العدد 1 - من حولنا | ||||||||||||||
لتأثير الأكبر في الاقتصاد الفلسطيني، هو ذلك المستورد من الأزمة، الذي قد يطال إسرائيل، نظراً للارتباط الوثيق بين الاقتصادَين في مجال التجارة الخارجية، ولحجم سوق عمل الفلسطينيين في إسرائيل. حيث إن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الإسرائيلي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة الفلسطينية، وتسريح جزء لا يستهان به منها، بحسب تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني في حزيران/يونيو 2009. الأزمة لن تؤثر، بشكل واضح، في القطاع المصرفي الفلسطيني، لمحدودية حجم ارتباطه مع المصارف العالمية، باستثناء تلك المصارف المرتبطة بالقطاع المصرفي الأردني في حال طالت الأزمةُ الاقتصادَ الأردني، لكن محدودية حجم ودائع البنوك المقيمة في فلسطين لدى البنوك خارج الأراضي الفلسطينية والتابع معظمها للجهاز المصرفي الأردني، إضافة إلى محدودية ودائع البنوك الخارجية لدى البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، التي تناقصت في الفترة الأخيرة، بشكل واضح، بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، وتباطؤ النمو.. كل ذلك ساهم في إبعاد تداعيات الأزمة. هذا ما يعكسه حجم ودائع الأفراد في البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، المقيمين وغير المقيمين، حيث توضح الإحصاءات استقرار حجم الودائع، بحيث يبدو أنه ليس هناك توجه نحو سحب الودائع، بل على العكس، هنالك حالة استقرار. هذه الحالة عكسها التقرير الأخير للبنك المركزي الأردني، الذي أظهر وجود ارتفاع طفيف في قيمة هذه الودائع، فقد ازدادت الودائع الجارية للمقيمين ما بين أيلول/سبتمبر 2008 وآذار/مارس 2009 بمقدار 16 في المئة، وزادت الودائع لأجل بمقدار 10 في المئة، وودائع التوفير بمقدار 34 في المئة، كما تراجعت ودائع غير المقيمين الجارية بمقدار 1 في المئة، وزادت ودائع التوفير بمقدار 43 في المئة. يرى التقرير أن البنوك المحلية والعاملة في فلسطين بمنأى عن الأزمة، مع الرقابة الأخيرة المفروضة على سياسات الإقراض، بخاصة بعد نشوء أزمة الرواتب بداية العام 2006، كما أن التقرير لم يلحظ أي إجراءات عملية للبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية للحد من التسهيلات المصرفية، ولم يلحظ أي تعاميم أو قيود صادرة عن سلطة النقد الفلسطينية للبنوك. بما يتعلق بالقطاع المالي، تشير البيانات الصادرة عن سوق فلسطين للأوراق المالية، إلى أن مؤشر القدس انخفض 2.37 في المئة لشهر أيلول/سبتمبر 2008، الذي تكشفت فيه الأزمة العالمية، مقارنة مع آب/أغسطس للعام نفسه، وانخفض حجم التداول بنسبة 5.13 في المئة، كما انخفضت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة المتداولة بنسبة 2.34 في المئة للفترة نفسها، وليس هناك أي مبرر لهذا الانخفاض، لا سياسياً ولا اقتصادياً، ولا على صعيد أوضاع الشركات، التي حقق بعضها أرباحاً جيدة العام 2008، بحسب تعميم أصدرته سوق المال الفلسطينية بداية العام 2009. التعميم عدّ التراجع الحاد الذي شهدته الأسهم الفلسطينية في الفترة الزمنية القصيرة التي تلت الأزمة، ردةَ فعل نفسية غير مبررة على ما يحدث في الأسواق العالمية والإقليمية، وأن الهبوط في سوق فلسطين نابع من الخوف لدى صغار المستثمرين مما يحدث في العالم. السبب في ذلك يعود إلى محدودية ارتباط البورصة الفلسطينية بالأسواق الأخرى، وهو عامل يقلل من تأثرها بالتقلب في البورصات العالمية، كما أن الإجراءات التي اتخذتها سوق فلسطين للأوراق المالية من خلال فرض قيود مشددة لمنع الصفقات الوهمية، تمنع حدوث أزمات حادة داخل سوق الأسهم. أما على صعيد القوة الشرائية للمواطن، فإن أثمان السلع والخدمات مرتفعة نسبياً، وفي حال انتقال الأزمة، فإن أسعار السلع والخدمات ستنخفض، وسيكون هذا مفيداً للمستهلك الفلسطيني. وتشير البيانات إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 10.90 في المئة منذ بداية العام 2009 وحتى نهاية أيار/مايو 2009، مقارنة للفترة نفسها من العام 2008، وهي البيانات الأخيرة الصادرة حتى حزيران/يونيو 2009، لكن يبقى ارتفاع الأسعار في الأراضي الفلسطينية رهينة التغير في أسعار صرف العملات عالمياً من جهة، والتغير في أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى. كما أن انخفاض أسعار النفط جراء التوقعات بانخفاض الطلب على الطاقة في الاقتصادات الكبرى، يثير ارتياحاً لدى المستهلك العادي، بخاصة بعد أن شهد عاماً كاملاً من الارتفاع الحاد في سعر النفط وصل الذروة في 11 تموز/يوليو 2008 عندما تجاوز 147 دولاراً للبرميل. ومن حيث التجارة الخارجية، يبين تقرير مركز الإحصاء الفلسطيني أن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد تابع للاقتصاد الإسرائيلي، ومن المتوقَّع أن تسعى إسرائيل لضخ المزيد من السلع إلى السوق الفلسطينية كونها الأقرب وتتعامل بالعملة نفسها، وذلك بهدف تجنب الخسائر المتوقعة في حال التصدير إلى اقتصاد عالمي يتعامل بعملات أخرى. وفي ظل عدم تأثر كل من القطاع المصرفي والسوق المالية بهذه الأزمة بشكل ملحوظ، يبقى الأثر المستورد لهذه الأزمة من الاقتصاد الأكثر تأثيراً في الاقتصاد الفلسطيني: الاقتصاد الإسرائيلي. فقد سجّل حجم التبادل التجاري في جانب الصادرات من السلع والخدمات لإسرائيل 500 مليون دولار، بما نسبته 94 في المئة تقريباً من إجمالي الصادرات للعالم الخارجي ككل للعام 2007، فيما سجل حساب الواردات من إسرائيل للعام نفسه 2121 مليون دولار للسلع فقط، وبما نسبته 70 في المئة من إجمالي الواردات من العالم الخارجي، ويزيد حجم الواردات الفلسطينية من إسرائيل على ثلاثة أضعاف الصادرات إليها، وبالتالي فإن التأثر المتوقَّع بانخفاض أسعار السلع والخدمات سيكون تأثيره الإيجابي في جانب الواردات أكبر من تأثيره السلبي في جانب الصادرات على الاقتصاد الفلسطيني. أما في حال استمرت إسرائيل في تخفيض عملة الشيكل مقابل العملات الأجنبية لرفع صادراتها، فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر في الواردات الفلسطينية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بخاصة أن الواردات تسجَّل بالدولار، بينما يسجَّل الاستهلاك المحلي بالشيكل، وهذا ينعكس على حجم المشتريات، نظراً لأن رواتب موظفي السلطة الفلسطينية والعاملين في إسرائيل بالشيكل. على صعيد الفلسطينيين العاملين في الخارج، فإن الدخل المتحقق لهؤلاء أحد دعائم سد العجز في ميزان المدفوعات الفلسطينية، بخاصة دخل العاملين في إسرائيل، فقد حقق حساب دخل العاملين الفلسطينيين في إسرائيل العام 2006 نحو 264 مليون دولار، بما نسبته 60 في المئة من إجمالي دخل العاملين في الخارج، وبالتالي تبقى مسألة فرص العمل المتاحة في الاقتصاد الإسرائيلي ومدى تأثيرها في الفلسطينيين مربوطة بمعدلات البطالة مستقبلاً في الاقتصاد الإسرائيلي، وأثر الأزمة العالمية في هذا العامل. وتعدّ التحويلات من الخارج من أهمّ العناصر المؤثرة في بنية الاقتصاد الفلسطيني، بخاصة الإنفاق الحكومي والإنفاق الفردي، وهي ركيزة أساسية في معالجة العجز في ميزان المدفوعات وموازنة السلطة الفلسطينية. هذه التحويلات بشقيها المقدّمة للقطاع العام والقطاعات الأخرى (أسر ومؤسسات)، سجّلت في العام 2006 نحو 1.39 بليون دولار. 78 في المئة من هذه القيمة قُدّم من الدول المانحة للقطاع الحكومي، و22 في المئة منها قُدّم بوساطة أفراد ومؤسسات أخرى لقطاعَي الأسرة والمؤسسات الخاصة والأهلية الفلسطينية، حيث تشكل المنح المقدمة للقطاع الأسري 61 في المئة من المنح المقبوضة للقطاعات الأخرى غير الحكومية، وتعدّ هذه النسبة ذات أهمية في حال تأثرت بالأزمة المالية سلباً، من خلال تآكل قيمة هذه التحويلات نتيجة التغير في أسعار صرف العملات. وتشكل قيمة المساعدات نحو 70 في المئة من قيمة الواردات الفلسطينية من العالم الخارجي، ويبين توزيع المساعدات من الدول المانحة للعام 2006 أن الأكبر نصيباً من حيث قيمة المساعدات هي دول الاتحاد الأوروبي، التي ساهمت بنسبة 61 في المئة من إجمالي قيمة المساعدات، تليها الدول العربية التي ساهمت بقيمة 27 في المئة، ثم الولايات المتحدة الأميركية، وساهمت بنسبة 10 في المئة. لكن التقرير يخلص إلى أنه في حال استمرار الأزمة المالية العالمية وحتى عامين مقبلين، سيتأثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مباشر، ويبقى التطور المستقبلي لهذه الأزمة هو الحكَم على مدى التأثير في اقتصادات العالم المختلفة، وعمقه وهيكليته. ويُتوقَّع أن تتأثر أسعار السلع والخدمات بالانخفاض، بخاصة مواد الإنشاءات والإيجارات العقارية، وهو ما يُعدّ في مصلحة المستهلك. |
|
|||||||||||||