العدد 1 - من حولنا | ||||||||||||||
كانت الانتخابات اللبنانية التي جرت في السابع من حزيران/يونيو الماضي مهمة على أكثر من مستوى. فعلى المستوى الإجرائي، كانت تلك أول انتخابات حرة ونزيهة في لبنان منذ 37 عاماً، أي منذ العام 1972. جرت هذه الانتخابات من دون احتلال أجنبي؛ على أساس قانون انتخابات قبلت به جميع الأحزاب والجماعات الرئيسية في لبنان؛ وأدارتها بمجملها وزارة الداخلية التي يرأسها وزير ناشط في منظمات المجتمع المدني كان حياده ونزاهته فوق مستوى الشبهات. ك انتخابات؛ انتخابات ما بعد الحرب في العام 1992، 1996، وانتخابات العام 2000، وكان السوريون هم الذين قرروا نتائجها؛ وفي انتخابات العام 2005، وبعد مغادرة السوريين، أجريت الانتخابات على أساس قانون انتخابات كان السوريون قد صمموه مسبقاً، واعتُبر قانوناً غير عادل، حتى من جانب من فازوا في الانتخابات. لذا، فإن انتخابات العام 2009، سمحت بمصالحة بين الشعب اللبناني ونظامه الانتخابي، وكذلك مع الديمقراطية بعامة. كما أن الجمهور الانتخابي والأحزاب، الذي فاز منها والذي خسر، اعترفت جميعها بشرعية العملية وقبلت نتائجها. كما أن انتخابات العام 2009 جاءت مناقضة لتوجه عام في المنطقة، ففي كثير من البلدان العربية، لا وجود لانتخابات حرة أو نزيهة، كما أنها غير مهمة في تحديد من سيحكم ومن سيكون في المعارضة، فهي عموماً تدار من قبل نظام سلطوي بهدف إعطاء انطباع بالديمقراطية والمشاركة، لكنها في الواقع لا تسمح بأي منها. انضمت إيران أخيراً إلى النموذج العربي الواسع حين خشيت السلطات هناك حتى من أن الهامش المحدود من الديمقراطية والمشاركة التي سُمح بها، قد تشكل تهديداً للنخب الحاكمة. وفي بلدان لا تحكم فيها دكتاتورية متمترسة - مثلاً في فلسطين في مرحلة ما بعد الاحتلال (وقبل ذلك في لبنان) - عادة ما تؤدي الانتخابات إلى انقسام داخلي وما يقرب من حرب أهلية. وفي الانتخابات الأخيرة تجنب اللبنانيون محاذير الانقسام الداخلي، وتعزز، في الواقع، السلم الأهلي. على المستوى السياسي، كانت للانتخابات أهميتها على أكثر من مستوى. ورغم أن الأغلبية التي حققها تحالف 14 آذار في البرلمان الأخير، قد استعيدت في الانتخابات الجديدة، فإن هذه الأغلبية تحظى بالاعتراف بشرعيتها حتى من جانب المعارضة. في برلمان العام 2005، حصل تحالف 14 آذار على الأغلبية، جزئياً من خلال قانون انتخابات غير عادل، وجزئياً من خلال تحالف انتخابي بين حزب الله وحركة أمل. أما في هذه الانتخابات فإنهم فازوا بالأغلبية بأنفسهم. إن شرعية تجديد الأغلبية يعني أن تحالف 8 آذار، لم يعد في إمكانه أن يستخدم عذر عدم الشرعية لينسحب من الحكومة، أو محاصرة وسط بيروت، أو إغلاق البرلمان كما فعل على مدى السنوات القليلة الماضية. وعلى الشرعية المستعادة للنظام والأغلبية أن توفر المزيد من الاستقرار السياسي للنظام في الفترة المقبلة. مع أن نتائج الانتخابات لم تختلف كثيراً عن نتائج العام 2005، إلا أنها شهدت تحولات كبيرة في بعض دوائرها، وبخاصة المسيحيون، أما السنّة والشيعة والدروز، فإنهم يصوّتون بوصفهم كتلاً لقادتهم، ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمسيحيين، ففيما تلقى الجنرال ميشيل عون الدعم من أكثر من 70 في المئة من أصوات المسيحيين في العام 2005، فإنه لم يحصل سوى على أقل من 50 في المئة من الأصوات في هذه الانتخابات. ومن المؤكد أن السباق كان قوياً بين المعسكرات المسيحية المتنافسة، بحيث أن الانتخابات في معظم المناطق المسيحية قد حسمتها الأقليات السنية أوالشيعية أو الأرمنية، التي تأرجحت أصواتها في صورة أو أخرى في المناطق الرئيسية مثل: الكورة، وجبيل، والمتن، وبعبدا، وزحلة. السبب الرئيسي لانحدار شعبية عون هو تحالفه الوثيق مع حزب الله، والذي لم يكن قائماً في انتخابات 2005. من المهم ملاحظة أنه بينما حصلت قوى 14 آذار على أغلبية برلمانية شرعية، فإن من الصحيح أيضاً أن تحالف 8 آذار قد حصل على أصوات أعلى على مستوى البلاد؛ وقد أثار عدد من قادة المعارضة هذه القضية. وعلى أي حال، فإن الفارق بين الأغلبية الشعبية والأغلبية الانتخابية هي سمة مشتركة بين الأنظمة الانتخابية التي تقوم على الأغلبية في العالم أجمع، فإن حصل حزب على أقلية في منطقة معينة، ولكن بهامش كبير، وخسر الأغلبية في مناطق بهامش ضيق، فإنه سوف يخسر الانتخابات مع أنه حصل على أغلبية الأصوات الشعبية. هذه الظاهرة مركبة في لبنان، فبحسب اتفاق الطائف والدستور، يحصل المسلمون والمسيحيون على تمثيل متساو في البرلمان، ما يعني أن بعض المناطق لها أصوات أكثر مما هو موجود في مناطق أخرى. وهذا أمر لا يمكن تغييره ما لم يستغن لبنان عن نظام الأغلبية الانتخابية أو يعيد النظر كلياً في اتفاق الطائف، وهو أساس الاستقرار الحالي للبلاد. رغم أن الجنرال ميشيل عون قد شعر بالإحباط من نتائج الانتخابات، فإن حزب الله بدا مرتاحاً تماماً لها. فتاريخياً، كان حزب الله يفضّل أن يبقى حركة مقاومة مسلحة مستقلة، بحجم قليل من التمثيل في البرلمان والحكومة، أكثر مما يريد من كونه حزباً في الحكم. ورغم أن حزب الله حاول جاهداً أن يحقق الفوز لتحالف 8 آذار، فإنه يعرف أيضاً أنه لو فاز، سيواجه تحديات جدية: فالبلدان العربية والغرب كان سيعيد النظر فوراً في علاقته بلبنان؛ وإسرائيل كانت ستعلن لبنان هدفاً مشروعاً، ما يجعل حزب الله أكثر انكشافاً؛ وحزب الله سيكون حينذاك، مسؤولاً عن المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية اليومية للبنان، وبخاصة بعد أن حدد بوضوح الخطوط الحمراء في معارك الشوارع في بيروت في العام الماضي. يمكن لحزب الله أن يكون مرتاحاً تماماً بفوز تحالف 14 آذار بالأغلبية. كان فوز تحالف 14 آذار في الانتخابات مهماً في صورة خاصة لكي يشفي الجراح من معارك بيروت في العام الماضي. فسنّة بيروت الذين شعروا بالعدوان عليهم وهزموا أمام الشيعة من مقاتلي حزب الله، شعروا الآن بالإنصاف والانتعاش بنتيجة الانتخابات. شعر سنّة بيروت بالأمان مرة أخرى، وفي إمكان حزب الله أن يفكك صورة الجانب العسكري وتأكيد دوره بوصفه لاعباً ديمقراطياً يقبل هزائمه الانتخابية بروح رياضية. ومن المؤكد أن التوترات الطائفية قد هدأت بفعل نتائج انتخابات السابع من حزيران/يونيو. بالانتقال إلى نقطة أخرى، فإن التحدي الأول يتمثل في تشكيل الحكومة، فبخلاف الحكومات السابقة، لن تكون هذه الحكومة انتقالية أو حكومة لإدارة الأزمة، بل حكومة يُتوقع منها أن تحكم لأربع سنوات بأغلبية شرعية وبرلمانية مستقرة ورئيس منتخب شرعياً. وسوف تكون الحكومة بالضرورة ائتلافية تجمع بين أغلبية 14 آذار وأقلية 8 آذار وتقاسماً للسلطة بالنسبة للرئيس. وسوف تكون المساومة الرئيسية حول ما إذا كانت قوى 8 آذار ستحصل على أن تكون في المرتبة الثالثة في الحكومة. فإذا أصر حزب الله على حق الفيتو، فقد يكون من الصعب تجنب ذلك؛ ولكن قوى 14 آذار سوف تساوم على تجنب ذلك، أو على الحصول على ثمن أعلى لمنحه ذلك الحق. سلطة الرئيس سليمان أُضعفت بهذه الانتخابات، فالمرشحون المقربون منه دخلوا الانتخابات وخسروا في عدد قليل من المناطق الرئيسية، وبينما انتُخب في العام الماضي بوصفه مرشح إجماع فوق السياسات الحزبية، فقد كان متوقعاً منه في هذه الانتخابات أن يدخل اللعبة السياسية والانحياز إلى بعض الأطراف. وهو سوف يستمر في محاولة الحصول على حصة في الحكومة المقبلة، ربما من خلال وزارتي الداخلية والدفاع، ولكن سيكون عليه العمل لاستعادة وضعه رئيساً للإجماع. عموماً، كانت انتخابات السابع من حزيران/يونيو الماضي حدثاً إيجابياً بالنسبة للبنان، فقد أعادت الصدقية للمؤسسات الانتخابية اللبنانية؛ خلقت أغلبية شرعية للحكم؛ وهدأت من التوترات الطائفية؛ ووفرت قاعدة صحية للحاكمية. سوف تواجه الحكومة الجديدة تحديات جدية في مجال الإصلاح السياسي والسياسة الاقتصادية وفي تقوية القوات المسلحة الوطنية اللبنانية. رغم الحدث الانتخابي الإيجابي، فإن لبنان يبقى هشا في مواجهته للهزات في المنطقة، وقد كان إيجابياً بالنسبة للبنان أن جرت الانتخابات في وقت كانت فيه سياسات سورية، والسعودية، والولايات المتحدة تنحو إلى مزيد من الانفتاح والتعاون. وعلى أي حال، فإن التوجهات في كل من إسرائيل وإيران تتحرك في اتجاهات متعارضة، وبينما يتوق لبنان إلى تقوية استقراره وأمنه، فإن التوترات بين إسرائيل وإيران، وفي الساحات المختلفة للصراع العربي الإسرائيلي، والتوتر حول النفوذ الإيراني وبرنامجه النووي، قد يُدخل المنطقة في خط المواجهة مرة أخرى، ويضع لبنان مجدداً أمام خطر الاشتعال.
بول سالم* مدير معهد كارنيغي للشرق الأوسط، ومقره بيروت، لبنان. |
|
|||||||||||||