العدد 1 - الملف | ||||||||||||||
لم يَحُلْ الباب السادس من الدستور بمواده السبع التي تؤكد على أهمية السلطة القضائية واستقلالها، دون استمرار التذمر من معيقات عديدة تمنع تحقق هذه الاستقلالية بشكل تام وكامل. ورغم أن المادة 97 من الدستور تنص على أن «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون»، إلا أن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، كما يرى مختصون وقضاة. يقول قاض فضّل عدم نشر اسمه إن «استقلال القضاء لن يتحقق ما دام الجهاز القضائي يتبع السلطة التنفيذية مالياً وإدارياً، فتعيين القضاة والموظفين وإنهاء خدماتهم بيد السلطة التنفيذية». إن معرفة القاضي بأن السلطة التي يمثلها تابعة بالتراتبية لوزير العدل ومن ثم إلى رئيس الحكومة، حقيقة ماثلة أمامه أثناء أداء عمله، وهذا من شأنه في كثير من الأحيان، التأثير في القاضي، بحسب المحامي هاني الدحلة، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. يطالب الدحلة بأن لا يكون للسلطة التنفيذية القول الفصل في تعيين القضاة أو إحالتهم إلى التقاعد، وذلك لضمان استقلال القضاء. ويضيف أسباباً مجتمعية أخرى تؤثر في القضاء مثل الاعتبارات العشائرية والجهوية، التي يرى أن «أهميتها في هذا المجال تحديداً تتراجع أمام عوامل أخرى، مثل تأثير بعض مراكز القوى والنفوذ» على حد تعبيره. قاض سابق يرى أن قانون استقلال القضاء بشكله النافذ حالياً، هو سبب عدم استقلال القضاء فعلياً، «فالعديد من نصوص هذا القانون تمنح رئيس المعهد القضائي سلطات واسعة، فهو الذي يعين القضاة وينسّب بإحالتهم للتقاعد والمشاركة بالتصويت على هذا التنسيب». ويتساءل القاضي الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع: «كيف يمكن لأعضاء المجلس القضائي أن يرفضوا تنسيب رئيسهم المعين من السلطة التنفيذية أصلاً؟». رئيس المجلس القضائي السابق القاضي محمد صامد الرقاد، قال في محاضرة له: «إن استقلال القضاء يصنعه القضاة الأقوياء»، وذلك بأن يكونوا أقوياء مستقلين ولا تأثير لأي جهة في نظرهم للقضايا المعروضة عليهم. وعبّر عن ذلك برسالة وجهها إلى الملك عبد الله الثاني قال فيها «إن أهم مظاهر عدم استقلال القضاء هو تبعية هذه السلطة إلى سلطة أخرى ممثلة بوزارة العدل». كما أشار الرقاد في رسالته العام الماضي، إلى أن بطء النظر في القضايا والفصل في النزاعات هي أبرز أسباب التباطؤ في تحسين الجهاز القضائي واستقلاله، حيث إن استقلال القضاء حق للمواطنين، لكي يشعروا بالاطمئنان على أن منازعاتهم تُنظر بعدالة ونزاهة وحياد، ما يحقق سيادة القانون. المحامي مراد خريسات، يرى أن تدخل الحاكم الإداري في اختصاص المحاكم من إيقاع عقوبات على متهمين، مظهر آخر لعدم استقلال القضاء، حيث أوكل قانون منع الجرائم هذه الصلاحيات للحاكم الإداري بإيقاع عقوبات إدارية مثل جلب الشخص دون الأخذ في الحسبان تبرئته في المحاكم العادية، «ما يشكل امتهاناً وإحراجاً للسلطة القضائية التي ترى قراراتها يُضرب بها عرض الحائط» كما يقول. كما أن كثيراً من مهام السلطة القضائية سُحبت منها لصالح المحاكم الخاصة، كما يرى خريسات، مثل محكمة أمن الدولة التي يرى أنها في الأصل يجب أن تتبع السلطة القضائية. وهو يؤكد أن هذه المحكمة مخالفة للدستور، «فهي نشأت في ظل قانون الطوارئ الملغى». المفارقة أن بقاء تلك المحاكم، كما يرى، يمس استقلال القضاء، كما أنها سبب لعدم الوثوق به في كثير من الحالات، ناهيك عن أنه يشكل انتقاصاً من حق الشخص بالحصول على درجات التقاضي. السلطة التنفيذية تقر ببعض هذه الانتقادات، بل إنها حاولت إصلاحها، ومن ذلك محاولاتها لتأهيل القضاة ورفع مستوى كفاءتهم، فقد تم وضع استراتيجية لتطوير القضاء لتعزيز النزاهة والاستقلالية، وتعزيز كفاءة الجهاز القضائي وتطوير الأنظمة والإجراءات، وتقليل الطلب على المحاكم، وتعزيز الرقابة والتفتيش القضائي، وتطوير البنية التحتية للمحاكم، وتعزيز القدرة المؤسسية لوزارة العدل، ومحور أتمتة وظائف وزارة العدل والمحاكم وحوسبتها. الاستراتيجية التي أطلقتها وزارة العدل منذ العام 2000 نصت على عدد من الخطط للنهوض بالقضاء وتعزيز مكانته، ورفده بالمقومات الكفيلة بضمان استقلاله ونزاهته. كما تبنت الوزارة استراتيجية شاملة للتطوير القضائي للأعوام 2004 - 2007، اصطُلح على تسميتها «استراتيجية تطوير القضاء الأردني»، وانبثق عنها نحو 600 مشروع منها ما تم تنفيذه، ومنها ما هو قيد التنفيذ. |
|
|||||||||||||