أو لإثبات الادعاء بالعنّة الذي تتقدم به النساء ضد أزواجهن، أو لرغبة الرجل التأكد من عذرية عروسه قبل الزواج، وهناك فئة من الأزواج الذين لا يلحظون نزول الدم، الدالّ على العذرية بحسبهم، في ليلة الزفاف، فيأتون مباشرة للتأكد. وهناك فتيات يتقدمن إلى الفحص من تلقاء أنفسهن، للاطمئنان على وضعهن، بحسب تصريحات الحديدي. هناك أيضاً فحوص العذرية التي تجري للطفلات اللواتي يتعرضن لحوادث تسبب جروحاً في المنطقة التناسلية، ويرغب أهاليهن في الاطمئنان، حيث تُمنح الطفلة التي يثبت حدوث تمزق لديها في غشاء البكارة نتيجة الحادث، تقريراً طبياً بذلك. الرقم الذي كشف الحديدي الستارَ عنه أثار ضجة كبيرة، وتساءل كثيرون إن كان فحص العذرية سيصبح أحد بنود فحص ما قبل الزواج، وهو بند يفرضه الناس لا الحكومة. الطبيبة الشرعية إسراء الطوالبة، تنفي أن يكون الأمر بالطريقة التي صورتها وسائل الإعلام، فأغلبية فحوص العذرية التي يُجريها المركز تكون لأزواج يأتون بعد ليلة الزفاف، يريدون التأكد من عذرية زوجاتهم، لأنهم لم يشاهدوا علامة العذرية. الفحص تجربة مريرة تخوضها الفتاة، وتضطر خلالها إلى مواجهة ضغط نفسي هائل. (ل) تبلغ من العمر 27 عاماً، تعرضت إلى تحرش جنسي عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، من أحد الجيران، وقد فزعت لدرجة أنها لم تخبر أحداً، وظلت طوال سنوات مرعوبة من فكرة أنها فقدت عذريتها، لكنها لم تمتلك أبداً الشجاعة لإجراء الفحص. وصل الرعب لديها مداه عندما بلغت الثانية والعشرين من عمرها، وتقدم شاب لخطبتها. «لم يعد هناك مفر. ذهبت إلى طبيبة نسائية، وكنت خائفة بشدة من الفحص ومن النتيجة، ثم أصابني خجل شديد عندما استلقيت على كرسي الفحص وطلبت مني الطبيبة أن أباعد بين ساقي، حيث شعرتُ بجسمي يتشنج بشكل لا إرادي». تقول (ل) إن الطبيبة استطاعت بصعوبة كبيرة إكمال الفحص، حيث اتضح في النهاية أنها عذراء. الطوالبة تقول إن الفتيات اللواتي يخضعن للفحص يكنّ في حالة نفسية شديدة السوء. «نحاول في المركز طمأنة الفتيات، لكنهن في الغالب يُصَبن بالذعر، وتتشنج أجسادهن، بخاصة عندما تكون لجنة الفحص مكونة من أطباء شرعيين عدة». باستثناء الحالات التي يُجرى فيها الفحص لإثبات حدوث اعتداء أو نفيه، فإن حقوقيين ينتقدون بشدة فحص العذرية، ويعدّونه انتهاكاً لجسد المرأة وإنسانيتها. المحامية لين الخيّاط تقول: «إن السند القانوني الوحيد لإجراء الفحص هو في حالة إثبات جريمة الاغتصاب أو نفيها، أو عندما تدعي المرأة على زوجها بالعنّة، ما عدا ذلك ليس قانونياً، ويمثل انتهاكاً لمبادئ حقوق الإنسان التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية». الطوالبة توافق خيّاط على أن الفحص يمثل انتهاكا للمرأة، وتشرح إن المركز «مع ذلك مضطر لإجراء هذه الفحوص من أجل حماية المرأة، فالفتاة التي تثبت عذريتها تتم حمايتها من الطلاق وحتى من ارتكاب جريمة قتل، أما الفتاة التي يثبت العكس، فيتم حمايتها أيضاً، لأنها تسلَّم إلى إدارة حماية الأسرة، حتى لا تطارَد من قبل عائلتها». لكن خيّاط ترى أن الحماية التي يقدمها القانون للفتاة في حال ثبوت عدم عذريتها هي «حماية غير حقيقية»، فما يحدث هو أن الفتاة تُرسل إلى المحافظ لتخضع إلى التوقيف الإداري، وإذا لم يتعهد أحد من أفراد أسرتها بالحفاظ على سلامتها، فإنها ستظل موقوفة إلى الأبد. «الحماية الوحيدة هي في إجراء تعديلات على القانون تضرب على أيدي من يحملون سيوف الشرف، وتكفل للفتاة حقها في أن تكمل حياتها بشكل طبيعي»، تقول خيّاط، وتضيف: «حتى إن أخطأت المرأة فالرجل يخطئ أيضاً، وأخطاؤه أكبر من أخطائها». رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان عدنان بدران، يقرّ بأن الفحص «يتعارض مع الاتفاقيات الدولية»، ويستدرك بالقول إن المركز مع ذلك، «لا يستطيع التدخل إلا عندما تتقدم الفتاة بشكوى تقول إنها أُجبرت على إجراء الفحص، لكن ما يحدث هو أن الفتيات يخضعن للفحص برضاهن». خيّاط ترفض ذلك، وتقول إن الاتفاقيات الدولية هي، في كل الأحوال، أقوى من القوانين الوطنية، أما موافقة الفتاة فلا يمكن الاعتداد بها، لأن الفتاة بحسْبها تكون تحت ضغوط مجتمعية هائلة لإثبات براءتها. الطوالبة، ومن خلال تعاطيها مع الكثير من الحالات، تؤكد أن موافقة الفتاة ليست حقيقية، وأن الفتاة مجبرة على الفحص، وحتى لو جاءت مع أهلها أو زوجها وخضعت للفحص دون مقاومة، فهي مضطرة له كي تثبت «براءتها»، لأنها في الغالب تأتي وقد تلبّستها التهمة، وخضعت للتشهير من أهل الزوج. «في حالات نادرة يأتي الزوج مع زوجته دون مرافقة أحد، ويطلب إجراء الفحص بخصوصية، لكن في حالات كثيرة تأتي العائلتان بكامل أفرادهما، الوالدان والأعمام والأخوال وحتى الأجداد، ويتم التراشق بعبارات نابية مثل: أنتم أعطيتونا مرة مش بنت، أو أعطيتونا بنت مستعملة». تضيف طوالبة: «هناك فتاة عمرها 17 سنة جلبها سبعة أشقاء لها وكانوا مسلّحين، البنت كانت مضروبة بشدة.. من يستطيع الادعاء هنا إن الفتاة غير مجبرة على إجراء الفحص». ما يثير التساؤل، كما تقوله الطوالبة، هو أنه بعد أن تُتَّهم الفتاة من زوجها وعائلته، فإنها تعود لإكمال حياتها معه بعد تسلّمه تقرير عذريتها. «ما يحدث هو أنهن يشعرن بالامتنان لظهور براءتهن، ويقلن إنهن لا يردن سوى الستر». بالنسبة لأخريات، فإن الشرخ الناتج عن التجربة يكون أعمق بكثير من القدرة على تجاوزه، ويمثل ذلك حالة (ع) وتبلغ من العمر 35 عاماً. (ع) التي تعمل أستاذة جامعية، كانت من اللواتي تعرضن لتجربة الفحص المريرة، فهي لم ينزل الدم منها ليلة زفافها، ما أدى إلى ثورة زوجها واتهامه لها بأنها كانت لها علاقات سابقة. (ع) صعقت باتهامات زوجها لها، وتشكيكه في أخلاقها، ولأنه لم تكن لها خبرات سابقة، ولأنها لم تكن مثقفة جنسياً بما يكفي، فقد بدأت تتذكر حوادث من طفولتها فكرت أنها ربما كانت السبب للحالة، مثل وقوعها ذات مرة، أو ركوبها الدراجة في طفولتها. لكن ذلك بالتحديد زاد من ثورة زوجها، وجعل شكوكه تتحول إلى يقين، فقد اعتبر أن ما بدأت تسرده من حوادث هو مبررات تحاول بها خداعه، ما دفعه إلى التشهير بها لدى عائلته وعائلتها، وتوجيه عبارات شديدة الإيذاء لها. (ع) ذهبت إلى المركز الوطني للطب الشرعي، وخضعت للفحص الذي أثبت عذريتها. وقد استخدمت التقرير في قضية رفعتها لاحقاً على زوجها اتهمته فيها بالقدح والذم والتشهير. خيّاط تقول إن مجرد طلب شخص من المرأة أن تقوم بإجراء الفحص لا يعدّ في القانون ذماً وقدحاً، ولكن «إذا قام الشخص بتوجيه اتهامات صريحة يطعن فيها بشرفها، سواء كان ذلك بالكلام أو حتى بالإشارة باليد، فإن من حقها أن ترفع عليه دعوى». لكنها تؤكد مع ذلك على أن القانون يميّز ضد المرأة. مثلاً المرأة التي تدّعي على زوجها بالعنّة، تُعرَّض إلى فحص العذرية مرتين، أول مرة عند رفع القضية، والمرة الثانية بعد عام، وهي المهلة التي تُمنح للزوج. «هذا تمييز غريب، الطب متطور، ويمكنه أن يحدد من اليوم الأول قدرة الزوج الجنسية عن طريق فحصه، لكن الزوج لا يُفحص، بل المرأة هي التي تتعرض لهذا الفحص مرتين». الاتفاق على أن الفحص يعدّ انتهاكاً لجسد المرأة أدى إلى مطالبات بإلغائه. فخيّاط تطالب بمنع الفحص إلا في الحالات التي ينظمها القانون، الأمر الذي يرفضه بدران، الذي يقول إن أيّ تعديلات على القانون يجب أن تنسجم مع خصوصية المجتمع، وعاداته وتقاليده، وأحكامه الشرعية. الطبيب محمد بشير شريم، مؤلف كتاب «الفوارق بين الرجل والمرأة»، يدعو مع خيّاط إلى حصر الفحص فقط في المواقف التي ينص عليها القانون، ويقول إن «خصوصية» المجتمع يجب أن لا تكون ذريعة نتمسك بها لنمنع التطور. «من قال إن العادات والتقاليد والأعراف يجب أن تظل ثابتة كما هي؟ كل ما في حياتنا من ممارسات يجب أن يخضع للتحليل والمناقشة العقلية، ويجب في النهاية أن ينسجم مع المنطق». لكن الطوالبة تقف موقفاً وسطياً، وتقول إن إلغاء الفحص ليس حلاًّ عملياً، ولكن يمكن بحسبها حصره بالمركز الوطني للطب الشرعي. «إغلاق المركز أبوابه أمام الناس سيدفعهم إلى التوجه إلى أطباء آخرين، في حين أن الفحص دقيق ويحتاج إلى خبرة، ولا يمكن لأي طبيب أن يقوم بإجرائه. إخلاء المجال لهؤلاء الأطباء سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة». هذه الانعكاسات السلبية يؤكد عليها شريم، إذ يروي قصة فتاة أخبر شخصٌ أهلها أنه شاهدها تستقل سيارة بصحبةَ شاب، فأحضروها إلى عيادة طبيبة من أجل فحصها. «الطبيبة فحصت الفتاة وأبلغت أهلها أن ابنتهم ليست عذراء، فما كان منهم إلا أن وجهوا لها 28 طعنة في العيادة نفسها، ولكن بعد أن فحصها الطبيب الشرعي اتضح أنها كانت عذراء». |
|
|||||||||||||