العدد 1 - من حولنا
 

كثير من الأحداث التي عصفت بالشرق الأوسط، وربما بأجزاء أخرى من العالم، حضرت فيها إيران السياسة والدين والخطاب. نظام ودولة تحولت من لاعب مشارك في أحداث المنطقة والعالم، إلى طرف غير مرغوب فيه تتسابق الدول على عزله حتى عبر قرارات الأمم المتحدة.

يتذكر العالم الجمهورية الإسلامية في إيران عندما تحدث الأزمات وتتعقد الأمور بما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، أو عندما يهاجم حزب الله إسرائيل، أو عندما يتم الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، وأخيراً عندما يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع. فقبل كل انتخابات تحتل إيران عناوين الأخبار، وتبدأ التوقعات بتغيير يأتي به الإيرانيون. لقد تولد نوع من القناعة لدى دوائر غربية أن المجتمع الإيراني نشط بما فيه الكفاية ليغير من مصيره، وقد تعززت تلك القناعة في سرعة الإيرانيين في مطابقة حياتهم مع النظام الجديد، كما تكرر ذلك في التغيير التدريجي الذي بدأه المجتمع الإيراني مطلع التسعينيات الذي جاءت نتيجته من خلال انتخاب حجة الإسلام محمد خاتمي رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران العام 1997. لقد كان تكرار الانتخابات يثير أملاً متزايداً في أن هناك في الجمهورية الإسلامية من هم جادون في التغيير بطريقة سلمية، وأن هذا يبدو خياراً استراتيجياً. هذا الأمل ضعف، بشكل كبير، خلال الأعوام 2004-2009، وذلك بسبب الإقصاء المبرمج للقوى التي تسعى للتغيير، والمقصود هنا قوى التيار الإصلاحي، فقد هُزمت تلك القوى في الانتخابات البرلمانية السابعة 2004، ثم تكررت الهزيمة في الانتخابات الرئاسية التاسعة العام 2005، وتلت ذلك هزيمة في الانتخابات البرلمانية الثامنة العام 2008، وأخير الانتخابات الرئاسية العاشرة. تلك الهزائم لقوى التيار الإصلاحي أرسلت رسالة واضحة بأن إيران غير جادة في مواصلة طريق التغيير، وأن هناك تياراً قوياً يريد العودة بإيران إلى أوائل أعوام الثورة. هذا التيار يواجه - في ما يبدو - أزمة ومعارضة داخلية من قطاع من الإيرانيين يرى أن طريق التغيير لا رجعة عنها، ولعل مثل هذا التيار هو الذي يصر اليوم على أن يحتكم إلى الشارع في مواجهته لقوى التيار المحافظ، أملاً في أن يثبت على الأقل أن شعلة المطالبة بالتغيير في إيران ما زالت متقدة.

لقد كشفت نتائج الانتخابات الإيرانية العاشرة، أن الإيرانيين منقسمون حول ماهية المسار الذي يجب أن تتخذه الجمهورية الإسلامية بعد ثلاثة عقود. هذا الانقسام ليس مرتبطاً فقط بمن يفوز في الانتخابات، بل يتجاوز ذلك إلى الاختلاف بين مشروعين: الأول، تمثله قوى التيار المحافظ، التي تجمع بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية وقطاع من البازار( التجار). وممثلو هذا المشروع قلقون من التغيير لأنه - بالنسبة لهم - يمثل تهديداً للثورة والجمهورية، لذا فإنهم يسعون إلى المحافظة على الخطاب الديني التقليدي وعلى الأدوات التقليدية في السياسة. الثاني، تمثله قوى التيار الإصلاحي، التي ترى ضرورة التغيير، لأن في ذلك تعزيزاً لمناعة الدولة والثورة أمام التحديات المستجدة. هذا التغيير بالنسبة لتلك القوى، ينسجم مع أصل الثورة التي قامت حمايةً لحقوق الشعب أمام الاستبداد والظلم.

الإصرار على الاحتكام إلى الشارع تقليد يعرف الإيرانيون، كما الشعوب الأخرى، مدى أهميته وخطورته، لذلك، جاء الاحتكام إليه من جانب القوى الإصلاحية، بعد سلسلة الهزائم المتتالية التي دفعت بها إلى الوراء منذ العام 2004، ما قد يعكس خياراً ربما يبقى مفتوحاً على المستقبل. الأمر الآخر في هذا السياق هو ردّة الفعل الدولية التي حاولت أن ترى في ما حدث، مثل التظاهرات التي اندلعت، احتجاجاً على نتائج الانتخابات، ما تحب أن تراه يحدث في طهران من تغيير، وهو أمر يعكس حالة من عدم الفهم للحالة الإيرانية بعد ثلاثين عاماً على تأسيس الجمهورية الإسلامية. من الصعب رؤية بعد خارجي في ما حدث، لأن هذه الانتخابات، وعلى خلاف غيرها من الانتخابات، كانت إيرانية بامتياز من حيث الاهتمام والحملات الانتخابية، لذلك، فإن إقحام الغرب لنفسه أو إقحامه من جانب إيران يعكس ملامح أخرى لأزمة فقدان الثقة المتواصلة بين الطرفين.

ما حدث في إيران وردة الفعل الرسمية حوله، يذكّر بردة الفعل الأميركية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وهو نوع من التراجع لـ«صورة النموذج». فقد قدمت إيران نفسها نموذجاً مختلفاً له معجبوه بسبب الحراك السياسي المتواصل فيها حتى مع وجود ذلك الحراك تحت العباءة الدينية، لذلك، فإن الحكومة القادرة على ضبط المشهد الأمني والعودة بالأمور إلى حالة الهدوء، قد تحتاج إلى جهد أكبر لجبر الآثار السلبية التي تتركها تلك الأحداث على إيران الداخل والخارج معاً.

إيران: أزمة مفتوحة
 
01-Jul-2009
 
العدد 1