العدد 1 - الملف | ||||||||||||||
مع أن لجنة الميثاق الوطني للعام 1991 أوصت بتأسيس محكمة دستورية، فإن هذا الأمر لم يتحقق بعد ما يقارب العقدين على تلك الدعوة، فقد رأت الحكومات المتعاقبة أن هناك مسائل أكثر إلحاحاً، وأن المناخ السياسي غير ناضج بعد لتطبيق خطوة كهذه. في 12/1/2003، في عهد رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، تم تشكيل لجنة كُلفت بدراسة إنشاء محكمة دستورية. وبعد عشرين يوماً عقدت خلالها خمسة اجتماعات سلمت اللجنة تقريرها في 2/2/2003، الذي خلصت فيه إلى أنه «لا مبرر حالياً لإنشاء محكمة دستورية، والضرورات غير ملّحة لإنشائها». مقرر اللجنة العين طاهر حكمت بيّن «أن اللجنة اعتمدت في توصياتها على أن النظام القانوني الحالي في الأردن، يعطي آليات كافية لممارسة الرقابة على دستورية القوانين، وبالشكل الذي يخدم مصلحة الوطن ومصلحة الفرد». يرى حكمت أن إنشاء مثل هذه المحكمة يتطلب بالضرورة تعديلاً للدستور، وهو أمر غير ضروري، لأن الدستور رمز من رموز الاستقرار باستمراره، إضافة إلى أنه يقتضي تأهيل كوادر قضائية ذات خبرة ومراس في العمل القانوني، ولها إطلالة على الموضوعات المتعلقة بالحياة العامة والحياة السياسية. ويشير حكمت إلى أن اللجنة «بحثت النقاط التي تتولد عن موضوع المحكمة الدستورية، والتي كانت موضوع نقاش وطني على ما يبدو، وحملت في كثير من الأحيان أكثر مما تحتمل من الناحية السياسية». منظمات المجتمع المدني لا تتوقف عن المطالبة بإنشاء محكمة دستورية، لقياس مدى دستورية القوانين، وبخاصة المؤقتة منها، والتي تصدر عادة في غياب مجلس الأمة، رغم أن هذه المطالبة مضت عليها سنوات طوال، دون أن تتحقق. كان إقرار قانون الجمعيات للعام 2008 من قبل مجلس النواب، أثار اعتراضات من مؤسسات المجتمع المدني، التي قالت إن هذا القانون الذي أصدرته الحكومة السابقة على شكل قانون مؤقت، «مخالف للدستور». كما اعترضت الأحزاب السياسية، على قانون الأحزاب للعام 2007، وعدّته قانوناً «غير دستوري»، ودعت هي الأخرى إلى إنشاء محكمة دستورية، تكون مهمتها الأساسية والأولى «الفتوى في دستورية القوانين». هذا لم يمنع نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني، من المطالبة بإنشاء المحكمة، رغم أن لجنة المحكمة الدستورية المنبثقة عن لجان «الأردن أولاً» أجمعت في توصياتها العام 2003 على أن «إنشاء المحكمة الدستورية حالياً، هو أمر غير وارد، وغير ملح، ويستلزم تعديلات دستورية أساسية». وقالت اللجنة في حينه إن الدستور الأردني أخذ بنوعين من الرقابة، الأول: رقابة ذات طبيعة مزدوجة سياسية قضائية، عن طريق استحداث هيئة ذات تشكيل خاص باسم المجلس العالي لتفسير الدستور، والثانية: عن طريق الرقابة القضائية. ونشرت النقابة في مجلتها القانونية بحثين عن المحكمة الدستورية، الأول بعنوان «مدى حاجة المملكة الأردنية الهاشمية إلى إنشاء محكمة دستورية» للمحامي محمد سالم ملحم، والثاني بعنوان «في غياب محكمة دستورية» للمحامي موسى فهد الأعرج. يرى ملحم في بحثه أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى إنشاء محكمة دستورية. واستعرض الأسباب «الملحة» لإنشائها، ومنها أن الأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، يسعى إلى إحداث ثورة بيضاء في كل الأمور التي تهم الشعب الأردني. وتحدّث ملحم عن «ضعف الرقابة السياسية المتمثلة في البرلمان، وعدم وجود كفاءات قانونية داخل المجلس، وبخاصة في المجال الدستوري»، و«ندرة حالات التصدي للقوانين والمواد القانونية المخالفة للدستور». وأشار إلى أن إنشاء المحكمة يؤدي إلى «عدم تغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات»، ويسهم في «تحقيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين الأردنيين». كما استعرض حجج المؤيدين لإنشاء هذا النوع من المحاكم، ومنها أن المحكمة الدستورية ستكون «المرجع والملاذ للطعن، سواء أكان مباشرة أم بالتصدي أم بالتعرض أم بالإحالة لفحص مدى دستوريتها» ومن الحجج المؤيدة «سيادة مبدأ الفصل بين السلطات»، و«سيادة حكم القانون وإرساء مبدأ دولة القانون»، و«الرقابة القضائية المستمرة والدائمة على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية»، وهما الجهتان اللتان حدد الدستور حقهما في التشريع». أما المعارضون لإنشاء المحكمة، فأورد ملحم العديد من أسباب معارضتهم، ومنها «الحساسية المفرطة التي قد تنشأ ما بين السلطتين القضائية والتنفيذية. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن «المحكمة العليا الدستورية في الولايات المتحدة تغولت في أحكامها». ومن أسباب الاعتراض أيضاً، أنه «ليس هناك جهاز قضائي متخصص في هذا المجال»، كما يقول ملحم، وبالتالي فإنشاء محكمة دستورية يحتاج إلى جهاز قضائي رفيع المستوى أكاديمياً وعلمياً، وخبرة طويلة في هذا المجال. في البحث الثاني، اعتبر الأعرج أن المحكمة الدستورية لبنة مهمة وأساسية في بناء النظام القضائي لكل دولة لها دستور، مشيراً إلى أن الرقابة على دستورية القوانين أَولى من مراقبة مشروعية القرارات الإدارية. ورأى أن الوسيلة المتبعة حالياً للطعن في دستورية القوانين، طريقة الدفع الفرعي، لا تقوم مقام محكمة دستورية، ولا تغني عنها، ولو كان الأمر كذلك، لاستغنت العديد من الدول عن وجود هذه المحكمة، واكتفت بوسيلة الدفع بعدم الدستورية. وذهب إلى أن كيان الدولة القانونية، وهي دولة الحاكمين والمحكومين المتقيدين جميعاً بالقانون، لا يكتمل دون وجود محكمة دستورية، مؤكداً أن كيان الدولة القانونية الحديثة لا يستوي من دون وجود محكمة دستورية. وأوضح الأعرج أنه «إذا كانت المحاكم العادية في الدولة القانونية تقف حائلاً بين ظلم الأفراد لبعضهم بعضاً، وكانت المحاكم الإدارية (محكمة العدل العليا حالياً)، هي الحارس الذي يقيم العدل بين الإدارة العامة (الحكومة)، وبين الأفراد، فإن عدم وجود حارس يراقب السلطة التشريعية ويمنع اعتداءها على الدستور (وهي تضع القواعد القانونية التي تلزم الإدارة العامة والأفراد)، لا يستقيم ومفهوم الدولة القانونية». وقال: «إن محكمة دستورية متخصصة بالرقابة على دستورية القوانين في حال إنشائها، سوف يكون من مهمتها دون مواربة، أن تقضي في ما إذا كان القانون المؤقت المطعون بدستوريته، هو تدبير ضروري لا يحتمل التأخير، ولعل الفرق شائع بين قاض إداري (محكمة العدل العليا)، ونطاق حركته الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة التنفيذية، وبين قاض دستوري نطاق حركته الرقابة على مشروعية القوانين ومطابقتها القانون الأسمى في الدولة». وبما يتعلق بتعديل الدستور لإنشاء المحكمة الدستورية، فإن قانونيين عديدين رأوا أن إنشاء محكمة دستورية، أمرٌ في غاية الأهمية، ويستوجب تعديل الدستور. وكانت لجنة «إنشاء المحكمة الدستورية» المنبثقة عن لجان «الأردن أولًا»، شدّدت على أن تعديل الدستور ومداه «مسألة تحتاج قراراً مستنداً إلى دواع جوهرية وحساب للإيجابيات والسلبيات، بما يحقق الصالح العام للمواطنين، على أساس أن التغير الحقيقي هو الذي يستجيب لحاجات موضوعية، وليس لمجرد التغيير فقط. كما أن قرار إجراء التغيير والتعديل الدستوري، يتم عبر البنى الديمقراطية ذات الاختصاص، ووفقاً للأصول الدستورية، وحين يصبح التغيير في مرتبة متقدمة في سلم أولويات الوطن». دستور 1928، الذي صدر في عهد الأمير عبد الله في ظل الانتداب البريطاني، أعدّ الإطار العام الذي تقوم عليه القوانين الحالية. ففي أعقاب استقلال الأردن عن بريطانيا سنة 1946، أقرّ المجلسُ التشريعي الدستورَ الأردني الثاني سنة 1947. وقام الملك عبد الله الأول سنة 1950، بعد توقيع اتفاقية الهدنة مع إسرائيل سنة 1949، بضم الضفة الغربية رسمياً إلى شرق الأردن، رغم المعارضة الشديدة من جانب الدول العربية لتلك الخطوة. وفي أعقاب ذلك أعدّ دستوراً معدلاً للمملكة الأردنية، وقد جعل الملك طلال ذلك الدستور أكثر تحررية، وتم التصديق عليه سنة 1952. إلا أن دستور 1952 شهد تعديلات في الأعوام 1974 و1976 و1984. وأتاح تعديلان أقِرّا سنة 1984 للملك، حل مجلس الأمة وتأجيل انتخابات مجلس النواب سنة كاملة. كما أتاح له تعديل 1976 إرجاء الانتخابات النيابية إلى أجل غير مسمى. الملك يرجئ هذه الانتخابات لسنتين وفي «ظروف قاهرة» يرى معها أن إجراء الانتخابات أمر متعذر. وهذا ما حدث في 16 حزيران/يونيو 2001. وجرت انتخابات نيابية جديدة في 17 حزيران/يونيو 2003. |
|
|||||||||||||