العدد 1 - العالم | ||||||||||||||
لبناء إمبراطورية، ليس كافياً أن تقيم حساباً لأكثر من نصف نفقات الدفاع في العالم، كما تفعل الولايات المتحدة، فغزو بلدان أجنبية وتحويلها إلى ولايات وكيلة لها، يتطلب تحسين البنية التحتية الموجودة، أو تغييرها. ولأن القطاع الخاص أكثر كفاءة من القطاع العام، أو هكذا كان يبدو قبل أن ينهار تحت ثقل جشعه قبل نحو 18 شهراً، فعليك أن تضع تراتبية من المتعهدين. أما التفويضات فيتم التصدق بها على شركات مثل: كيربي، بكتل، داينكروبس، وفلورز، التي تنجب بدورها متعهدين من الباطن يمكنهم أن يشتتوا أكثر أنظمة المراقبة ضخامة. كل هذا مدون في تقرير مؤقت للجنة التعهدات في زمن الحرب في العراق وأفغانستان، الذي أطلقه الكونغرس العام 2008، للتحقيق في حالات ثراء من الاحتيال المرتبط بعقود متعلقة بالحرب. يوضح التقرير المكون من 110 صفحات، والمعنون بـ«أي ثمن؟» كيف أن جزءاً كبيراً من مبلغ 830 بليون دولار الذي خصصه الكونغرس للوفاء بالتزامات أميركا في زمن الحرب في العراق وأفغانستان، ببساطة، قد اختفى. وأن أكثر من 13 بليون دولار مخصصة للإنفاق على «عمليات فرض الاستقرار» في فترة ما بعد الحرب - كل شيء، من تجهيزات الأغذية وحتى خدمات غسيل الملابس والأمن - تخضع اليوم للتدقيق من جانب خبراء في القانون، نظراً لأخطاء ناجمة عن الإهمال، وأعمال محاسبة غير دقيقة، وسرقة مباشرة. وبالنسبة للأميركيين، الذين تسمح لهم أعمارهم بتذكر «طفايات السجائر الخمسة آلاف» في عهد الرئيس ريغان، ولجان تقصي الحقائق، سوف يشعرون بشيء من الحنين. وخلال رحلة ميدانية إلى كابول في نيسان/أبريل طاف أعضاء اللجنة على المقرات الجديدة للقوات الأميركية في أفغانستان، وجاء في التقرير الذي وضعوه: «لاحظنا وجود شروخ، وتمديدات صحية غير مناسبة (ما يعني حمامات غير صالحة للاستخدام)، وأنظمة صرف صحي غير مناسبة من حيث الحجم، وأنابيب مكسورة، وأخرى تسرب الماء، وممرات هابطة وغير ذلك من العيوب الإنشائية». وفي العراق، وافقت الحكومة على إنفاق ملايين الدولارات لبناء قاعة للطعام لم تعد هناك حاجة إليها بعد أن بدأت القوات الأميركية في الانسحاب من البلاد. هناك مبلغ كبير جداً يراوح ما بين ثلاثة وخمسة بلايين دولار وزعتها واشنطن على كبار المتعهدين لإعادة إعمار العراق، في ما يشبه أحداث فيلم «فدية كنغ»، فهو لم يُستخدم، كما أن كثيراً من العمل المطلوب من هؤلاء المتعهدين - معظمهم عبر العقود سيئة الذكر التي لا تخضع للمناقصة، بل تفصَّل على مقياس شركة محددة - قد تعطل نتيجة التأخير والنفقات الزائدة، فشبكة كهرباء بغداد، مثلاً، لم تعد بعد إلى مستويات خدمتها في فترة ما قبل الحرب. كان هنالك نقص في الرقابة أو غياب لها، فحتى نيسان/أبريل 2007، مثلاً، لم تكن الوكالات قد بدأت في التعرف على التكاليف التفصيلية عن اثنين من المشاريع التي تصل تكاليفها الإجمالية 600 مليون دولار، وأعطيت إلى معهد ريسيرتش تريانغل بين 2003 و2005 بهدف تطوير الحاكمية المحلية في العراق، وكان ذلك بالنسبة لمتعهد عام. أما المتعهدون من الباطن - والذين يساعد نحو ربع مليون منهم البنتاغون في اثنتين من حروب أميركا في الشرق الأوسط، ويدير معظمهم أجانب – فإنهم يعملون من دون أي مراقبة على الإطلاق. التقرير يوبخ وزارة الدفاع لتخصيصها كثيراً من مواردها لغايات الحرب في حملاتها - القتل الزائد عن الحد، إن أردت - في الوقت الذي تهمل فيه الحاجة إلى مراقبة مرحلة إعادة البناء. وحتى الآن، بحسب الدراسة، «لا تستطيع وزارة الدفاع توفير حساب كامل لكل ما يقدمه المتعهدون من دعم تعتمد عليه... رقابة غير دقيقة، بيانات عن العمل مكتوبة بطريقة هزيلة، الحاجة إلى المنافسة، وقد ساهمت النواقص التي يعاني منها المتعهدون في تبديد بلايين الدولارات». ورغم إثراء العديد من الوكالات المدنية وتلك التابعة للبنتاغون، إلى جانب الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية التي تشارك في أعمال إعادة البناء، يلاحظ التقرير أنه «ليس هنالك من موقع للتخطيط والتنسيق والإعلام، وما زالت الحكومة تفتقر إلى معايير واضحة وسياسة واضحة خاصة بالوظائف الحكومية الأصلية». يجب ألا يدهش شيءٌ من هذا أحداً، فدائرة التواطؤ كبيرة، وفي مركزها القادة المدنيون من أمثال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومحافظوه الجدد. وقد قام وزير الدفاع الحالي، روبرت غيتس، بعمل بطولي لتنظيف الأوساخ التي تركها رامسفيلد خلفه، إضافة إلى توزيع موازنات أكبر على الوكالات المدنية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي سَمح بوقوعها في غياهب النسيان تقريباً، حين كانت نفقات البنتاغون تحقق حصصاً متضخمة، كما وضع غيتس جانباً أموالاً لتوظيف نحو 20 ألف ضابط مهمتهم فرض النظام على فوضى الإنفاق في مرحلة ما بعد الحرب في العراق وأفغانستان. وفي النتيجة، فإن غيتس يعيد التوجه، الذي بدأ في عهد إدارة كلينتون وتضخّم في عهد بوش، للتخفيف من التزامات الحكومة الأميركية تجاه الشركات الخاصة مثل هاليبرتون وبلاكووتر التي يخشاها الجميع. الآن، على غيتس الاعتراف بما أصبح واضحاً للجميع خارج واشنطن: الطريقة الأفضل لتخفيض تكاليف الحروب غير الضرورية، مثل الحرب الكارثية التي شنتها واشنطن على العراق، هو التأكد من أنها لن تقع مرة أخرى. |
|
|||||||||||||