العدد 1 - اقتصادي
 

وبينما استوفت تلك المشاريع شروط نجاحها، مثل مساهمتها بأكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحجمها البالغ 98.5 في المئة من إجمالي المؤسسات العاملة، بحسب بيانات وزارة التخطيط للعام 2008، إلا أن الشروط المفروضة من القطاع المصرفي الخاص يصعب الإيفاء بها من طرف أصحاب تلك المشاريع. من بين تلك الشروط: الضمانات المالية، عدد الكفلاء، والسجل المالي الجيد.

يختلف مفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على المستوى العالمي، وذلك بحسب طبيعة اقتصاد كل دولة وخصائصها، وقد وضعت كل دولة معايير محددة بها لتحديد هذه المشاريع. من أبرز المعايير التي اتفقت عليها جميع الدول: العمالة، ورأس المال.

غرفة تجارة عمان، ترى أن كل منشأة تشغل أقل من 10 عمال وبرأسمال أقل من 30 ألف دينار، منشأة ميكروية. وفي حال راوح عدد العمال بين 10 و49، وتجاوزَ الرأسمال 30 ألف دينار، فالمنشأة تُعدّ صغيرة. وإن راوح عدد العمال بين 50 و249 وبرأسمال يزيد على 30 ألف دينار، فالمنشأة متوسطة.

وقدّرت غرفة صناعة عمان عدد الشركات الصغيرة بـ17175 شركة، بينما هنالك 900 شركة متوسطة و165 شركة كبيرة. تكشف هذه الأرقام أن أقل من 1 في المئة من الشركات في الأردن كبيرة، و5 في المئة متوسطة، و94 في المئة شركات صغيرة، بمعنى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل 99 في المئة من المنشآت الصناعية الأردنية من حيث العدد.

ماليزيا مثلاً تصنف المشروع على أنه صغير، إذا كان عدد العمال فيه لا يتجاوز الثلاثين، بينما تذهب كلٌّ من الولايات المتحدة، بلجيكا، اليونان، وسنغافورة، إلى رفع هذا العدد إلى 50 عاملاً، بينما يرتفع في اليابان إلى 300، ويصل إلى 500 في كلٍّ من فرنسا وألمانيا وإيرلندا والدنمارك.

أما من حيث معيار رأس المال، فتصنف الولايات المتحدة المشروعَ على أنه صغير إذا كان رأسماله أقل من مليونَي دولار. ويقل المبلغ في اليابان إلى 940 ألف دولار، بينما تحدده سنغافورة بـ280 ألف دولار. وفي دول الخليج، صنفت “منظمة الخليج للاستشارات الصناعية”، المشاريع على أنها صغيرة، إذا كان لا يزيد عدد العمال فيها على 30 عاملاً، ويقل رأسمالها عن مليونَي دولار، أما التي لا يزيد عدد العمال فيها على 60 عاملاً، ويراوح رأسمالها بين مليونين وستة ملايين دولار، فقد صنفتها على أنها مشاريع متوسطة.

يتم قياس دَور المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساهمتها في الاقتصاد، عبر ثلاثة معايير رئيسية: المساهمة في التشغيل والإنتاج، وحصتها في العدد الكلي للمنشآت في الاقتصاد، والمساهمة في زيادة الدخل القومي، فهي تساعد على ذلك خلال فترة قصيرة نسبياً، نظراً لأن إنشاء هذه المشروعات يتم خلال فترة أقل مقارنةً بالمشروعات الكبيرة، وبالتالي فهي تدخل في دورة الإنتاج بشكل أسرع، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد النمّري.

قطاعياً، تتركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاعَي الصناعة والتجارة. يقول رئيس غرفتَي صناعة الأردن وعمّان حاتم الحلواني، إن عدد المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة تشكل ما نسبته 98.7 في المئة من إجمالي المنشآت البالغ عددها 25 ألف منشأة، وهي تشغّل أكثر من 180 ألف عامل، وهذا العدد يشكل حوالي 48 في المئة من نسبة القوى العاملة في الأردن.

بما أن حصة المشاريع الصناعية الصغيرة في الأردن أكثر من 98 في المئة من إجمالي المنشآت، في الوقت الذي يساهم فيه القطاع الصناعي، الجانب التحويلي وليس الاستخراجي، بنحو 0.8 نقطة من معدل النمو المقدَّر بنسبة 4 في المئة أو ما يعادل 17.3 في المئة من النمو ككل، فإن هذه النسبة تعدّ جيدة، بحسب النمّري، لكنه يرى أن هناك خللاً في معادلة التشغيل.

يقول: “هذه المنشآت تبتعد كثيراً عن الشرط الثاني، وهو مساهمتها في التشغيل، كون البيانات تشير إلى وجود نحو 180 ألف عامل يعملون في هذه المنشآت، لكن معظمهم غير أردنيين”.

واقع النشاط الاقتصادي في البلاد، لم يمر بأيّ مستوى من التطور التدريجي الذي يرسي القواعد الإنتاجية المتعددة، بل اتّجه مباشرة إلى مرحلة الصناعات الحديثة من خلال استيراد تقنية الإنتاج من الدول المتقدمة، ما أدى إلى غياب طبقة من الحرفيين والعمال المهَرة الوطنيين، الذين يتولّون تشغيل المنشآت الصغيـرة، ويقومون بالجانب الابتكاري فيها. وقد نتج عن هذا اعتماد المنشآت بخاصة الصناعية منها على العمالة الأجنبية، بحسب الخبير الاقتصادي محمد البشير.

يرى البشير عائقَين يحدّان من نشاط المنشآت الصغيرة: التمويل، وغياب التنسيق. بما يتعلق بتسويق هذه المنشآت، يقول: «هنالك تناقض واضح بين عدد المنشآت الصغيرة الصناعية ومثيلاتها التجارية»، في إشارة إلى مشكلة في التسويق مع وجود أكثر من 75 ألف تاجر مسجلين في غرفة تجارة الأردن.

يقترح البشير أن يجري التنسيق بين هؤلاء الصناعيين والتجار في هذا الشأن، كما يقترح وجود مظلة واحدة ترعى شؤون المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثلما هو متبع في دول أخرى تدرك أهمية هذا القطاع، فأنشأت وزارات أو هيئات مستقلة لمتابعة شؤونها. «لا بد من وضع استراتيجية موحدة وتنسيق الأدوار بين جميع هذه الجهات، توفيراً للوقت والمال والكوادر البشرية، وضماناً لعدم الازدواجية في العمل».

هذا ما ذهب إليه أيضاً الخبير الاقتصادي غسان معمّر، الذي يرى أن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يفتقد للإطار التنظيمي الموحد. «على سبيل المثال تتوزع النواحي النظامية والإجرائية لهذه المنشآت على كل من وزارة الشؤون البلدية من حيث إصدار رخص أو تصاريح، ووزارة التجارة والصناعة ممثلة في الغرف التجارية الصناعية من حيث إصدار السجل التجاري ونظام الدفاتر التجارية، كما أن هناك أكثر من 12 جهة حكومية لديها علاقة وثيقة ذات تأثير في وضع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثل وزارات الصحة والاتصالات والنقل والتعليم والسياحة».

النمّري يلفت إلى مسألة تتعلق بالعمالة. «هذه المنشآت لم تستطع الحد من البطالة في البلاد»، التي تبلغ 15 في المئة بحسب بيانات الإحصاءات العامة. ويضيف: «هناك أكثر من 300 ألف عامل وافد، بينما تقدَّر قوة العمل في الأردن، بحسب بيانات وزارة العمل، بـ1.2 مليون. هذا يعني أن الوافدين يحصدون حصة كبرى في وظائف تلك المنشآت».

يوضح النمّري: «في المناطق الصناعية المؤهلة وحدها، التي تصنَّف بوصفها منشآت صغيرة ومتوسطة، فإن العمال الأجانب يحصدون ثلث الوظائف المتوافرة فيها».

وزير العمل غازي شبيكات ينفي في تصريح لـ«السّجل» فكرة أن العمالة الوافدة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشهد زيادة غير طبيعية، وقال إن معظم الوافدين يعملون في قطاع الخدمات، بعيداً عن الصناعة والتجارة، في إشارة منه إلى «التحميل والتنزيل والنظافة».

يستند شبيكات إلى أن العمالة الوافدة لا تستطيع الحصول على تمويل، على سبيل المثال من صندوق التنمية والتشغيل، «إحدى الجهات الداعمة لتلك المشاريع».

أما موقف القطاع المصرفي الأردني، بشكل عام، فلا يشكل حالةً شاذة، في إحجامه عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

كنوعٍ من ردّ الفعل على تجنُّب البنوك التوجه نحو توفير الائتمان طويل الأجل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، جاء إنشاء مؤسسات إقراضية متخصصة في معظم دول العالم. وغالباً ما تكون هذه المؤسسات حكومية أو شبه حكومية.

على سبيل المثال، أُنشئت في الولايات المتحدة خلال العام 1945، هيئة متخصصة في ضمان القروض لدعم تلك المشاريع وتمويلها. أما في الأردن، فقد جاءت فكرة تأسيس الشركة الأردنية لضمان القروض كجهة منفذة لبرنامج ضمان القروض برأسمال قدره 10 ملايين دينار في العام 1994.

البيانات الأخيرة الصادرة عن الشركة، تفيد بأن قيمة المبالغ المضمونة لجميع برامج ضمان القروض خلال العام ارتفعت في العام 2007 إلى 17.1 مليون دينار، مقابل 15.2 مليون دينار العام 2006.

بينما انخفض رصيد المحفظة المضمونة بمقدار 1.9 مليون دينار، ليصبح 49.2 مليون دينار، مقابل 51.1 مليون للعام الماضي، في حين ارتفعت قيمة إجمالي السقوف الممنوحة للبنوك المشاركة بمقدار 9.7 مليون دينار، لتصبح 78.5 مليون دينار، مقارنة مع 68.8 مليون دينار العام الماضي.

وعلى صعيد البرامج المختلفة للضمان، فقد ارتفع عدد القروض الإنتاجية للعام 2007 ليصل إلى 180 قرضاً، مقارنة مع 153 العام 2006، وارتفعت قيمة المبالغ المضمونة إلى 3.8 مليون دينار، مقابل 3.1 مليون دينار العام 2007، لتصبح قيمة محفظة القروض الإنتاجية المضمونة في نهاية العام 2007، نحو 8.8 مليون دينار. أما السقوف الإنتاجية الممنوحة للبنوك المشاركة، فقد بلغت 29.2 مليون دينار في العام 2007.

مع عدم توافر مسح حتى الآن يبين حجم العمالة الوافدة في المشاريع المتوسطة والصغيرة، إلا أن قراءة تحليلية لبيانات صادرة عن وزارة العمل، تخلص إلى أن العمالة الوافدة تشغل ربع شواغر العمل في تلك المنشآت.

مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في تشغيل 60 في المئة من الطبقة العاملة، يعني أن نحو 600 ألف عامل من مليون يعملون بها، مع استثناء المتعطلين المقدَّر عددهم بـ 200 ألف، بحسب بيانات الإحصاءات العامة.

في قراءة تحليلية، يخلص المرء إلى أن نحو 300 ألف عامل وافد حائزين على تراخيص عمل، يتوزعون بحسب بيانات وزارة العمل، على القطاعات المختلفة: الصناعة (حصتهم 25.1 في المئة)، الخدمات (36 في المئة)، الزراعة (23.6 في المئة).

نحو 200 ألف عامل وافد من هؤلاء يعملون في منشآت صغيرة ومتوسطة، عند استثناء حصة الإنشاءات البالغة 15.3 في المئة، نحو 45 ألف عامل، واستثناء نصف قطاع الخدمات، 18 في المئة من أصل 36 في المئة، أي نحو 50 ألف عامل، على اعتبار أن قطاع الخدمات يشمل أيضاً الخدمات المساندة لعمليات النقل المستقلة غير التابعة لتلك المنشآت، ووجود عمال نظافة تابعين لمؤسسات حكومية، لكن في القطاع نفسه هنالك المقاهي والفنادق والمطاعم التي يعمل بها وافدون، وهي تعدّ منشآت صغيرة.

تشير البيانات الصادرة عن مؤسسة المدن الصناعية إلى وجود 28. 14 ألف عامل وافد، مقابل 9 آلاف أردني، من إجمالي 38 ألف فرصة عمل في تلك المناطق.

المشاريع الصغيرة والمتوسطة: مساهمة محدودة في محاربة البطالة
 
01-Jul-2009
 
العدد 1