العدد 1 - مساحة حرّة | ||||||||||||||
المؤسسة الإسرائيلية فكرة أن الأردن هو «الوطن البديل»، وهي تعني، باختصار، أن الأردن هو في الواقع الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون، باعتبار أن معظم سكان الأردن فلسطينيون أو من أصول فلسطينية. وإذا تم إنجاز ذلك - وفقاً للأطروحة الصهيونية - سوف تنتهي مشاكل الفلسطينيين، وبالتالي يرتاح الإسرائيليون من هذا الهَمّ. بدايةً، لا بدّ من تفكيك هذه الأطروحة، قبل الوصول إلى أسباب هذا الطرح المتكرر ودواعيه. هذة المقولة تعني أن تعاد هيكلة الأردن، بحيث تبرز الشخصية الفلسطينية، لا الأردنية من أصل فلسطيني، وتأخذ مواقعها القيادية في قطاعات الدولة المختلفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية، وتعني التركيز في القطاعات المختلفة على القضية الفلسطينية أكثر مما هي حالياً، وذلك لكي يشعر الفلسطينيون أنهم يعيشون في «دولتهم» بكامل رموزها الوطنية. وفي النتيجة سوف تصبح الحدود الأردنية الإسرائيلية هي الحدود الفلسطينية الإسرائيلية، وهي أطول حدود تكون بمحاذاة إسرائيل، إذ إنها سوف تمتد إلى حوالي 650 كيلو متراً. ولنا أن نتصور كذلك ولادة خلايا فلسطينية بموافقة السلطة السياسية في الدولة الجديدة، أو بعدم موافقتها، تتسلح بأسلحة صاروخية على غرار أسلحة حزب الله، وتنتشر على الحدود «الفلسطينية - الإسرائيلية». فهل يمكن لإسرائيلي أن يقبل بتطور وضع كهذا على خطوط ممتدة من أم قيس إلى العقبة؟ وإذا كانت إسرائيل لا تطيق قطاع غزة أو جبهة جنوب لبنان، على ضيقهما، فهل تستطيع أن تتعايش مع «دولة فلسطين» بهذه الحدود وبهذا العمق الذي يلامس حدود العراق؟. الأسوأ من ذلك أن المشروع الصهيوني يقفز عن الدولة والكيان الأردني. وقد يقال إن إسرائيل سوف تفرض على «دولة فلسطين» هذه، معاهدةَ سلام، مثل معاهدة كامب ديفيد أو معاهدة وادي عربة. والرد على ذلك هو: هل هذه نماذج ناجحة للسلام مع إسرائيل؟ وهل تطمئن إسرائيل إلى أن بعض العناصر الفلسطينية سوف لا تجد منافذ لتهريب السلاح من إيران، أو من عراق المستقبل، إلى قواعد سرية في الأغوار والتلال المطلة على نهر الأردن، كما حدث في معركة الكرامة؟ لا بدّ أن صانعي السياسة الإسرائيلية يدركون هذه المخاطر، ولا يجوز الاعتقاد أن مثل هذه السيناريوهات تغيب عن مسؤولي التخطيط فيها. وإذا كان الحال كذلك، فلماذا يطرح الإسرائيليون هذه المقولة بين الحين والآخر؟ من المؤكد أن الأطماع الصهيونية التوسعية ليست سرّاً، منذ أن قدّم حاييم وايزمن، رئيس الحركة الصهيونية آنئذٍ، خريطة الدولة اليهودية المقترحة إلى مؤتمر السلم في باريس في العام 1919، وقد اعتبر أن الحدود الشرقية للدولة اليهودية تجري بمحاذاة خط حديد الحجاز، أي أن معظم أراضي المملكة الأردنية الحالية تقع ضمن خريطة وايزمن. ومن السذاجة الاعتقاد أن هذا المخطط الصهيوني قد تغيّر، أو أنه قابل للتغيير، بخاصة إذا لاحظنا القلق الإسرائيلي الشديد من تطور التكنولوجيا النووية (وليس السلاح النووي) الإيرانية، والكورية أيضاً. فالأردن - أو أغلبية الإقليم الأردني - ما زال ضمن مرمى الأطماع الصهيونية، سواء ظل الأردن أردنَّاً، أو تحوّل إلى فلسطين. إن تكرار مقولة الوطن البديل على لسان قادة إسرائيل بمواقعهم السياسية المختلفة (ليكود، عمل، كاديما... إلخ) تنطوي على مخابث عديدة، أهمها إحداث ضغوط على السياسة الأردنية، لحملها على اتخاذ قرارات معينة، أو الابتعاد عن اتخاذ قرارات أخرى. وحالياً، يطرح الأردن حلّ الدولتين بقوّة، ويستخدم نفوذه الدبلوماسي لدفع هذا البديل، وهو بديل متناقض مع تطلعات الحكومات الإسرائيلية الحالية والسابقة. المخبثة الأشدّ لؤماً، تقصد إلى تحريك الفتنة الداخلية في الساحة الأردنية، وتحريض بعض العناصر وتأليبها على أخرى. كما لا يخلو الحال من تأجيج مشاعر بعض العناصر الفلسطينية، للتفكير بأطروحة الوطن البديل، وفي الحالين، خلق وضع مأزوم في الساحة الأردنية، وإحداث شروخ في المجتمع الأردني، واللعب على مشاعر بدائية هنا وهناك. هذه المخابث الإسرائيلية لا تذهب أدراج الرياح بنفسها، ولا تتلاشى بذاتها، لأنه يعاد طرحها وبتكرار لا ينقطع، مما يؤكد أنها سياسة إسرائيلية مبرمجة يتم طرحها بمقاصد صهيونية سامّة، مما يوجب على الأردنيين، قيادةً ونخبة، وضع سياسات وطنية تسدّ الباب في وجهها، وأن يجري الالتزام بسياسات تمّ تقنينها في قوانين أصبحت عناوين مميزة للأردن في وحدته وانسجامه. على سبيل المثال، إن قانون الجنسية الأردني الصادر في العام 1954، جاء أساساً لتنظيم جنسية الفلسطينيين القاطنين في الضفة الشرقية ومن بقي منهم في الضفة الغربية، وهو قانون –رغم أنه قديم نسبياً- تقدمي، والتزم معايير حقوق الإنسان قبل أن تصبح هذه المعايير شعارات القرن الحادي والعشرين. لقد تميّز هذا القانون بأنه حرم تجريد الأردني من جنسيته، إلاّ في أضيق الحدود، وفي جميع الحالات يحتاج الأمر إلى إجراءات معقدة، بما فيها صدور قرار من مجلس الوزراء (وليس قرار من وزير الداخلية مثلاً) وتصديق الملك. هذه الإجراءات قُصد منها وضع العراقيل في وجه تجريد الأردني من جنسيته، إلاّ لأسباب قوية يقرر فيها مجلس الوزراء بوصفه صاحب الولاية العامة في الدولة. لقد تم إهدار هذه الضمانات القانونية دون انسجام مع تاريخ الأردن. فبعد قرار فك الارتباط بين الضفتين في العام 1988، أصبح بإمكان مسؤول متوسط الرتبة أن يسحب الجنسية من أردني، بمقولات لا ترقى إلى أيٍّ من الأسباب المهمة الواردة في قانون الجنسية، ولا يحتاج هذا المسؤول إلى قرار من مجلس الوزراء ولا يحتاج إلى مصادقة الملك. هكذا أصبحت الجنسية لبعض الأردنيين ليست أكثر من رخصة قيادة سيارة يمكن لشرطي السير سحبها. إن الاعتصام بالقانون هو الأداة الرئيسية في تحصين الجبهة الداخلية، والوقوف في وجه المخابث الصهيونية التي سوف لا تتوقف ولن تتوقف، لإدراكها أن العداء بين الصهيونية والشعوب العربية عداء أصيل قد يعرف المهادنة، إلاّ أنه لا يعرف السلام. |
|
|||||||||||||